أخبرتني يا صديقي في رسالتك السابقة عن رغبتك في كتابة رواية وسألتني رأيي، وهأنذا أكتب إليك، وسأبدأ رسالتي بما قاله الروائي بول أوستر: "الرواية هي الفن الوحيد الذي يقبس جوهر الحياة الإنسانية".
ماذا قالوا عن أدب الرواية؟
والحقيقة يجدر بالروائيين كافة أن يوافقوا على ذلك، فالرواية عدا أنها أدب العصور الحديثة اللامع والمتألق، فهي الصنف الوحيد من الأدب الذي يمكن وصفه بأنه جامع مانع، وهي من الممكن أن تضم كل شيء في الحياة، ومن أنواع الأدب الأخرى أيضًا.
إنها الفن الذي يقبض على اللحظة الراهنة ويحكي عن الأزمان كلها مع امتداداتها في الوقت نفسه، وهي فن وصف الواقع وإعادة صنعه بآنٍ واحد، إنها الفن الشامل.
ولكن، قراءتنا للروايات ومتعتنا بها وفائدتنا منها والحديث عنها والتغزل بها والاقتباس منها شيء، وكتابتها شيء آخر تمامًا.
بعض الكتاب يصفون الكتابة عمومًا وكتابة الرواية خصوصًا بأنها عمل ممتع وجميل.. الكاتب راي برادبوري يقول: "إن لم تكن الكتابة متعة وتسلية للكاتب فعليه ألا يكتب"، وآخرون يصفونها بالجحيم.
أديبنا الكبير حنا مينة قال ذات مرة: "مهنة الكتابة ليست سوارًا من ذهب، بل هي الطريق إلى التعاسة الكاملة"، وأي متابع للأدب يعرف أن الصنف الثاني هم الغالبية العظمى.
فهل من الممكن أن ينصح روائي خاض هذه التجربة بشقائها ومتعتها معًا شخصًا آخر بالخوض في هذا المعترك؟
الإجابة البديهية ستكون "نعم، حاول ذلك"، ولكن لكل عمل شروطه، أليس كذلك؟ والأدب والكتابة لهما شروطهما بالتأكيد، وهي كثيرة.
كيف تكتب رواية؟
الموهبة تأتي أولًا، فهي الأساس الذي سيُبنى عليه كل أمر لاحق، ولا بناء يقوم بغير أساس.
الرغبة ثانيًا، ولكن وكما قال خورخي لويس بورخيس: "ثمة أناس يرغبون ولا يقدرون"، أي أنهم لا يتمتعون بالموهبة الكافية أو لا يملكون العدة الكافية للكتابة رغم اعتقادهم غير ذلك، وهنا يأتي دور النقاد والقراء غير المجاملين.
ثم تأتي اللغة وهي المادة الخام للكاتب، وكلما اغتنت زادت إمكانات الكاتب ولا يغنيها سوى القراءة المستمرة وفي المجالات كافة.
أما الشغف فهو الدافع الذي يدفع الكاتب للاستمرار ولولاه لأصابه اليأس وتوقف.
والتركيز ضروري جدًّا في أثناء الكتابة، ولكنه لوحده يكفي لكتابة قصة قصيرة، في حين الرواية تحتاج إلى الصبر الطويل مع التركيز كي يستطيع الكاتب أن يكتب وعلى نحو موصول أسابيع وأشهرًا وربما سنوات.
وهذا ما قاله الأديب هاروكي موراكامي عندما حدد ضرورة اجتماع 3 شروط للشروع في كتابة رواية وهي الموهبة والتركيز والصبر.
ثم تأتي الاستمرارية، عندما يبدأ الكاتب بأي مشروع روائي فعليه أن يكتب يوميًّا أو شبه يومي ولو أوقاتًا قصيرة.
الانقطاع خاصة الطويل يسبب التشتت والضياع، ويمكن أن نسمي ذلك بالالتزام، الالتزام بالكتابة والتشبث بها، المثابرة أمر مهم جدًّا للنجاح في مجالات الحياة كافة وهي كذلك في الأدب.
وهنا نتذكر ما قاله الأديب صامويل بيكيت: "حاول دائمًا، افشل دائمًا، حاول مجددًا، افشل بطريقة أفضل".
ودعنا نتخيل أن الحياة مركبة، فإذا افترضنا أن العقائد والفلسفات هي الهيكل، والعلوم هي المحرك، فإن الأدب هو الوقود الذي لولاه ما سارت المركبة خطوة إلى الأمام، الأدب هو ما يضمن للبشرية بقاءها واستمرارها.
من المؤكد أن كتابة الرواية أمر صعب ومعقد ويحتاج إلى تضافر هذه الأمور كلها معًا، ولكن هذا لا يمنع أي مهتم بالأدب وعاشق له من المحاولة، وإن كان يملك الموهبة فعلًا ثم الشغف فعليه ألا ييأس أبدًا.
لقد كان ذلك مفيدا وشامل ويعطي باقة امل لكثيرين كما ينم المقال عن ثقة وتفاؤل وثقافة واسعة أمام شخص العطا؛ هو ما يشكل كل ما يكتب او يقول شكرا يادكتور
أشكرك أستاذ أسامة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.