إن المعنى اللغوي لصلة الأرحام هو وصل الأقرباء، والجمع (صلات)، واللفظ ذو رحم يعني ذو قرابة وصلة.وشرعًا تعني بر الأقرباء وتقديم المعونة والإحسان إليهم وإظهار الحب والمودة لهم سواءً كانوا محسنين أم مسيئين في التعامل.
اقرأ أيضاً الروابط الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية.. تأمُّل وتدبر!
أنواع صلة الأرحام
الأرحام نوعان
-
رحم محرم: وهم الأقارب الذين يحرم الزواج منهم شرعًا مثل الآباء والأمهات مع أبنائهم، والإخوة والأخوات والإخوة من الرضاعة والأجداد والجدات مع أحفادهم، وأبناء الزوج أو أبناء الزوجة والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
-
رحم غير محرم، ويجوز الزواج منهم، وهم أبناء العم وأبناء الخال وأبناء العمة وأبناء الخالة وبنات العم وبنات الخال وبنات العمة وبنات الخالة.
توصل الطب الحديث إلى أن أنسجة جسم كل إنسان تتشابه كثيرًا مع الأقرباء، ويقل التشابه تدريجيًا كلما بعدت درجة القرابة إلى أن يصبح النسيج مختلفًا كليًا مع الغرباء.
إن معرفة درجة التشابه والاختلاف بالأنسجة عملية تنفذها الوحدات الوراثية أو ما يسمى طبيًا مستضدات كريات الدم البيضاء أو معقد التوافق النسيجي، هذه المستضدات على سطح كريات الدم البيضاء تعمل عمل جهاز التعارف في الطائرات، فإذا تعرف الجهاز إلى الطائرة الدخيلة يعدُّها صديقةً، وإن لم يتعرف إليها تعامل معها تعامله مع عدو يجب التخلص منه.
وكذلك المستضدات بعد أن تجري فحص التعارف ترسل إشارة إلى الجهاز المناعي تعلمه بأن الجسم الغريب جزءٌ ذاتيٌ متطابق أو صديقٌ متشابهٌ إلى حد كبير أو جسمٌ غازٍ مختلفٌ كليًّا.
أنسجة الجسم يتوارثها الإنسان من الوالدين مناصفة، وهذا ما يفسر التشابه والتطابق النسيجي بين أفراد الأسرة الواحدة (الوالدين، الأبناء، الإخوة، الأعمام، الأخوال) الذي استفاد منه العلماء لزرع أعضاء صحيحة بدلًا من تلك المعطوبة.
اقرأ أيضاً نصائح لإعادة التواصل مع أفراد العائلة ولم الشمل
فوائد صلة الأرحام
لا تقتصر صلة الأرحام على فوائد مادية فقط، بل فوائد معنوية ونفسية، فصلة الرحم تكفل أمان وتضامن أفراد الأسرة والعائلة الواحدة، ليعود النفع على المجتمع كله مثلما تجد الورقة حياتها وأمانها ونضرتها وطول بقائها بارتباطها بالغصن، والغصن بالشجرة، والشجرة بأصلها وهو التراب.
تترابط أفراد الأسرة الواحدة ببعضها عاطفيًا، والعائلة الواحدة بصلة الرحم، والعشيرة برباط عشائري، وأبناء العرق الواحد برباط قومي، والبشرية جمعاء برباط إنساني، هذه الصلات جمعت الأجزاء مع بعضها البعض، وأصبحت البشرية جسمًا واحدًا له طاقة وقدرة هي مجموع تلك الطاقات الجزئية لأداء وظيفة الإنسان في الكون.
فكما أن اجتماع الألوان يعطي لونًا آخر جديدًا هو مجموعهم، كذلك ترابط البشر مع بعضهم يؤلف طاقة تؤدي وظيفة من وظائف الشجرة الكونية لا شرقية ولا غربية تضم الكون بأسره.
رابطة صلة القربى فيها من الأسرار ما يُذهل ويخفى عن العقل البشري القاصر، وللمثال أذكر استجابة مريض فاقد للوعي عدةَ شهور لنداء والدته وتحريكه لأصبع قدمه، في حين أنه لم يستجب لأي نداء آخر، فهل تردد صوت الأم يعد كلمة مرور لقوة خفية في العقل الباطن رغم فقدان الوعي؟
لا تخلو القربى من تناسب جسماني وروحاني بالاستعداد والفطرة، فكما تتناسب أمزجة وأنسجة أولي الأرحام وهياكلهم الصورية وجمال أشكالهم وحسن منظرهم ووسامتهم بنور وجههم كذلك أرواحهم وأحوالهم المعنوية تتناسب وتتشاكل وتتصل اتصال الفرع بالأصل، واتصال العقول الجمعية بالعقل الكوني أو الذكاء الكوني المخترع لهذه العقول والروابط.
اقرأ أيضاً 7 قواعد هامة تجعل الأسرة أكثر تماسكاً
الإنسان جزء من كيانات كلها أجزاء متصلة
الإنسان غرزة في سجادة هائلة تحوي كل الخلائق، وهي ليست كيانات منفصلة عن بعضها، بل أجزاء متصلة ببعضها البعض اتصالًا غير مرئي وذكي جدًا، فكما أن أعضاء الجسد الواحد يجمعها صلة القربى فتتصل ببعضها البعض لأداء وظيفة كلية هي حياة الجسد رغم تفاوت واختلاف الوظائف الجزئية لكل عضو، فإن قطع الصلة بين الأعضاء سيؤثر سلبًا في الوظيفة العامة للجسد.
إدراكنا الضعيف وتفكيرنا المحدود بحدود حواسنا لا يرينا الصورة الكاملة، بل يوهمنا بالانفصال، ويقنعنا به، أما حينما ننظر بوعي ونظرة إجمالية ونندمج متّحدين بالكل، ونغيب عن الدور الجزئي بالعودة إلى الدور الكلي ونحقق الشمولية الوجودية؛ نرى ذلك الاتصال الخفي الذي يربط كل الموجودات ببعضها، ونرى الصورة الكلية والرسالة الأساسية لهذا الاتصال عبر الكل.
إدراكك ووعيك لهذه الصلة يحتاج إلى قبولك له دون متعة بما تفعله ثم شيئًا فشيئًا تستمتع بما تفعل متعةً بمظهرها الديناميكي.انفصال الأنا الجمعية يعزز الأنا، واتصال الناس ببعضهم يضعف الأنا، ويعزز الوعي الجمعي الذي يقود تصرفاتهم غير الواعية.
تتمثل صلة الأرحام بزيارتهم واستضافتهم، وتفقد أحوالهم، والتودد إليهم، وإخراج الصدقة لهم، وعيادة مريضهم والدعاء لهم، وإصلاح ذات بينهم، وتحملهم والصبر عليهم، وعدم رد إساءة جاهلهم، أما قطع الرحم يضعف الرباط الإنساني ويضعف رسالة الإنسان.
قطع الرحم تستمتع به الأنا وهو الابتعاد عن الوحدة والاتصال اللذين يطيلان العمر، ويزيدان القوة، ويوجبان دوام البقاء والتوجه إلى الكثرة، وهو ذاته الانفصال الذي يعني المقت والضعف والكره والجفاء والعصبية والملل والوهن.قد لا ندرك الأهداف الباطنية أو الأهداف غير المباشرة من الأحكام والآداب والأخلاق، لكنها بالتأكيد جليلة ونبيلة ترتقي بنا إذا أخذناها بالتسليم والقبول.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.