فؤاد حداد رائد شعر العامية المصرية

أنا في اختراع الأمل صاحب عشر براءات.

صاحب مزاج فلسفي، فرحي ضعيف.. لا عفي.

حزني خفيف.. لا خفي.

خائن.. لا خائب.. لا خائف، آه.

أنا خل.. ضل.. وفي.

في الخير وفي الشر.. بردك وفي.

هذه هي الكلمات الجميلة التي تدخل القلب بسرعة، وتدفعنا إلى طلب مزيد ومزيد من هذه اللغة الممتعة، والرشاقة التعبيرية، والسلاسة في طرح الأفكار، كلها تنتمي إلى مدرسة فؤاد حداد رائد شعر العامية المصرية، والذي كان حدثًا استثنائيًّا في تاريخ شعر العامية، وربما كان أيضًا مدرسة مستقلة تخرَّج منها بعد ذلك عشرات، وربما مئات الشعراء الكبار.

إنه فؤاد حداد الذي أُطلق عليه (متنبي العامية المصرية)، وأُطلِق عليه (أبو الشعراء) و(صوت الجموع المفرد)، والذي لم يحظَ في حياته بتلك الشهرة وهذه الشعبية الكبيرة التي يحظى بها بعد موته، وأصبح له مريدون وعشاق في كل مكان.

ومع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تمتلئ الصفحات والمواقع بأشعار فؤاد حداد التي تستطيع أن تعبر الزمان والمكان بعبقرية وطفولة وحرفية وموهبة وثقافة، والتفاصيل كثيرة قلَّما تجتمع في عمل إبداعي.

وفي هذا المقال، ندعوك إلى جولة سريعة في تجربة رائد شاعر العامية المصرية فؤاد حداد؛ لنتعرف على أهم محطات حياته الشخصية والإبداعية في السطور التالية.

المولد والنشأة

وُلد فؤاد حداد في مدينة القاهرة يوم 30 أكتوبر عام 1927 في حي الظاهر لعائلة مسيحية، لأب من أصل لبناني وأم من أصل سوري وُلِدَت في القاهرة، إذ كان أبوه خريج الجامعة الأمريكية في بيروت، وجاء إلى القاهرة ليعمل في جامعة فؤاد الأول مدرسًا بكلية التجارة في المدة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، وكان أحد الشخصيات البارزة في مجال التعليم التجاري، حتى إن إصداراته وكتبه ما زالت موجودة وتُدرَّس في الجامعة حتى الآن. وبذلك، فقد نشأ فؤاد حداد في عائلة ميسورة الحال.

تعلَّم فؤاد حداد في مدارس فرنسية، ما ساعده على تحدث الفرنسية بطلاقة، إضافة إلى الاطلاع على الأدب الفرنسي، فدرس في مدرسة الفرير، ومنها إلى مدرسة الليسيه، إضافة إلى وجود مكتبة كبيرة في البيت تعود إلى والده. وبذلك، كان المناخ مهيأً لذلك الفتى الصغير الذي يحب الكتابة والأدب ويسعى للقراءة والمعرفة، حتى أصبح على درجة كبيرة من الثقافة في سن صغيرة.

اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيله.. الشاعر خالد نصرة صوت فلسطين ووجع الأمة العربية

محطات في حياة فؤاد حداد

بدأ فؤاد حداد حياته الأدبية ونشاطه السياسي وهو في عمر السابعة عشرة، وبالتحديد عام 1944 الذي نشر فيه أول قصائده، إذ كانت كتاباته تنحاز دائمًا إلى الفقراء والمظلومين، وكانت تطالب بالعدالة الاجتماعية والحريات. ثم تطور الأمر وانضم فؤاد حداد إلى (لجنة العمال والطلبة) عام 1946، وتصاعد الأمر بكتابة القصائد الشعرية التي تهاجم الاحتلال الإنجليزي والاستغلال والقهر.

التحق فؤاد حداد بكلية التجارة وتخرج منها عام 1949، ولم يتوقف نشاطه السياسي، بل زادت تحركات فؤاد حداد، الشاب الثوري والشاعر المناضل، حتى اعتقل عام 1953 بسبب هجومه على الاحتلال الإنجليزي. وأفرج عنه عام 1954، لكن الأمر لم يستمر أكثر من شهرين، وعاد إلى السجن مرة أخرى، وبقي حبيسًا حتى عام 1956، وفي هذه المدة اعتنق فؤاد حداد الإسلام.

المحطة الأخرى هي عودة فؤاد حداد إلى السجن للمرة الثانية أو الثالثة عام 1959، وفي هذه المرة بقي فؤاد حداد حتى عام 1964، فشهدت هذه المرحلة عددًا من القصائد والتحول الكبير في شخصية فؤاد حداد، الذي قرر بعد ذلك أن يتجه إلى شكل جديد من أشكال الكتابة.

عمل فؤاد حداد على فترات متقطعة في عدد من المجلات والصحف التي تفسح المجال للآراء الثورية، وللكتَّاب الذين يتبنون الفكر النضالي مثل صحيفة "الملايين" وصحيفة "الكاتب" وصحيفة "الغد". وكانت نكسة 1967 حدثًا مؤثرًا على فؤاد حداد بوجه خاص، فدخل في نوبة من الاكتئاب، لكنه خرج من هذه التجربة بعدد من الأشعار الرائعة.

اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيله.. عمر أبو ريشة شاعر حلق بالشعر فوق صخور الأيدولوجيا

أدب فؤاد حداد

يُعدُّ فؤاد حداد بحق رائدًا ومؤسسًا لمدرسة العامية المصرية الحديثة التي خرج من عباءتها مئات، وربما آلاف الشعراء والكتّاب. وقد بدأ نشاطه الأدبي مع بداية حياته، إذ كان ينشر القصائد في الدوريات المتاحة في ذلك الوقت، وكتب أول دواوينه عام 1952 تحت اسم (أحرار وراء القضبان).

