فرس البحر الأصفر أو حصان البحر كائن بحري ذهبي اللون بل من أكثر الكائنات البحرية غرابة وتميزًا، ويعرف أيضًا بالشوكي، هذا الكائن الصغير بمظهره الذي يشبه حصان الشطرنج وأشواكه المميزة يحمل أسرارًا بيولوجية فريدة، أبرزها حمل الذكور للصغار!
يكشف هذا المقال الغطاء عن حياة فرس البحر الأصفر، بدءًا من أسمائه المتعددة وموطنه المتنوع في الشعاب المرجانية وأشجار المانجروف، وصولًا إلى سلوكه الاجتماعي الفريد وطريقة تكاثره الاستثنائية التي يتقاسم فيها الأب والأم أدوار الحمل، ونتعمق في الصفات التشريحية المميزة لحصان البحر الكائن ذي الشكل الغريب وقدرته على التمويه وتغيير الألوان، ولا نغفل التحديات التي تواجه فرس البحر ووضعه الحالي المهدد بالانقراض، انطلق معنا في رحلة استكشافية نتعرف فيها على أسرار هذا (الحصان البحري الذهبي وضرورة الحفاظ عليه).
ما اسم حصان البحر الأصفر؟
فرس البحر الأصفر الذي يعرف أيضًا بحصان البحر، هو نوع من الأسماك البحرية المدهشة التي تنتمي إلى فصيلة زمارات البحر (Syngnathidae) التي تضم نحو 50 نوعًا مختلفًا من الأسماك، ويُعد فرس البحر الشائع من أشهر الأنواع في هذه المجموعة، ويتميز بشكله الفريد الذي يجعله أحد أكثر الأسماك تميزًا في العالم.
يطلق عليه في اللغة الإنجليزية اسم «Thorny or Spiny Seahorse»، وهو اسم يشير إلى الشوك الحاد الذي يغطي جسمه، أما عن اسمه العلمي فهو (Hippocampus histrix) الذي يشير إلى النوع المحدد الذي ينتمي إليه هذا الكائن المثير، ويتميز هذا النوع من فرس البحر بجسم مغطى بحلقات عظمية محاطة بشوك لامع ذي حواف داكنة؛ ما يعزز تسميته «حصان البحر الشوكي»، وعلى الرغم من كونه من الأسماك الاجتماعية؛ فإنه يعد حاليًا من الأنواع المهددة بالانقراض.
حصان البحر الأصفر هو أحد أنواع فرس البحر الشهيرة التي تتميز بمظهرها الفريد والمميز، يطلق عليه كثير من الأسماء المختلفة في مختلف الثقافات والبيئات البحرية، ويشمل ذلك فرس البحر المصب، وفرس البحر الأصفر، وفرس البحر المرقط، ويُعرف أيضًا باسم حصان البحر أو حصان البحر الشوكي نظرًا للحلقات العظمية التي تحيط بجسمه والشوك اللامع الذي يبرز منها.
هذه الأسماء المختلفة تعكس تنوع الأوصاف التي أُطلقت على هذا الكائن البحري المدهش، الذي يبقى واحدًا من أكثر أنواع الأسماك لفتًا للأنظار في المحيطات.
توزيع أمكنة وجود فرس البحر
يُعد حصان البحر الأصفر من الكائنات البحرية التي تتوزع في مناطق بحرية كثيرة حول العالم، وتحديدًا في المحيطين الهندي والهادئ، حيث يوجد حصان البحر في المياه الساحلية الضحلة، ويمكن العثور عليه بين خطي عرض 52 درجة شمالًا و45 درجة جنوبًا، ويشمل موطنه مناطق مختلفة مثل الشعاب المرجانية وأشجار المانجروف، بالإضافة إلى بعض أحواض الأعشاب البحرية التي توجد بالقرب من مصبات الأنهار.
