غيرة الطفل من المولود الجديد.. أسباب ونصائح للتعامل معها

تُعد ولادة طفل جديد حدثًا سعيدًا يغمر الأسرة بالفرح، لكنها قد تكون نقطة تحول كبرى وهزة عاطفية في حياة طفلك الأكبر الذي يجد نفسه فجأة خارج دائرة الضوء، ما يثير لديه مشاعر معقدة من الغيرة والقلق، وشعور الغيرة الذي يظهر لديه ليس سلوكًا سيئًا، بل هو رد فعل طبيعي ومفهوم لطفل يشعر بأن مكانته مهددة، وكأنه مُزاحٌ عن عرشه. ووفقًا لنظرية التعلق، فإن هذا السلوك هو في جوهره صرخة للحصول على الطمأنينة والتأكيد على أن حب والديه له لم يتغير.

إن ظاهرة غيرة الأخوة هي مرحلة نمو طبيعية ومتوقعة، وليست علامة على سوء سلوك طفلك، وفهم الأسباب العميقة وراء هذا الشعور هو الخطوة الأولى لاحتوائه بحكمة وحب. يهدف هذا المقال إلى تزويدك برؤية نفسية واضحة لأسباب وأعراض هذه الغيرة، ويقدم لكِ استراتيجيات عملية ومُجرّبة لتحويل هذا التحدي إلى فرصة لتقوية الروابط الأسرية وتعزيز شعور طفلك بالحب والأمان.

أسباب غيرة الطفل من المولود الجديد

لكي تتمكني من التخفيف من غيرة طفلك من المولود الجديد، يجب أن تفهمي أولًا الأسباب التي تدفعه لهذا الشعور حتى تستطيعي التعامل مع هذه الأسباب ومعالجتها على نحو صحيح. إن الأسباب وراء هذا الشعور بالغيرة تختلف من طفل لآخر. إليك أهم هذه الأسباب:

تقليل الاهتمام بالطفل

إن أول وأهم سبب يدفع الطفل إلى الشعور بالغيرة من المولود الجديد هو شعوره بأن الاهتمام والتركيز انتقل إلى المولود الجديد بدلًا منه، خصوصًا إذا كان هذا الطفل محور اهتمام العائلة قبل قدوم المولود الجديد. وغالبًا ما يكون ذلك بسبب انشغال الأهل بتلبية حاجات المولود الجديد المتكررة مثل الرضاعة أو تغيير الحفاضات أو النوم وقضاء وقت كبير في ذلك.

الاهتمام الزائد بالمولود الجديد

وهذا التغير المفاجئ في الاهتمام يؤدي إلى شعور الطفل بالإهمال والغيرة من المولود الجديد الذي حصل على الاهتمام بدلًا منه، ومن منظور علم النفس، يشعر الطفل بأن نظريات التعلق الآمنة التي بناها مع والديه أصبحت مهددة، ما يثير قلقه وخوفه من الفقدان.

المقارنة غير المقصودة

يوجد خطأ شائع يقع فيه الأهل وهو المقارنة بين الطفل والمولود الجديد دون أن يدركوا ذلك، مثل وصف المولود الجديد أنه أكثر هدوءًا أو أقل بكاءً من أخيه، وأحيانًا يظنون أن الطفل لن ينتبه إلى هذه الكلمات، ولكنه في الحقيقة ينتبه إليها ويفهمها جيدًا، بل إن هذه الكلمات تولِّد لديه شعورًا بعدم الأهمية، أو أن المولود الجديد أفضل منه، وهذا يؤدي إلى فقدانه ثقته بنفسه، وشعوره بالغيرة من المولود الجديد.

المشاركة الإجبارية

إن إجبار الطفل على مشاركة أغراضه مع المولود الجديد مثل ألعابه أو ملابسه أو غرفته من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى غيرة الطفل من المولود الجديد. فالأطفال بطبيعتهم يحبون امتلاك كل شيء، ولا تقتصر هذه المشاركة على مشاركة الأغراض فقط، بل مشاركة الوقت والاهتمام أيضًا، فيشعر الطفل أن المولود الجديد سيأخذ منه كل شيء، وهو ما يولِّد شعور الغيرة لديه.

مشاركة الطفل الإجبارية

لذلك يجب عليك تجنب هذه السلوكيات التي قد تقومين بها دون قصد، وفي الحقيقة هذه السلوكيات تترك أثرًا نفسيًا سلبيًا لدى الطفل، وتولد لديه مشاعر سلبية كثيرة مثل فقدان الثقة بالنفس، والشعور بالاستبدال، والشعور بالإهمال وعدم الأهمية، وكل هذه المشاعر هي التي تؤدي إلى غيرة الطفل من المولود الجديد.

أعراض غيرة الطفل من المولود الجديد

وفقًا لكتاب «طفلك والتوازن النفسي» للكاتبة: مهجة زايد، فعند ولادة طفل جديد للأسرة والاهتمام به وإهمال طفلك الأكبر منه، فإن هذه تكون أكبر حالات الغيرة المؤلمة التي تنتاب الطفل، فيشعر الطفل حينئذ أن هذا الدخيل يهدد مركزه في الأسرة أو يؤثر في اهتمام والديه به، فيكون السلوك التلقائي للطفل هو العدوان على مصدر الغيرة ومحاولة إبعاده عن هذه المكانة. ويبدو هذا السلوك العدواني جليًا في عدة مظاهر كالعض أو الضرب أو القرص، وقد يصل لإتلاف الأشياء واللعب.

