لكل كائن حدود خاصة به لا يستطيع أن يتعداها...البالونة كمثال لا يمكن أن تضخها بالهواء إلا إلي حد معين فإذا زاد الضخ عن هذا الحد إنفجرت البالونة ولا يعد لها وجود.. مثال صغير ونموذج واضح تعطيه لنا الحياة المادية فجميعنا نحب أشاهي الطعام لكننا لو تركنا أنفسنا علي سجيتها لزاد حجم جسمنا عن الحد المناسب ولأصابتنا التخمة حتي نصبخ غير قادرين علي الحركة...ومن ثم نقع فريسة سهلة للأمراض ويفقد جسمنا السيطرة على مجريات الحياة الكيميائية الطبيعية...أيضاً الحياة المعنوية تسلك نفس السلوك وإذا لم نحافظ على الحجم المعنوي المعقول لذواتنا أصابتنا كثير من الأمراض النفسية..
ربما ينطبق هذا على الجانب المعنوي للإنسان...فأحيانا نطري ونمتدح بعض الناس على سبيل إعطائهم حقوقهم المعنوية أو على سبيل التشجيع أو على سبيل التملق والرياء..
الشخص الذي يستقبل المديح قد لا يفرق أحيانا بين ما هو مصدره الحق المعنوي الأصلي أو ما هو تملق ورياء.. بناءاً على خبرته بالحياة والناس وعلى مستوى ثقافته... فعندما تتضاءل ثقافته وتتصاغر خبرته يسقط سريعاً ضحية النفاق فيظل كيانه المعنوي في حالة انتفاخ حتى يصل لنقطة الإنفجار والفرقعة..
الحد أحياناً قد يكون دقيقاً وصعب الكشف عليه لذا لايدركه كثير من الناس فيصلون لمرحلة الإنتفاخ والتضخم والتي تؤدي لا محالة للإنفجار والإنتهاء.... فكم شاهدنا من رجال عظماء إبتدأت حياتهم بالإنجاز في حدود الحق المعنوي الشرعي ثم تم تجاوز هذا الحد حتى الوصول للفناء...
أين يكمن الخطر ...هل فقط في شخصية الشخص الممتدح... أم في المناخ الإجتماعي الذي يسوده ظاهرة تضخيم الأشياء بحثاً عن البطل الغائب.. أم أنها شخصيات المنافقون الذين لا يهمهم شخصية الممتدح بقدر ما يهمهم تحقيق مصالح شخصية لهم مقابل المديح...حتى لو أدى هذا المديح إلي سقوط الشخص الممتدح.. فهذا لا يعنيهم البتة.. لأنهم بكل بساطة سيمارسون نفس لعبة المديح مع القادم الذي قد يجزل لهم عطاءاً أكثر..
ولكي نضع المديح أو التقييم في صورته الأصلية التي تعبر فقط عن إعجاب بشيء حقيقي لا يتجاوزه إلى أشياء غير حقيقية...أولاً يجب أن يتعلم النشء كيفية التعبير بصدق عما هو صالح أو طالح بلغة موضوعية لا تتوقف على إعجابنا بشخص الفاعل لكن تتوقف على قدر العمل الذي أنجزه....ويجب أن نتعلم أن هذا التقييم لحظي وليس أبدي.. فمن نستحسن فعله اليوم قد لا يكون بنفس القدر غداً.. المسلك الثاني هو تعزيز الوعي بسلوكيات المنافقين حتى لا يقع الكثيرين تحت تأثير ألاعيبهم الخبيثة... يجب حصار المنافقين وكشفهم من قبل المجتمع وأيضاً من قبل الشخص المعرض لألاعيبهم... المسلك الثالث هو أن ندرك أن لكل شيء حد.. فلا يجب تجاوزه... وهذا الحد يقيمه المجتمع ويقيمه الشخص الفاعل المعرض للمديح أو الرياء.. المجتمع يحتاج أناساً متوازنين يتحركون في إطار حجمهم الحقيقي الذي تحدده إنجازاتهم الحقيقية وليس النفاق والكذب... نعم جميعاً نحب أن يكون لفعلنا أثراً جميلاً على الآخرين ولكن يجب أن نحذر دائماً من الوقوع فريسة للمنافقين فنظن أنفسنا أكثر حجماً مما نحن في أرض الواقع فهذا نتيجته معروفة ومؤلمة...
بقلم/ أ.د. محمود سطوحي
2 يناير 2021
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
تسجيل دخول إنشاء حساب جديد
أحيانا كثيرة ننتظر أن تفرقع البالونة حتي نعرف الحجم الأقصي الذي بجب ألا نتعداه
يجب أن يتعلم النشء كيفية التعبير بصدق... بلغة موضوعية لا تتوقف على إعجابنا بشخص الفاعل لكن تتوقف على قدر العمل الذي أنجزه....ويجب أن نتعلم أن هذا التقييم لحظي وليس أبدي...
تحليل دقيق لمشكلة عميقة وقراءة مُستنيرةلتداركها ... مقال مُتميز كالعادة
موضوع المقال من اصدق ماقرأت على الإطلاق وتعبير حضرتكم "أناساً متوازنين يتحركون في إطار حجمهم الحقيقي" بمثابة كبسولة علاجية شافية للتخلص من داء النفاق الذي يطمس كل ماهو حقيقي وأصيل.... شكرا لحضرتك وامنياتي بدوام التألق وموفور الصحة والعافية والسلامة