"الطريقة الوحيدة لإنقاذ نفسك هي أن تناضل لإنقاذ الآخرين" (زوربا).. ومن هنا تتولد حقًّا فكرة (الإنسان الاستثنائي).
قدمت الدراما التليفزيونية المصرية في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين مسلسل (عابر سبيل) عن مفهوم (الإنسان الاستثنائي)، وكانت من بطولة (يحيى الفخراني) في شخصية (الدكتور جميل محمود أبو ثريا) أستاذ مساعد الفلسفة الحديثة بالجامعة الذي اكتشف في يوم أن ثروته التي ورثها عن والده كانت من مصدر غير مشروع من جراء جريمة ارتكبها واتهم فيها شخص بريء.
وعندما عرف، قرر أن يطهر هذا المال بأن يتخلص من جميع أمواله في سبيل تحقيق نهضة مفاجئة به لمجتمع شعبي فقير فيكون هو المدينة الفاضلة الجديدة بدلًا عن الجمهورية المثالية لدى (أفلاطون) أو (اليوتوبيا) التخيلية عند (توماس مور).
اقرأ أيضًا: فلسفة العقل.. تعرف على دراسة طبيعة الوعي في مختلف العصور
لقد قرر أن يكون هو ذاك (الإنسان الاستثنائي) على التعريف الذي صاغه زميله أستاذ الفلسفة الآخر في تصدير كتاب له عن (عالم المثُل عند أفلاطون) بأن (الإنسان الاستثنائي) هو "المفكر الذي يؤمن بقضية ولا يكتفي بالكلام عنها أو الدعوة إليها بل يبادر إلى تطبيقها بنفسه وبكل الوسائل المتاحة له".
وبقدر ما حاول هذا الزميل الصديق أن يرده عن الانسياق وراء هذه الفكرة التي وصفها له بأنها (فكرة رومانسية خيالية طموحة) لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع؛ لأنها ستصطدم بالتشكلات التقليدية للمجتمع، لكن الرجل لم يرتد عن عزمه.
ولكن لم تكن المأساة الحقيقية في هذا الفعل بوجود المشكلة في تكوين الفكرة المجردة نفسها وليس أيضًا في السعي نحو تطبيقها حسب مفهوم (الإنسان الاستثنائي)، ولكن المشكلة كانت تكمن في خطأ أساسي في منهج التنفيذ لها.
هذا الخطأ هو ذلك الخطأ نفسه الذي نبه إليه مدرس التاريخ تلميذه (أبو العلاء البشري) الشخصية التي جسدها الممثل القوي (محمود مرسي) في دراما تليفزيونية مصرية أخرى في التوقيت نفسه بعنوان (رحلة السيد أبو العلاء البشري) التي أُخذت عن رواية (دون كيشوت)، قام فيها البطل منفردًا بالرحلة النضالية الدونكيشوتية نفسها من أجل بسط الفضيلة والأخلاق الحميدة في مواجهة انحرافات المجتمع.
اقرأ أيضًا: أهمية الفلسفة في جميع نواحي الإنسان
فكان الخطأ الذي قال عنه هو: "إغفال حقيقة مهمة هي أن هذا الزمان ليس زمان الفارس الوحيد الذي يقدر بسيفه ورمحه أن يهزم الأشرار وينقذ سيدة الحسن.. لا بد أن يصبح كل فرسان الخير مع بعضهم البعض جماعة.
فهذا هو المفتاح وكلمة السر والشعار القديم الذي قال عليه (ألكسندر دومان) في رواية (الفرسان الثلاثة) وجعله قانونهم وشعارهم (الكل للواحد والواحد للكل)". هكذا كان يجب على أستاذ الفلسفة ألا يحقق مدينته الفاضلة مفردًا وحيدًا، وإنما جماعة، وأن تصبح الفكرة مدرسة.
وصحيح أنه كانت هناك نماذج فردية للإنسان الاستثنائي مثلما هي شخصية (زوربا) اليوناني المتمرد التي صورها (نيكوس كازنتزاكيس) في روايته المشهورة وحقق بها نوعًا من ذلك المفهوم للإنسان الاستثنائي، وحقًّا أن (زوربا) كان إنسانًا استثنائيًّا، ولكن كانت استثنائيته الدونكيشوتية هذه هي بالأساس في مواجهته لذاته وليس في مواجهته للمجتمع.
فكان من غير الممكن من (زوربا) إلا أن يكون فردًا في إنسانيته الاستثنائية، مؤكدًا بذلك أن (الإنسان الاستثنائي) بصدد مواجهة المجتمعات الراهنة في زماننا لا يمكن أن يكون فارسًا منفردًا، لا يمكن أن يكون إلا جماعة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.