مدينة فاس، كما مدينتي مراكش والرباط، حظيت لأن تكون حاضرة المغرب قبل نحو قرن من الزمان، إلا أنها لا تزال تعتبر العاصمة الثقافية حتى الآن، تقع في الشمال الشرقي من المملكة، عام 2008م احتفلت بعيد ميلادها الـ1200.
فاس ثلاثة أقسام: القسم القديم ويطلق عليه اسم فاس البالي، وفاس الجديد تأسس في القرن الثالث عشر الميلادي، وفاس الحديث الذي أسسه الفرنسيون إبان فترة الاستعمار الفرنسي، وأينما مررت بفاس، تجد عبق ونكهة وتاريخ وجو الحضارة الإسلامية، فسور فاس البالي، والأسواق الضيقة، والشوارع، والساحات، ونمط البناء فيها كلها تشير إلى حضارة إسلامية نمت وازدهرت في هذه المدينة، وهي لا تقل شأنًا عن صنعاء اليمن، وبُخارى، وطشقند، والقدس، والقاهرة، ودمشق في الشرق، وإشبيلية، وغرناطة في إسبانيا في الغرب، تاريخ يستحق وقفة تمعن حائرة ودمعة عين مؤمنة خاشعة.
فاس معروفة في أوروبا، وخاصة في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا كل ما يخطر على بالك من ثقافة ووسائل ترفيه تجده في فاس، ورغم ذلك تحدث بعض أعمال النصب والاحتيال التي ينتج عنها ضحايا للانتهازيين والنصابين السائرين خلف المتعة بطرق ملتوية.
في مدينة فاس أمهات عازبات بشكل ملحوظ، والسبب السياحة الكثيفة مما يعطي مجالاً للنصب، إضافة إلى الفقر والجهل وطيبة قلوب سكانها والحب من طرف واحد وأخيرًا الطمع والمال.
فتيحة في الرابعة عشر من عمرها لكنها تبدو في الثامنة عشر، سبحان الخالق فيما خلق، جمال وصحة وشعر طويل كالليل يكاد أن يلامس حوضها، تعيش مع أمها وحيدتين، توفي والدها في حادث سيارة فتولّت أمها تربيتها، تذهب الأم لوظيفتها في الصباح، وتصطحب معها ابنتها إلى مدرستها، مراهقة لا تعرف معنى الزواج المؤدّي إلى الحمل والولادة وتربية الأطفال، تعرفت على شاب إيطالي كان في رحلة سياحية في فاس.
في غفلة من أمها، وإهمال من إدارة مدرستها عن متابعتها، أصبحت تغيب عن مدرستها ولكنها تكون في البيت كل يوم في الوقت المحدد، مع مغادرة الطالبات المدرسة أخذت فتيحة تتقيأ وتشعر بدوار، ولما شاهدها جورجيو بهذه الحال، سألها عن عمرها، ولما قالت له أربعة عشر، صعق "إنها قاصر، سأُسْجن حتما لو بقيت هنا." قال في نفسه. "لا بُدّ ان أغادر المغرب اليوم".
— فتيحة، اعذريني، سأذهب إلى مكان بعيد نسبيًا، إذا تأخرت لا تقلقي، أغلقي الباب وانصرفي إلى بيتكم.
لقد كان ذاهبًا لحجز مقعد في طائرة مغادرة إلى إيطاليا، ولما لم يعد في الوقت المحدد، وحان وقت خروج الطالبات من المدرسة، حملت فتيحة حقيبتها وذهبت إلى بيتها، وفي صباح اليوم التالي، ذهبت كعادتها إلى مكان إقامة جورجيو، فلم تجده، ولما سألت الإدارة المشرفة على السكن، أخبرتها بأن جورجيو وضع لها مبلغًا من المال وسافر إلى إيطاليا على عجل، أخذت فتيحة المبلغ وذهبت إلى المدرسة.
