على الرغم من أن قارة إفريقيا تزخر بثروات طبيعية هائلة تتفوق بها على باقي قارات العالم؛ فإنها لا تزال تعاني الفقر والجوع والتهميش في كثير من دولها، تمتلك إفريقيا ثروات طبيعية هائلة تُخبئها أراضيها الشاسعة، فلغة الأرقام لا تكذب وتشير إلى أن القارة السمراء تمتلك 30% من إجمالي احتياطي الثروات المعدنية الموجودة في كوكب الأرض، ما يجعلها مؤهلة لطفرة صناعية واقتصادية غير مسبوقة إذا استُغلت هذه الموارد بكفاءة. فإفريقيا وحدها تنتج أكثر من 81% من البلاتين العالمي، و61% من الماس، و23% من الذهب، إضافة إلى كونها المنتج الأول لـمعدن اليورانيوم المشع بنحو 19% من الإنتاج العالمي. وتمتلك القارة 40% من إنتاج المنجنيز، و30% من إنتاج الفوسفات العالمي، وتُسهم بنحو 11% من إنتاج النفط الخام و7.5% من الغاز الطبيعي.
لكن السؤال المحير والمفجع في آنٍ واحد هو: كيف يُصبح المواطن في دول إفريقيا من أفقر سكان العالم (Poorest Inhabitants) ولا يستطيع الاستفادة من هذه الموارد الضخمة؟ بل وأدهى من ذلك، أنه يُعاني الفقر والجوع، وقد تجد أماكن يمشي أبناؤها حفاة، إضافة إلى أعداد كبيرة من القرى التي لا تمتلك مدرسة أو مستشفى أو حتى مصدرًا نظيفًا لمياه الشرب.
وفي هذا المقال نحاول الإجابة عن هذا سؤال لماذا تعاني إفريقيا الفقر على الرغم من كثرة مواردها، بتحديد مجموعة من النقاط الأساسية التي تُعد خلاصة لمناقشات ودراسات وآراء كثير من خبراء التنمية والاقتصاد في دول إفريقيا والعالم.
دول إفريقيا.. لماذا تعاني الفقر؟
بعد قراءة الأرقام التي تثير الجدل بقدر ما تثير الدهشة، فإن الإجابة عن هذا السؤال من وجهة نظر عدد من المتابعين والخبراء في دول إفريقيا وخارجها تتلخص في نقاط عدة أهمها ما يلي:
الاستعمار الجديد في دول إفريقيا
على الرغم من خروج الاستعمار من معظم دول إفريقيا، فإن السياسات الاستعمارية ما زالت موجودة في القارة العجوز التي تهدف بالطبع إلى السيطرة على الموارد الموجودة من ثروات معدنية ونفط وخيرات غير مسموح لأبناء دول إفريقيا بالاستمتاع بها، وهو ما يظهر في عدد من سبل التعاون وتقديم المساعدة لمواطني دول إفريقيا من أجل الاستيلاء على مقدرات البلاد في صورة قروض صينية، ومساعدات روسية، واتفاقات أمريكية بغرض تنفيذ خطط طويلة المدى ومواجهة الإرهاب، وهو ما يمكن أن تلاحظه مثلًا في الاتهامات التي وجهتها إيطاليا لفرنسا بنهب إفريقيا، والاتفاقات الموقعة بين روسيا وعدد من الدول الإفريقية من أجل مساعدتها على مواجهة الإرهاب مقابل الحصول على جزء من ثروات ومناجم هذه الدول، وعلى رأسها دولة إفريقيا الوسطى.

نفوذ الشركات متعددة الجنسيات في دول إفريقيا
تُعد الشركات متعددة الجنسيات نوعًا من أنواع الاستعمار الجديد، إذ تتمتع هذه الكيانات بقوة اقتصادية وسياسية هائلة، كما تستطيع تحريك الأمور ودعم نخبة محددة في دول إفريقيا، ومنحهم القدرة على الوصول إلى السلطة والحكم، وتوفير الشرعية والحماية لهذه الشركات.
ما يعني السيطرة على الموارد في دول إفريقيا من منابعها، والحصول على حصص هائلة من الأرباح، ثمّ تحويل هذه الأرباح والموارد إلى بلدانها في الغرب دون أن يستفيد منها شعوب ومواطنو دول إفريقيا، فعلى سبيل المثال: تستحوذ شركة (أريفا) الفرنسية على موارد اليورانيوم الموجودة في دولة النيجر، وتورِّدها إلى فرنسا لتغطية أكثر من 75% من احتياجات الدولة الأوروبية من الكهرباء، في الوقت نفسه الذي تعاني فيه دولة النيجر من ظروف اقتصادية صعبة ويعيش معظم سكانها دون كهرباء، وبهذه الطريقة تتعدد أمثلة سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على موارد دول إفريقيا، بالتعاون والاتفاق والمساندة من النخب الحاكمة.

