للإهداء دورٌ مهمٌ في تقوية العلاقات الإنسانية، ونقدم الهدايا لأسباب عدة وفقًا لمتطلبات اجتماعية وثقافية مختلفة، على سبيل المثال، هدايا في المناسبات الخاصة مثل أعياد الميلاد وغيرها. إن الهدية من الأمورِ البسيطة التي تجلبُ السعادة، وتُعمق أواصر المحبة بين البشر، وتساعد على التقريبِ بين القلوب وإسعاد المحبين.
تاريخ الهدايا منذ إنسان الكهف
إن ممارسة الإهداء موجودة منذ بداية الحضارة الإنسانية، وربما سبقت ذلك، إذ وُجدت علامات على أن أسلافنا كانوا يتبادلون الهدايا. ويعتقد الباحثون أن إنسان الكهف كان يقدم هدايا مثل صخور ذات أشكال غير عادية أو أسنان حيوانات لتقوية التواصل الاجتماعي وإظهار تقديرهم للآخرين. ومع تطور الهياكل الاجتماعية، أصبحت الهدايا أكثر تفصيلًا وتنوعًا.
كما كانت الهدايا جزءًا من مراسم الدفن للفراعنة، إذ تُظهر السجلات المبكرة للتاريخ المصري أن المتوفى كان يُدفن مع الهدايا اللازمة للحياة الآخرة، وقد كان من واجب الابن الأكبر الإشراف على دفن والديه والتحقق من حصولهما على كل ما يحتاجان إليه.
في الحد الأدنى، كانت هذه الهدايا تشمل أشياء يومية مثل الأوعية والأمشاط والطعام، في حين كان المصريون الأثرياء يُدفنون مع الأصنام والتمائم والجواهر والأثاث وغيرها من الأشياء الثمينة، وكان لكل هدية غرض مختلف، ولكن معظمها كان حماية ومساعدة للمتوفى على الانتقال إلى الحياة الآخرة.
وفي العصور الوسطى، كان لتبادل الهدايا دورٌ مهمٌ في التفاعلات الاجتماعية، كما كان الإهداء وسيلة جيدة لتعزيز الروابط الاجتماعية أو إظهار الولاء للأشخاص والمؤسسات القوية، مثل الملك أو الكنيسة.
وتعد المهور مثالًا بارزًا على تقديم الهدايا في العصور الوسطى، إذ كانت تُستخدم لتعزيز العلاقات. ومن المراسم الاجتماعية حينها تقديم والد العروس هدايا فخمة للعريس مقابل الزواج ورعاية ابنته، بجانب هدايا الخطوبة مثل الأراضي أو الأموال أو الماشية أو حتى المعادن الثمينة.
طريقة اختيار الهدايا وأنواعها
قد يبدو اختيار الهدية المثالية بمنزلة تحدٍّ مستحيل في بعض الأحيان. وفي دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عن دوافع ورمزية الهدايا التي نقدمها، حُددت أربعة أنواع رئيسة من الهدايا:
- الهدايا التي تعبر عن شخصية المُهدِي.
- الهدايا التي ترمز إلى معرفة مقدم الهدية للمتلقي وما يسعده.
- الهدايا التي ترمز للمناسبة نفسها.
- الهدايا المعبرة عن معانٍ مهمة وذات دلالة في علاقة المُهدِي والمهدَى إليه.
وفي مقالتها «الدوافع والرمزية في سلوك تقديم الهدايا»، تقول ماري فينلي إن الهدايا المفضلة غالبًا ما تندرج ضمن الفئة الثانية، وهي هدايا يريدها المتلقي ولكنه لم يكن ليشتريها بنفسه، ثم إن الهدايا الأقل تفضيلًا تكون رمزية للغاية لمقدم الهدية، ولم يكن لها أي علاقة بالمتلقي. ومع ذلك، خلصت الدراسة إلى أن معظم الهدايا هي في الواقع حل وسط بين ما يرغب فيه المتلقي وما يود مقدم الهدية أن يحصل عليه المتلقي.
الهدايا وتعزيز العلاقات
غالبًا ما نقدم الهدايا لإعادة تأكيد أو تأسيس علاقتنا بالآخرين، ما يعني أنها تعبير عن كل من المانح والمتلقي، فضلًا على كونها رمزية للذكريات المشتركة في علاقتهما الفريدة. إن تقديم هدية لشخص نهتم به يسمح لنا بالتعبير عن مشاعرنا وتقديرنا له.
في الواقع يعتقد بعض علماء الاجتماع أننا نقدم الهدايا فقط للأشخاص الذين نود الحفاظ على علاقتنا بهم، وفي كتابه «الهدية» يرى عالم الاجتماع الفرنسي مارسيل موس أن عدم الإهداء في المناسبات أو رفضها من الطرف الآخر هو في الأساس رفض للعلاقة نفسها.
ما تأثير الهدية على المخ؟
اتضح أن تقديم الهدايا، خاصة عندما يكون صاحب الهدية شخصًا تربطنا به علاقة وثيقة، ينشط مسارات المكافأة الرئيسة في أدمغتنا، ويحد من التوتر.
وقد خلصت الدكتورة إميليانا سيمون توماس، مديرة قسم علم الأعصاب في مركز البحوث بجامعة كاليفورنيا، في دراسة لها عن أثر الود والإيثار، إلى أن اللطف والامتنان يولدان التوهج الدافئ والمتعة الجوهرية الناتجة عن القيام بشيء ما من أجل شخص آخر، إذ يؤديان إلى تنشيط هرمون المكافأة في المخ؛ لذا فإن تقديم الهدايا يعادل الشعور الذي ينتابنا عند الحصول على جائزة أو الفوز بصفقة، فيفرز الجسم جرعة من هرمون الأوكسيتوسين، وهو هرمون عصبي يعزز الثقة والأمان، ويدعم التواصل الصحي، وغالبًا ما يُشار إليه باسم «هرمون الاحتضان».
تهادوا تحابوا
الإهداء، سواء كان ذا قيمة مادية أو معنوية، هو فعل ذو قيمة جمالية يتم بين المُهدِي والمهدَى إليه، وينبع من أشخاص لديهم حسٌّ مرهف وذوقٌ خلاب. وهو فنٌّ ساحر يتقنه بعض الأشخاص الذين يقدمون هداياهم إلى أحبتهم أو أصدقائهم.
فالهديةُ من الأمورِ البسيطة التي تجلبُ السعادة، وتُعمق أواصر المحبة، وتُساعدُ على التقريبِ بين القلوب وإسعاد المحبين، وتعزز المودة، ويحث الدين عليها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا» (رواه البخاري).
ويتضاعف وقع الهدية كلما كان لمن قدمها مكانة خاصة لدينا. تهادوا فإنها تذهب بالضغائن وتقرب القلوب وتسعدها، وتصنع اللحظات التي تجعل حياتنا أجمل.
👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.