ويتميز حصان البحر بقدرته على التكيف مع مجموعة متنوعة من البيئات البحرية، حيث يعيش في المياة الدافئة والضحلة التي تحتوي على نباتات بحرية وفيرة، ويفضل بعض أنواع حصان البحر الحياة في المياه الطينية والرملية، في حين تفضل أنواع أخرى الاستقرار بالقرب من جذور الأشجار البحرية مثل المانغروف أو حتى على الأسفنج والمرجان، وهناك أيضًا بعض الأنواع التي تعيش بالقرب من حبال السفن التي تستخدم في الرسو.
توجد أفراد كثيرة من فرس البحر الأصفر/الشوكي في مناطق متفرقة في أنحاء العالم مثل أستراليا والهند، والسواحل الإفريقية وأمريكا الشمالية، وتنتشر هذه الكائنات في البحر الأحمر والمحيط الهادئ والهندي، وتُعد مناطق الساحل الشرقي لإفريقيا من الأمكنة التي تشهد وجودًا كبيرًا لفرس البحر، بدءًا من تنزانيا ووصولًا إلى جنوب إفريقيا.
يعيش حصان البحر في المياه التي تمتاز بتوافر الغذاء المفضل له، الذي يتألف من العوالق البحرية، ويفضل الوجود بالقرب من قنوات المياه السريعة والعميقة، حيث تتوفر هذه العوالق على نحو كبير، وتمتد مناطق توزيع حصان البحر أيضًا لتشمل جزرًا في المحيط الهادئ مثل هاواي، إضافة إلى الساحل الشرقي للصين وصولًا إلى أستراليا، وتوجد بعض الأفراد في مصبات الأنهار والبحيرات، والموانئ كذلك، حيث المياه الضحلة التي قد يصل عمقها إلى 55 مترًا.
بذلك نجد أن فرس البحر يتمتع بتوزيع جغرافي واسع ومتنوع في المياه الاستوائية والمناطق الساحلية في العالم، ويعتمد على بيئات بحرية متنوعة توفر له الغذاء والموارد الحيوية للبقاء على قيد الحياة.
ألوان فرس البحر الأصفر وقدرته على التمويه
فرس البحر الأصفر/ الشوكي (H. histrix) يتمتع بقدرة على تغيير لونه بشكل ملحوظ حسب البيئة التي يعيش فيها أو المواقف الاجتماعية التي يمر بها، ففي حالته الطبيعية يتلون فرس البحر طويل الخطم عادة باللون الرمادي أو البني القاتم، وهذا يساعده في الاندماج جيدًا مع لون الحشائش البحرية التي يعيش بينها، ومع ذلك يمكن أن يتغير لون فرس البحر ليصبح أكثر بريقًا وتنوعًا من أجل التواصل مع أفراد آخرين من نوعه، أو ردًا على مؤثرات خارجية غريبة في بيئته، تلك التغيرات في اللون قد تتراوح بين ألوان زاهية أو براقة، وهذا يتيح له التكيف مع مختلف الظروف المحيطة به.
ويتميز أيضًا فرس البحر بتنوع لوني لافت يجعل من السهل تمييزه بين أنواع الأسماك المختلفة، إذ يتميز فرس البحر بعدة ألوان مثل الرمادي، البرتقالي، البني، الأصفر، الأحمر، الأسود، وتظهر الأنواع البنية عادة لونًا أفتح على جانبها الأمامي، وهذا يمنحها مظهرًا فريدًا.
ويتميز فرس البحر المخطط بنمط مميز من الخطوط البيضاء التي تتبع محيط الرقبة، وهذا أضاف إلى اسمه الشائع فرس البحر المخطط، وتوجد أيضًا نقاط بيضاء صغيرة على ذيله، بالإضافة إلى سروج أغمق أو أفتح على ظهره، وهذا يُسهم في جمال وتنوع مظهره، هذه الألوان المتنوعة تساعد فرس البحر في التكيف مع البيئة البحرية المحيطة به، سواء كانت الشعاب المرجانية أو الأعشاب البحرية.
