لا أعرف ما الذي يجعلنا نتوقف أحيانًا عن الكتابة، ونشعر بأن شيئًا ما يشوش تفكيرنا على الرغم من أننا في أحيان أخرى نظل نكتب حتى نظن أننا لن نتكلم إلا بكلماتنا على الورق أو الإنترنت، هل تحتاج الكتابة أحيانًا إلى عناء، أم أن المسألة تتطلب فقط بعض التركيز؟ ليست المسألة بالسهولة التي نتخيلها؛ لأن القلم يعد من الجمادات المتحركة المصاحبة للإنسان، فالقلم يميل فقط إلى أصدقائه ومحبيه، ويبتعد مطلقًا عن الزاهدين في معرفته، فهو يتحرر دائمًا من النفس الملولة، ويضطرب من مزاحمة الأخبار والإعلانات الصاخبة، ولا يسير كثيرًا في ركاب المنافقين على الرغم من محاولاتهم المستميتة لتسخيره، لكنه يأبى أن يكون عبدًا لهوى كاذب أو لسان متسلق.
إن الكتابة الحقيقية تحتاج إلى قلم متحرر من الأسر والرغبات، فتنظيم الكلمات في سطور معبرة يتطلع إلى مساحات واسعة وهدوء ذهني، لهذا يبغض القلم عالم السوشيال ميديا، ويرفض أن يدور في فلكه؛ لأن القلم لا يتسم بالاجتماعية المتعددة؛ لأنها تتسبب في إزعاجه وإعاقته عن دوره في تنسيق الأشعار والعبارات.
القلم لا يميل إلى تداخل الشركاء، بل يهرب دائمًا من الدردشة والزحام إلى الانفتاح على عالمه الكبير حيث الطبيعة الساحرة والبحار الممتدة إلى آخر العالم، فيبحث هناك عن الخواطر والأفكار التي ينثرها في فقرات تشبه دوائر اللؤلؤ، أو قطرات الذهب والمرجان، وقد تُرسم في شكل نقاط سوداء، أو سحب كثيفة ملبدة بغيوم الأحزان، وذلك طبقًا لما يشعر به مالك القلم، لكن من المالك؟
مالك القلم ليس إنسانًا مرفهًا، بل هو يحمل أمانة الكلمة وشرفها، وهو يخاطب الناس جميعهم ولا يخالطهم، بل هو دائم الغيرة على مالكه، لهذا يصعب على الكاتب في وقت الإلهام أن يخالط الآخرين، ولهذا لاحظنا فشل بعض مشاهير الكتاب في حياتهم الشخصية، وتحدث بعضهم عن غيرة القلم وتسلطه على محبيه، ولسنا هنا في المكان والزمان المناسبين لسرد أسماء هؤلاء الكتاب؛ لأن الأفضل في نظري أن نبتعد عن الخصوصيات التي تسبب إزعاجنا كما تزعج أصحابها.
في حقيقة الأمر تعد الكتابة هبة من الله لكل إنسان، فالناس جميعًا يستطيعون أن يكتبوا لتخرج أحزانهم على الأوراق، وتروى مذكراتهم في بعض الصفحات، وقد يصبح من بينهم من يهوى الكتابة ويدمنها حتى يصبح محترفًا، أو يصبح روائيًا مشهورًا، وفي تلك اللحظة قد يتحرر نهائيًا من حياته الشخصية ليخرج إلى حياة الناس في العالم كله، ما يجبره على الرحيل عن حياته ورغباته الشخصية، أو يكون حكيمًا بعض الشيء ويتحرر جزئيًا ليكون قصصيًا ناجحًا، ولتبقى حياته الخاصة على ما يرام.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.