"من اعتز بجاهه ذلّ، ومن اعتز بماله قلّ، ومن اعتز بعقله اختلّ، ومن اعتز باللَّه لا ذلّ ولا قلّ ولا اختلّ".
في هذه الحياة قصص وعبر ودروس قلّ من يعتبر بها، ففي هذا القول حكمة قد يدركها البعض وقد تفوت البعض الآخر، إذ كثيراً ما شاهدنا أشخاصاً تضخمت الأنا لديهم فزاد طغيانهم وتجبرهم معتمدين على جاههم، وما لبثوا إلا قليلاً حتى عصف بهم الخذلان، ووقعت بهم المذلة، فنالهم من الدهر مساءات، وأمسوا على غير ما كانوا عليه من جاه أو سلطان أو نعيم مقيم، وظنوا أنه لا ينقص ولا ينفد.
اقرأ ايضاً التوازن النفسي والسعادة
قصص وأمثلة عن الخذلان
الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي والمؤسس لدولة تونس بعد الانتداب الفرنسي ما زال يرى في نفسه أبو التوانسة، وأنه هو من صنع تونس، وكان يقول مَن لتونس بعدي، فطحنه الدهر وأقعده على كرسي العجز سنوات طوال، ومات منفياً في قصر بعيد عن العاصمة ممنوعاً من الزيارات، محصورة حركته، ومراقبة اتصالاته من قبل رئيس الوزراء زين العابدين بن علي الذي أصبح رئيساً لتونس بعد إزاحة بورقيبة قسرياً عن سدة الحكم.
وكذلك حال معمر القذافي الزعيم الليبي الذي اعتز بسلطانه، فقال أنا ملك ملوك إفريقيا فخذله الدهر وحطّمه وقُتل شر قتلة من قِبل الشعب الليبي الذي ثار عليه، وشوهد مقتولاً مهاناً في أحد مواسير الصرف الصحي لمدينة سرت الليبية، وقُتل أبناؤه، وتم التنكيل بعائلته.
وصدام حسين الذي كانوا يقولون عنه صقر العرب ذوى في سجنه، وحوكم مقهوراً، وأعدم بكل دم بارد في صباح يوم عيد أضحى حيث الناس في عيد بينما كان من يخصه ومحبوه وأهله في عزاء وألم.
اقرأ ايضاً كيف نصنع النجاح من محاولاتنا الفاشلة؟
قصة رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي
أما عمّن اعتز بماله فكثيرة هي القصص في هذا المضمار، رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي كان من كبار التجار، فقد كان يخته البحري فقط تحفة التحف، وطائرته الخاصة التي أطلق عليها اليخت الطائر مدار حديث لا ينتهي في الإعلام، وكان حينما يُسأل عن ثروته يقول أتريد أن أقول لك ثروتي قبل السؤال أم بعد السؤال؟ وكان هذا دليلاً على اعتزازه بضخامة ثروته حتى إنه كان يقول لو أن الفقر صاروخ لن يستطيع اللحاق بي ليفقرني، هذا الرجل هدّه الزمان فأصبح لا يقدر على دفع أجرة بيته الذي يسكنه في القاهرة، ولولا مدُّ يد المساعدة من أحد المحسنين السعوديين فخصص له راتباً شهرياً، فربما وجدناه يستجدي في إحدى شوارع القاهرة ولياً قريباً.
كان أبوه ثرياً، وبعد وفاته لم يمض عليه سوى سنوات قليلة حتى باع كل أملاك والده، وأضحى أقرب إلى الفقر والعوز، وذلك لأنه كان يمضي صاعر الخد مسرفاً متهتكاً ظاناً أن ثروته لن تنقص أو تزول.
وعن العقل حدث ولا حرج فكم من رجل كان مفكراً عاقلاً حكيماً اعتز بعقله فخرّف أو جُنّ أو كفر وانقلب إلى أسفل سافلين، بل وربما أصبح معتوهاً فاقداً للعقل والحكمة؛ فالإنسان مخلوق ضعيف جبار.
اقرأ ايضاً هل علم الطاقة علاج للحالة النفسية و الاكتئاب؟
الاكتئاب والنجاح
وهذا إبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية، بل أحد أشهر وأكفأ رؤسائها على الإطلاق، وعلى الرغم من إنجازاته إلا أن لينكولن كان معروفاً عنه ميله إلى الاكتئاب الحاد المزمن.
وكان معروفاً عنه إحساسه الدائم بالاكتئاب الحاد حتى إنه فكر في الانتحار عدة مرات، وذكر أيضاً بعض المؤرخين أنه كان يبكي فجأة دون سابق إنذار، ثم يطلق النكات المرحة بعد بكائه حتى يوازن الحزن الذي يشعر به دائماً.
أما الرسام الهولندي الشهير فان جوخ وهو الذي قد بلغ به الجنون حتى قطع أذنه بنفسه كما يعتقد البعض، وحاول الانتحار عدة مرات إلى أن تم له ذلك في النهاية وبالفعل مات منتحراً.
وكان جوخ يعاني من نوبات صرعية عنيفة نتيجة مشاكل صحية بسبب إدمانه المبالغ على المشروبات الكحولية والمخدرات.
إرنست هيمنغواي والانتحار
أما الأديب الأمريكي الشهير إرنست هيمنغواي الحائز على جائزة نوبل للآداب في العام 1954، وأحد أشهر الرواة، وكاتبي القصص في الولايات المتحدة والعالم أجمع، كان هيمنغواي ضحية دائمة للاكتئاب وإدمان الكحوليات، ومات مُنتحراً بطلقة رصاص من بندقيته التي كان يحتفظ بها دائماً ويعتز بها جداً، وهو المصير الذي استمده على ما يبدو من مصير والده وأخيه وأخته الذين ماتوا جميعاً مُنتحرين أيضاً كما أنه كان يكره شراء ملابس جديدة، ويرفض تماماً أن يرتدي ملابس داخلية، وكان يخاف من استعمال
الهاتف جداً، وكان يحمل تعويذة في جيبه دائماً.
أما إسحق نيوتن هو أحد أعظم العقول البشرية على الإطلاق فقد أجمع المؤرخون أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية عنيفة حوّلته إلى مجنون حقيقي، كان من الصعب الجلوس مع نيوتن لفترة طويلة، لأنه كان متقلب المزاج إلى حد لا يصدّق، وسريع الانفعال، وشديد الغضب، وضيق الأفق، كان يتحدث مع نفسه بصوت عالٍ كثيراً، ويخاطب أشخاصاً غير موجودين.
ويعتقد الكثير من المؤرخين أن نيوتن كان مصاباً باضطرابات نفسية حادة، وأنه مصاب بالشيزوفرنيا.
وكثيرة هي الأمثلة من الحياة، فلا يغتر الإنسان بكل هذا أو يفتخر به فقد ورد في الحديث النبوي قوله صلى الله عليه وسلم: "كان حقاً على الله ألا يرفع شيئاً إلا وضعه، فالعلو والرفعة لله وحده، والتواضع هو صفة العقلاء".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.