الصفات الشكلية والسلوكية المميزة لفرس البحر الأصفر
يتميز فرس البحر نوع من الأسماك البحرية بصفات فريدة تجعله واحدًا من أغرب الكائنات البحرية، يتراوح طوله بين 2.5 سم في الأنواع الصغيرة مثل أقزام فرس البحر التي توجد في خليج المكسيك، إلى 35 سم في الأنواع الأكبر مثل تلك التي تعيش في شرق المحيط الهادئ، أما النوع الشوكي/الأصفر (H. histrix) فيصل طوله عادة إلى حوالي 15-17 سم.
ويتميز فرس البحر بجسم طويل وكبير نسبيًا خالٍ من الأشواك، مع نتوءات مستديرة بدلًا من الأشواك الحادة، ورأسه كبير مقارنة بجسمه، وله خطم قصير وسميك، وتاجه صغير يرتفع نحو الخلف، وقد يحتوي أحيانًا على خيوط طويلة أو قصيرة، وتشمل تفاصيل جسمه زعنفة ظهرية مميزة يمتد عبرها خط أسود عند بعض الأنواع البالغة.
ويتمتع فرس البحر بقدرة فريدة على استخدام ذيله للثني والإمساك بالأشياء حوله، وهو يثني ذيله بفضل صفائح جسمه وعضلات خاصة تُسمى عضلة نقص الأكسجين، وهذا يجعل ذيله أداة فعالة للتعلق بالنباتات البحرية أو الأسطح الصلبة للثبات في بيئته.
يفتقر فرس البحر إلى وجود أسنان، ولكنه يمتلك خطمًا طويلًا يستخدمه لامتصاص الطعام، الذي يتضمن الروبيان الصغير، والأسماك الصغيرة جدًا، والنباتات والعوالق. وبدلًا من أن يطارد فرائسه مثل بعض الأسماك الأخرى، يعتمد فرس البحر على استخدام أنفه الطويل لاستيعاب طعامه. ويُعد هذا النوع من الأسماك بطيئة الحركة، ولا يطارد فرائسه بل يلتقطها باستخدام قدرته على الامتصاص.
أما فيما يتعلق بسلوكه الغذائي، فهو يعتمد أساسًا على العوالق الحيوانية، وأيضًا القشريات العالقة وبعض الكائنات البحرية الصغيرة. وتوجد هذه الأسماك في بيئات متنوعة مثل الشعاب المرجانية، وأشجار المانغروف، وأحواض الأعشاب البحرية، حيث تتمكن من الاختباء والتغذي على الفريسة بسهولة بفضل قدرتها على التمويه والتهام العوالق الصغيرة الموجودة في المياه الضحلة.
وفرس البحر هو أيضًا سمكة اجتماعية توجد في بيئات متنوعة مثل الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف، وكذلك أحواض الأعشاب البحرية، ومن حيث العمر يعيش فرس البحر لمدة تتراوح بين عام واحد إلى أربعة أعوام حسب النوع وظروف البيئة المحيطة.
أعجوبة تكاثر فرس البحر الأصفر.. كيف يحمل الذكر الصغار؟
الآن ننتقل إلى توضيح أغرب معلومات عن فرس البحر الأصفر، ألا وهي طريقة تكاثره، فطريقة تكاثر فرس البحر الأصفر تتميز بسلوكيات معقدة وفريدة، فهو يعد من الأنواع الأحادية الزواج (Monogamous)، أي أنه يتزاوج مع شريك واحد طول الموسم أو مدى الحياة، ولا يغير شريكه إلا في حال فقدانه.
وتعد مراسم التزاوج جزءًا من سلوكياته الاجتماعية المميزة، فيبدأ فرس البحر بالرقص مع شريكه وتغيير لونه، وهو ما يعد من مراسم المغازلة الأساسية بين الذكر والأنثى، ويتغير لون فرس البحر خلال هذه المراسم، فيمكن أن يتحول من لون شاحب إلى أبيض، وهو ما يشير إلى استعدادهما للتزاوج.
وفي عملية التكاثر تقوم الأنثى بنقل البيض إلى كيس الحضنة الموجود لدى الذكر، وهو كيس مخصص يحتوي أكياسًا دقيقة تحافظ على الأجنة وتوافر لها الأكسجين بواسطة شبكة شعرية داخل الكيس، ويخصب الذكر البيض بعد أن تنقله له الأنثى، ويغلق الكيس فورًا بعد نقل البيض، وتستغرق مدة نمو الأجنة داخل الكيس نحو 20 إلى 21 يومًا، بعدها تبدأ الأجنة في الفقس.
وبعد أن تفقس الأجنة داخل كيس الحضنة تبدأ في النمو والتطور، ويظل الذكر يحمل الأجنة داخل الكيس حتى تصبح قادرةعلى السباحة بحرية، وعندما تصبح الأجنة جاهزة للسباحة يبدأ الذكر في تحريك جسمه بسرعة للأمام والخلف، ليفتح الكيس ويفرغ ما بداخله.
ثم تخرج الأجنة الصغيرة من الكيس في صورة نسخ مصغرة من فرس البحر البالغ، وتكون قادرة على السباحة بحرية بعد أن تخرج، وهذه العملية عملية فريدة لأن الذكر يقوم بعملية المخاض ويحمل الأجنة داخل كيسه حتى يتم الفقس، وهو أمر غير شائع في معظم الكائنات البحرية الأخرى.
فالأنثى هي التي تخصب الذكر وتضع البيض في كيسه، وتختلف هذه الطريقة عن معظم الكائنات البحرية الأخرى التي يكون فيها الذكر هو الذي يخصب الأنثى.
هل فرس البحر الأصفر معرض للخطر؟
نعم، فرس البحر الأصفر معرض للخطر بسبب عدة عوامل بيئية وبشرية، حيث يعاني هذا النوع من تدهور أعداده على نحو حاد في مناطق عدة، فقد انخفضت أعداد بعض الأنواع بنسبة تصل إلى 90% في أقل من 20 عامًا. وهو مؤشر عام على تدهور أفراس البحر عالميًا، ويُصنف Hippocampus histrix تحديدًا على أنه معرض للخطر أو Vulnerable (VU) ضمن القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة IUCN.
ويُعد فرس البحر الأصفر جزءًا من مجموعة الأنواع المهددة بسبب تدمير الموائل البحرية التي يعيش فيها، مثل الشعاب المرجانية وأحواض الأعشاب البحرية وأشجار المانغروف، التي تتعرض لضغط بشري كبير مثل الصيد غير القانوني واستخدام شباك الجر القاعية.
ويتعرض فرس البحر للتهديد أيضًا بسبب الصيد العشوائي، فيصطاده الصيادون على نحو واسع للاستخدام في الطب التقليدي والصناعات الأخرى مثل صناعة الحلي وأحواض السمك.
وعلى الرغم من أن فرس البحر يمتلك قدرات تمويه ممتازة تجعله قادرًا على تجنب بعض المفترسات؛ فإن محدودية حركته تجعله عرضة لخطر الافتراس من أسماك أكبر مثل أسماك القرش والدلافين والتونة أيضًا، وعامة يُعد فرس البحر الأصفر من الأنواع المهددة بالانقراض بسبب تدهور بيئته الطبيعية والصيد الجائر.
في الختام يمكن القول إن فرس البحر الأصفر هو كائن بحري فريد يتميز بخصائصه المدهشة، والتي تشمل قدرته الرائعة على التمويه، وسلوكياته الاجتماعية المعقدة، ورغم جماله وسحره يواجه فرس البحر الأصفر تهديدات كبيرة، وذلك بسبب تدمير بيئته الطبيعية والصيد الجائر. فبفهم معلومات عن فرس البحر الأصفر يمكننا إدراك أهمية الحفاظ على هذه الكائنات البحرية، والعمل على حماية بيئتها لضمان استدامتها في المستقبل.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.