في مساء ذلك اليوم، جاءتها نوبة القيء والدوار، كانت أمها تراقبها عن كثب، وبعد أن استراحت قليلًا أخضعت الأم ابنتها إلى جلسة تحقيق صارمة ودقيقة، اعترفت فتيحة بعلاقتها بجورجيو، وأنها لم تعد بكرًا، ورغم قناعة الأم بأن ابنتها فتيحة حامل، أرادت أن تتأكد، فأخذتها على المختبر الذي بارك حملها.
— نتيجة التحليل: إيجابي.
الآن، وجدت الأم نفسها في ورطة، الأمر يتطلب عبئًا وتضحية فوق عبء التزامها بتربية ابنتها فتيحة، فقررت أن تجهض ابنتها، ولما ذهبت عند أول طبيب، وبعد أن أخذ بياناتها، قال:
— ابنتك قاصر وإن هناك خطرًا محدقًا بحياتها لو عملت عملية إجهاض، حتى وهي حامل تحتاج إلى رعاية طبية حثيثة، وعندما تضع حملها يمكن أن تضعه في ملجأ، أو أن تعرضيه للتبني، إن كانت ظروفكم لا تسمح بتربيته.
حاول الطبيب أن يخفف عن الأم وألّا يقول لها إن الإجهاض جريمة تضاف إلى جريمة الحمل لقاصر.
أخذ جورجيو يتقصى أخبار فتيحة وأمها من السياح الإيطاليين الذين يأتون إلى فاس، ولما علم بأنها لم تجهض، وقد مضى على حملها أشهرًا عديدة، أرسل لها مبلغًا من المال، ولما وضعته ذكرًا، وتقوم هي وأمها على العناية به، أرسل لها مبلغًا آخر دون أن تُعلِم فتيحة أمها بأن جورجيو يبعث فلوسًا.
ولما أصبح الطفل في عمر ثلاث سنوات وأمه في الثامنة عشر، قدم إلى المغرب مرة أخرى، كان محملًا بالهدايا للطفل ولفتيحة وأمها، وما إن شاهدته الأم وعرفته، حتى أحضرت سكين المطبخ تنوي أن تذبحه.
- فتيحة تبدو في سن أكبر من عمرها الحقيقي، ولما عرفت ذلك سافرت على عجل لأن انتهاك حرمة القاصر جريمة، هنا وفي كل مكان في العالم، ولم أبخل عليها بالفلوس، أنا أحببتها ولا أزال أحبها.
- "هل صحيح ما يقوله؟" سألت الأم ابنتها.
فهزّت فتيحة رأسها.
- وأين الفلوس؟
- وفّرتها للطفل في صندوق التوفير، وهذا الدفتر.
صمتت الأم قليلًا، ثم ضحكت ضحكة هستيرية، ظننت مصيرك سيكون مثل مصير خديجة، ومريم، ...
فقاطعها جورجيو قائلًا:
- أنا أسلمت، أعرف أن المسلمة لا تتزوج إلا مسلمًا، ومدينتكم بسم الله وما شاء الله مليئة بالمعاهد الدينية والعلمية، ولن يقبل أحد بتحرير صك الزواج لغير مسلم، (وضحك وقال) ماذا عن مصير خديجة ومريم؟
- خديجة عمرها أربعة وعشرون سنة، ضحك عليها شرقي ثري وقال لها سأتزوجك، ولما ملّها انتقل لمن هي أجمل منها، ومريم وعمرها اثنتان وعشرون سنة تزوجها فعلًا مغترب في فرنسا، ولكن على نية سوء، أرادها أن تشتغل فيما لا يرضي الله ولا عبد الله، كلتاهما أنجبت بنتًا وبدأن يعملن في مهن عائدها لا يكفي لمصاريفهن.، ويعشن الآن على الكفاف، و...
- كفى، كفى مثل هؤلاء كثيرون، وأين (البيبي)؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.