السلعة التي تروج بين الناس يقل سعرها، إنها القاعدة التي تحكم فن الحضور والغياب، الممنوع لدى الناس والنادر بينهم عزيز عندهم، ومَن يثقل بالحضور يفقد زهوه ومكانته ويزهده الناس، أسمعك تردد هذه المقولة الشهيرة: «الممنوع مرغوب».
أتى رجل درويشًا وسأله: لماذا لا تأتي لزيارتي كثيرًا؟
فأجابه الدرويش: لأن سؤالك لماذا لا آتيك كثيرًا أحبُّ إليّ من قولك: ما الذي أتى بك إليَّ مرة أخرى.
اقرأ أيضاً التجسس عين ثالثة.. ملخص كتاب "48 قانوناً للقوة"
فن الغياب ملخص "كتاب 48 قانوناً للقوة"
أرأيت.. الحضور القوي يجلب إليك الانتباه والتركيز، ومع كثرة ظهورك وكثرة كلامك تقل مكانتك ويخفُت بريقك ويقل احترام الناس لك تدريجيًّا، تعلَّم متى عليك أن تنسحب في اللحظة المناسبة قبل أن يلفظك الناس في داخل أنفسهم وأتقن فن الغياب، كما أتقنت فن الحضور.
حتى في علاقات الحب قيل إن السحر يزول بالاقتراب الذي يقتل الخيال ويفرض الواقع، ولهذا كانت (نينو دي) -العجوز الخبيرة ببواطن المحبين محظية البلاط الفرنسي في القرن السابع عشر- تنصح المحبين بالابتعاد عن أحبائهم مدة، وقد كتبت ذات مرة: «الحب لا يموت من الجوع ولكن من التخمة»، عليك أن تجعل الطرف الآخر يتعطش إلى حضورك، ولا تترك نفسك حتى تُهضم وتُبتلع.
في إحدى قرى آسيا التي عاشت مدة حالكة من الفوضى وغياب القانون والنزاعات، عُرف رجل كان يُدعى (ديوسيس) بالعدل والحكم بين الناس وتسوية الخلافات، ومنذ اللحظة الأولى عندما اختاروه ملكًا حاكمًا عليهم، أدرك الرجل فاعلية الحضور والغياب.
اقرأ أيضاً احذر التعاطف الماكر.. ملخص "كتاب 48 قانونًا للقوة"
قصة عن أهمية فن الغياب
وأتقن هذه القاعدة الساحرة التي ساعدته في إحكام سيطرته ونفاذ كلمته على البلاد، فقد اشترط عليهم أن يبنوا له قصرًا بأسوار شاهقة تمنع وصول العوام إليه، وكان التواصل معه فقط عن طريق الحاجب الخاص به، وأغلب حاشيته لم تكن تراه إلا مرة كل أسبوع.
وبهذا رسخ له في أذهان الناس أنه الرجل العادل الذي لا يُخطئ، حتى كتب فيه المؤرخ القديم (هيرودوت) ذات يوم: «الخطر من كثرة رؤيته أنه سيولد فيهم الاستياء والغيره منه، وبعدها تأتي المؤامرات، لكن حين لم يره أحد نمت حوله أسطورة أنه من طبيعة أخرى غير البشر»، فلم ينظر الشعب له أنه إنسان عادي بل هو أقرب للأساطير.
وأنك لا بد أن يكون لك حضور قوي كما يقولون، وكما أن للحضور الطاغي سحره وسطوته، فإن للغياب سرًّا وسلطانًا باعثًا للشوق ومحفزًا للمحبة، فالمثل القديم الذي قاله أجدادنا: «يا بخت من زار وخفف» مثل حقيقي مائة بالمائة، وأنت لا شك تلمَّست عمق صحته، وعاينت صدق معناه، أليس كذلك؟!
«حين يكثر حضوري على مسرح الأحداث يقل تأثر الناس بي» هكذا كان رأي نابليون الرجل العسكري الفذ في قاعدة الحضور والغياب.
فكن كالشمس نقدر قيمتها فقط حين تغيب وتهجرنا في شتاء قارس، ولا تثقل بالحضور فتزهد الناس فيك كما تزهد الناس الشمس في أيام الصيف الحارة، تعلَّم كيف تتوارى عن الناس حتى إذا عُدت كان لعودتك لهفة واشتياق.
وإلى لقاء آخر مع قانون جديد من قوانين القوة والسيطرة وملخص كتاب 48 قانونًا للقوة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.