عبَّر فؤاد حداد في كتاباته عن كل شيء في النفس البشرية وعن كل القضايا التي عاشها، من قضية الاحتلال والاستغلال والحريات حتى قضية فلسطين ولبنان. وكتب عن الفقراء والمهمشين، وكتب أيضًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام كتابات رائعة في سنواته الأخيرة. كما جرَّب عددًا من الأشكال الشعرية بشجاعة كبيرة، ورغبة في اكتشاف مناطق جديدة من الجمال والدهشة.

لا يمكن أبدًا تجاوز الصورة الشعرية عند فؤاد حداد، إضافة إلى الإيقاع والموسيقى التي كانت إحدى علامات عبقرية فؤاد حداد في نصه. وبذلك، فأنت تحتاج دائمًا إلى إعادة قراءة قصائد فؤاد حداد لمرات ومرات لتكتشف الكثير من الكنوز التي لم تلاحظها في المرة السابقة، إضافة إلى الروح المصرية التي تمتزج بتجربة فؤاد حداد، لتشعر أنك أمام شاعر عاش في الحارة المصرية، ويمتلك في الوقت نفسه حكمة وفلسفة رجل عاش مئة عام.

ثم إن لغة فؤاد حداد تتميَّز بالبكارة والحيوية، والقدرة الهائلة على اختيار المفردات وصناعة التراكيب اللغوية التي تجعلك في حيرة من أمرك، حيث ترتقي العامية إلى أن تقف بجانب الفصحى كتفًا بكتف لدى فؤاد حداد. وكلما مرَّ الزمن على هذه اللغة وهذه التراكيب، تشعر أنها تتجدد لتناسب التغيرات والتطورات والتراكمات الثقافية، وكأن فؤاد حداد قد تجاوز الزمن بهذه النصوص الرائعة.

اقرأ أيضًا: الأديب الشاعر مالك حداد.. طائر الحرية وسجين اللغة.

أعمال فؤاد حداد

كتب الشاعر المصري الكبير فؤاد حداد 33 ديوانًا، صدر منها 17 ديوانًا في حياته، والباقي نُشِرَ بعد وفاته. ولعلَّ أشهر أعماله ما يلي:

  • أحرار وراء القضبان عام 1956
  • هنبني السد عام 1956
  • قال التاريخ أنا شعر أسود
  • المسحراتي عام 1969
  • ميت بوتيك عام 1985
  • الأراجوز على الوجيعة عام 1987
  • الشرط نور عام 1990
  • الحمل الفلسطيني عام 1990
  • الشاطر حسن عام 1990
  • ريان يا فجل عام 1994
  • الحضرة الزكية عام 1998
  • أيام العجب والموت عام 1999
  • مصر المصرية بتغني عام 2002
  • الأعمال الكاملة عام 2006
  • الأعمال الكاملة، المجلد الثاني عام 2013
  • على الطريق الرمضاني عام 2013
  • لازم تعيش المقاومة عام 2013
  • الفن مملكة عام 2013
  • المزاج والقهر عام 2013
  • فؤاد حداد أم الآه عام 2014
  • حسي عدالة المظلوم عام 2016

مقتطفات من أشعار فؤاد حداد

يا أهل الأمانة والندى والشوق
يا مجمعين الشمل في الحضرة الزكية
أول ما نبدي القول نصلي على النبي
سيد ولد عدنان
كان يا مكان الليل وكان الليل
أخضر مندي بيسمع القرآن

 

أنا والد الشعرا فؤاد حداد
أيوه أنا الوالد ويام ولاد
أبالسة ربيتهم بكل وداد

 

أنا الأديب وأبو الأدبا
إسمي بإذن الله خالد
وشعري مفرود الرقبة
زي الألف ورقم واحد
والساعة ستة في العتبة

 

يا أسمر يا روحي يا امتداد النيل
الثانية مشيت ألفين ميل
على قافية ما تقدر لها تحميل
ألفين سنة ويفضل كلامي جميل

 

آه و آه ويا فرحة قلبي
كنت طير وصبحت مراكبي
يا جناحين وحملت مراكبي
يا هنايا فريح النيل
وابتسام الفجر دليل

 

ما فيش في الأغاني كده ومش كده
يفرقنا عن بعض بالشكل ده
يا مصر يا إللي جايبة الشجر من زمان
وشايلة الضفاير على البرتقان
وقبل الأوان إللي قبل الأوان
بتحييني أنفاسك المسعدة
بحبك كأني طليق العنان
وزي العجوز إللي دق البيبان
وزي الكتاب إللي كان يا مكان
وزي الرصيف إللي في السيدة

وفاة فؤاد حداد

كان فؤاد حداد قد أصيب بجلطة في القلب قبل وفاته بخمسة أعوام، وبالتحديد في عام 1980، لكنه عاد بعد ذلك وكتب عددًا من دواوينه الرائعة، إضافة إلى ترجمة عدد من الدواوين الأخرى. حتى توفي يوم 1 نوفمبر عام 1985 نتيجة أزمة قلبية حادة، ليرحل رائد العامية المصرية ومتنبي شعراء العامية بعد أن ترك إرثًا كبيرًا. ولم يلقَ فؤاد حداد ذلك التقدير الذي يستحقه في حياته، وإنما غادر سريعًا لعله يجد في السماء ما لم يجده في الأرض.

وفي نهاية هذا المقال، الذي تضمن جولة سريعة في عالم فؤاد حداد، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة والحماس لقراءة أعمال هذا المبدع الاستثنائي، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقالة على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة