هل يعاني طفلك فرط التركيز، أو الاهتمام المبالغ فيه ببعض الأشياء والاستغراق فيها وقتًا طويلًا؟ هل لاحظت استغراق طفلك في الجلوس ساعات أمام الشاشات أو الرسم والتلوين دون أن يشعر بمرور الوقت؟ هل تبدو سعيدًا بذلك أم ينتابك القلق؟ وأخيرًا هل من نصائح تساعد على تخلص الطفل من فرط التركيز؟ هذا ما سوف نجيب عنه في هذه المقالة.
مفهوم فرط التركيز
فرط التركيز (Hyperfocus) هو انتباه شديد التركيز يدوم طويلًا، يركز فيه الشخص على شيء ما بشدة إلى درجة أنه يفقد التركيز بكل ما يحدث حوله، وغالبًا ما يُلاحظ الأطباء فرط التركيز لدى الأشخاص الذين يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، لكنه ليس عرضًا رئيسًا في معايير التشخيص الرسمية مثل DSM-5، بل يُعتبر تجربة شائعة مرتبطة بصعوبة تنظيم الانتباه، لكن لا توجد أبحاث كثيرة عن فرط التركيز.
لكن إحدى الدراسات ركزت على نشاط الدماغ لدى الأشخاص الذين يُركزون بشدة، ووجدت اختلافات قد تعني أن فرط التركيز يأتي طبيعيًا أكثر لدى الأشخاص الذين يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط.
ليس الأشخاص الذين يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط هم الوحيدون الذين يعانون فرط التركيز، فيمكن لأي شخص تقريبًا أن ينغمس في شيء يثير اهتمامه، ويشغل تركيزه مدة طويلة.
في أوائل التسعينيات ابتكر عالم نفس المجري الأمريكي ميهالي تشيكسنتميهاي مفهومًا سمّاه التدفق، يحدث هذا عندما تنغمس تمامًا في نشاط صعب تستمتع به، فتنعزل عن بقية العالم، بل تفقد إحساسك بالوقت، ويواجه الأشخاص الذين يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط صعوبة في الخروج منه وتحويل انتباههم إلى شيء آخر.
يبدو أن الشاشة وسيلة سهلة للوقوع في فرط التركيز، وقد تستغرق ألعاب الفيديو أو التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي ساعات وساعات من طفلك يوميًا وهو في دائرة التركيز تلك.
أسباب فرط التركيز
يمكن أن تؤدي التغيرات في الفص الجبهي، وهو الجزء من الدماغ الذي يتحكم بشعور المكافأة إلى فرط التركيز، وقد تجد مهمة معينة مُجزية جدًّا يصعب عليك معها الانتقال إلى مهمة أخرى، وهو ما يفسره بوضوح تعلق الأطفال بالشاشات والجلوس أمامها ساعات دون ملل، وقد يكون السبب الآخر مرتبطًا بالسلوك، وقد تواجه صعوبة في التحكم بمقدار انتباهك نحو شيء ما.
كيف يبدو فرط التركيز لدى الأطفال؟
قد ينشغل الأطفال الذين يعانون فرط التركيز بلعب ألعاب الفيديو أو مشاهدة التلفزيون إلى درجة أنهم لا يسمعون من يكررون مناداتهم باسمهم، أو قد ينغمسون في واجباتهم المدرسية المتعلقة بمادة يستمتعون بها حقًا، فينتهي من درس، لينتقل إلى الدرس الذي يليه، وهكذا طوال اليوم.
فرط التركيز عند البالغين
عند البالغين قد ينشغل الشخص الذي يعاني فرط التركيز بالعمل أو المهام المنزلية، وقد ينسى تناول الطعام، أو قد يفوت اجتماعًا مهمًا، وهي ظاهرة منتشرة بين الأشخاص العمليين بصورة واضحة، فقد يجلس أمام شاشة الكمبيوتر بالساعات حتى ينتهي من تكليف ما.
هل توجد فوائد لفرط التركيز أو التركيز الزائد؟
يمكن استخدام فرط التركيز في أمور مفيدة، فمن الواضح أنه إذا كان لديك مشروع يتطلب كل جهدك، أو مشروع يثير اهتمامك حقًا، أو كلاهما، يمكنك التعمق فيه والعمل حتى الانتهاء منه.