دول إفريقيا والفساد
يظل الفساد هو العدو الأول والسبب الرئيس في تأخر الدول الإفريقية، وخاصة تورط النخب الحاكمة في الاستيلاء على مقدرات البلاد، وتسهيل أعمال الشركات الأجنبية، والدخول في معاهدات واتفاقيات لا تخدم مصالح البلاد، وإنما تمنح هذه النخبة كثير من العوائد، إضافة إلى ثير من المساندة للبقاء في مناصبهم.
فعلى سبيل المثال، أشارت وثائق نُشِرت عام 2021 إلى تورط أحد رؤساء كينيا في إخفاء ملايين الدولارات، وتورط مسؤولين حكوميين من دولة موزمبيق في عمليات غسل أموال وصلت إلى ملياري دولار، ورشاوي في أنجولا، ومعاملات غير رسمية تجاوزت 32 مليار دولار، وهي أرقام مرعبة توضح لنا حجم الفساد الموجود في دول إفريقيا، لا سيما أنَّ ما خفي كان أعظم، وأن جزءًا بسيطًا من هذه الأموال قادر على تغيير الحال في القارة الأكثر فقرًا في العالم.
دول إفريقيا وشبكات التهريب
تُعد عمليات التهريب غير القانونية من الأسباب الرئيسة التي تعوق التنمية والتقدم في دول إفريقيا التي تؤدي بدورها إلى هذا الحال الذي وصلت إليه معظم دول إفريقيا من فقر وجوع وتدنٍ في الخدمات، وقد أصبحت عمليات التهريب تخضع لشبكات كبيرة وكيانات منظمة، التي تُهرِّب شحنات كبيرة بطرق غير قانونية، إضافة إلى فرضها كثيرًا من الضرائب على الشحنات التي تمر من المواني.

إضافة إلى عمليات سرقة النفط التي تسببت في خسائر هائلة لبلدان عدة في إفريقيا، وعلى رأسها نيجيريا التي تعاني كثيرًا من سرقة النفط، وهو ما يؤدي أحيانًا إلى توقف الإمدادات وانقطاع المنتجات النفطية وتعطل المصافي، ويعود هذا الأمر في الأساس إلى غياب الأمن في دول إفريقيا بطريقة منظمة ومتكاملة وقوية، وهذا ما يحيلنا مرة أخرى إلى ملف الفساد الذي تقوده النخب الحاكمة، فكلما زاد الفساد؛ زاد نشاط هذه الكيانات الإجرامية في عمليات السرقة والتهريب.
دول إفريقيا بين التبعية والإحباط
لا يمكن إنكار الإحباط الشديد الذي يعيشه المواطن في دول إفريقيا نتيجة معدلات الفقر وتدني الخدمات الذي يؤدي بدوره إلى عدم الرغبة في إحداث تغييرات كبيرة، وعدم وجود حماس للمشاركة في برامج التنمية.
إضافة إلى رغبة هائلة لدى الشباب في دول إفريقيا في الهجرة إلى أوروبا للهروب من هذه الأوضاع بدلًا من تغييرها، بسبب ما يراه المواطن في دول إفريقيا من فساد قادر على أن يقضي على أي طموحات أو آمال أو أحلام أو رغبات في تغيير الأحوال، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة تبعية دول إفريقيا للدول الغربية الذي يتوازى مع غياب استراتيجيات إفريقية قوية وواضحة من أجل تغيير الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في دول القارة العجوز.

وكثيرًا ما تبحث الدول الإفريقية عن الرؤية والإستراتيجية لدى دول الغرب الذي يسعى لاستغلال موارد القارة، وهو أمر غريب يحتاج إلى مراجعة كبيرة.
وفي الأخير، فإن الموارد الضخمة التي تمتلكها دول إفريقيا تحتاج إلى نخب جديدة تستطيع أن تحدث تغييرات جذرية وكبيرة على مستوى الرؤية والعلاقات بالغرب، ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تستهدف استغلال هذه الموارد وزيادة التعاون بين دول إفريقيا وبعضها، وتقليل الاعتماد على الغرب أو في الأقل إيقاف عمليات استنزاف هذه الثروات من قبل الدول الغربية، والاتجاه إلى التصنيع وتقليل الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي تأتي بأغراض غير إنسانية.
وفي نهاية هذا المقال الذي حاولنا فيه إلقاء الضوء على الأسباب الحقيقية وراء هذا الحال الذي تعاني منه دول إفريقيا من فقر وتخلف وتدنٍ في الخدمات العامة، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.