ماذا عن عيوب فرط التركيز؟
لا أحد سيمانع قضاء ساعات في حل مسائل الرياضيات أو طلاء المنزل، لكن فرط التركيز قد يُسبب صراعات مع الآخرين ومشكلات في المدرسة أو العمل، وقد يُصعّب تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لا سيما لدى الأطفال الموهوبين، فهؤلاء الأطفال يحققون نتائج أفضل في المدرسة؛ لأن معدل ذكائهم المرتفع يُساعدهم على تجاوز صعوبات التعلم التي عادةً ما تُصاحب هذا الاضطراب، بالإضافة إلى أن قدرتهم على فرط التركيز قد تُصعّب اكتشافه.
هل من نصائح للتحكم في فرط التركيز لدى البالغين؟
هذه بعض النصائح التي تساعد الشخص على التحكم بالتركيز الزائد:
- الوعي وتحديد المحفزات: حدد أنواع الأشياء التي تُركّز عليها بفرط.
- التخطيط المسبق: لا تبدأ أي شيء يُمكن أن تُركّز فيه قبل موعد النوم أو قبل البدء في شيء يُحتمل أن تُؤجّله.
- مراقبة الذات: كن مُدركًا لعقليتك، فمن السهل أن تُصاب بفرط التركيز دون أن تُدرك ذلك، لا يُمكنك التوقف عن فعل ذلك إذا لم تكن تُدرك حدوثه.
- ممارسة اليقظة الذهنية: تدرب على الحضور الكامل، استخدم تمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness) للبقاء في اللحظة الحالية.
- استخدام الأدوات المساعدة: اضبط المؤقتات والمنبهات لمعرفة المدة التي انقضت من بدء نشاط ما.
- الحركة الجسدية: بمجرد أن تُدرك أنك في حالة تركيز مفرط تحرك، فتغيير وضعيتك قد يُساعدك على التخلص من هذا التركيز.
- تقسيم المهام وتحديد الأهداف: حدد أهدافًا لمشروعك، وخذ استراحة عند تحقيقها.
كيف نساعد الأطفال على إدارة فرط التركيز؟
أما الأطفال فهذه بعض النصائح للتحكم بفرط التركيز لديهم:
- وضع حدود واضحة (خاصة للشاشات): حدِّد وقت مشاهدة التلفزيون أو لعب ألعاب الفيديو بالاتفاق المسبق مع الطفل والتزم به.
- توفير هيكل وجداول زمنية: حافظ على جداول زمنية واضحة ومنتظمة للوجبات، والواجبات، واللعب، والنوم، واستخدم تذكيرات مرئية أو صوتية للانتقال بين الأنشطة.
- التواصل والتفاهم: تحدث مع طفلك بلطف وتفهم عن فرط التركيز، واسأله كيف يُمكنكما العمل معًا لتغيير الوضع أو لاستحداث طرق للتنبيه عند الحاجة للانتقال لنشاط آخر، ساعده على فهم ما يحدث له.
- تقديم تنبيهات مسبقة: قبل انتهاء وقت نشاط ما بخمس أو عشر دقائق، نبه الطفل لاقتراب موعد التوقف.
- تشجيع الاستراحات والحركة: شجع الطفل على أخذ استراحات قصيرة للحركة بين فترات التركيز الطويلة.
- طلب المساعدة المتخصصة
- إذا كان فرط التركيز أو أعراض أخرى تسبب مشاكل كبيرة في حياة الطفل أو البالغ (في الدراسة، العمل، العلاقات)، فمن المهم استشارة طبيب أو أخصائي نفسي أو مدرب متخصص في ADHD للحصول على تقييم دقيق وخطة إدارة مناسبة.
- فرط التركيز هو سيف ذو حدين؛ يمكن أن يكون قوة دافعة للإنجاز والإبداع، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى إهمال جوانب مهمة أخرى في الحياة ويسبب مشكلات في العلاقات والتنظيم. إن فهم طبيعة هذه الظاهرة، سواء كانت مرتبطة بـ ADHD أم لا، وتطبيق إستراتيجيات إدارة واعية، يمكن أن يساعد الأفراد، أطفالًا وبالغين، على تسخير جوانبها الإيجابية والحد من تحدياتها السلبية، سلوك طفلك لن يتغير فورًا؛ لأنك ببساطة تزرع بذور التأديب؛ فلا تتوقع أن تنمو الشجرة بين عشية وضحاها.
وأنتم أعزائي القراء، من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم فيما إذا كان طفلك يعاني فرط التركيز، وأفضل السبل التي تستخدمونها للخروج من هذه الحالة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.