كتاب طفلك والتوازن النفسي

أما مظاهر غيرة الطفل المرضية فقد تبدو واضحة وجلية في مظاهر سلوكية مختلفة تُعرف بالسلوكيات النكوصية، فيعود الطفل إلى تصرفات كان قد تجاوزها، كالتبول اللا إرادي، أو قضم الأظافر، أو مص الأصابع، أو الرغبة في شد انتباه الآخرين بشتى الطرق، ومحاولة جذبهم أو محاولة جلب عاطفتهم، أو التظاهر بالمرض، أو الخوف والقلق، أو بالتعدي على الآخرين. وقد تكون للغيرة مضاعفات أكبر تظهر على هيئة أعراض عضوية مثل القيء والاضطرابات المعوية أو الإضراب عن الطعام وفقدان الوزن.

علاج غيرة الطفل من المولود الجديد

يمكنك اتباع بعض النصائح للتخفيف من غيرة طفلك من المولود الجديد، وتحويل هذه الغيرة إلى محبة. إليك أهم هذه النصائح:

التمهيد لقدوم المولود الجديد

قبل قدوم المولود الجديد يجب عليك أن تمهِّدي الأمر لطفلك ليستعد نفسيًا وعاطفيًا، ومحاولة تحبيبه في المولود الجديد، مع توضيح أنه قد يحتاج إلى عناية خاصة أو زائدة قليلًا حتى يكون مستعدًا لذلك.

تهيئة الطفل للمولود الجديد

ويمكن تحقيق ذلك بشكل عملي من خلال إشراكه في التحضيرات، كالسماح له باختيار بعض ملابس المولود أو تزيين ركنه في الغرفة، وقراءة قصص عن الأخوة، ولكن يجب التأكد من عدم المبالغة في ذلك حتى لا يأتي بنتيجة عكسية.

عدم إظهار الاهتمام الزائد بالمولود الجديد أمام الطفل

لتجنب شعور الطفل بالاستبدال، من الضروري محاولة عدم إظهار الاهتمام الزائد بالمولود الجديد أمام الطفل، وهذا لا يعني تجاهل أو إهمال المولود الجديد، ولكن من الضروري الحرص على موازنة الاهتمام بينهما وعدم التفريق في المعاملة. ويمكنك جعل طفلك يشارك في بعض الأنشطة البسيطة في رعاية المولود الجديد؛ فهذا يعزز لديه شعور أنه فرد مهم في الأسرة.

جربي استخدام عبارات مثل: «هل يمكنك مساعدتي وإحضار الحفاض؟» أو «أخوك الصغير يبتسم عندما يسمع صوتك» لتعزيز الروابط الإيجابية.

تخصيص وقت لطفلك الأكبر

يجب عليك تخصيص وقت لطفلك وقضاء وقت أكبر معه، فيمكنك ممارسة معه أي نشاط يحبه مثل اللعب، أو الرسم، أو الذهاب إلى مكان معين، أو حتى التحدث معه والاستماع إليه.

اهتم بطفلك الأكبر

من المهم أن يكون هذا الوقت وقتًا خاصًا به وحده، حتى لو كان مدة 15 دقيقة يوميًّا، ليكون التركيز الكامل عليه دون وجود المولود الجديد، فهذا يعمل على حصول الطفل على الاهتمام الكافي، وبذلك عدم شعوره بالإهمال أو بأنكِ مشغولة بالمولود الجديد فقط، فالمساواة في الاهتمام بين كل من طفلك والمولود الجديد تساعد في عدم شعور طفلك بالغيرة.

التعبير عن الحب والاهتمام بالطفل

قد يشعر الطفل بالغيرة من المولود الجديد حتى لو كنتِ لا تفرقين في الاهتمام بينهما، ولكن هذا الشعور ناتج عن حساسيته في هذه المرحلة، فيشعر الطفل بالإهمال أو الاستبدال حتى لو لم يكن هذا صحيحًا؛ لذلك يجب عليك الحرص على زيادة إظهار اهتمامك بطفلك في هذه المرحلة، والتعبير عن حبك تجاهه، ومكافأته ومدحه باستمرار، حتى يتخلص من هذه المشاعر السلبية غير المبررة التي قد تولد لديه شعور الغيرة من المولود الجديد. 

وتؤكد الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) أهمية طمأنة الطفل الأكبر لفظيًا وجسديًا، وتذكيره بمكانته الخاصة والمختلفة في الأسرة.

إن التعامل مع غيرة الطفل من المولود الجديد يتطلب جرعة كبيرة من الصبر والحكمة والتعاطف، تذكري دائمًا أن سلوك طفلك السلبي ليس سوى تعبير عن شعوره بالخوف وفقدان الأمان، وحاجته إلى الطمأنينة، بتهيئته على نحو جيد، وإشراكه في المسؤولية، وتخصيص وقت خاص له، وتأكيد حبك المستمر، ستساعدينه على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بنجاح، وتضعين الأساس لعلاقة أخوية قوية ومحبة تدوم مدى الحياة.

وفي نهاية هذا المقال، تذكري عزيزتي الأم أن غيرة الأطفال أمر طبيعي، بل ويمر به جميع الأطفال تقريبًا؛ لذلك يجب عليكِ أن تفهمي الأسباب المؤدية لهذه الغيرة، والأعراض الدالة عليها، فهذه هي الخطوة الأولى لعلاج مشكلة غيرة طفلك من المولود الجديد، إضافة إلى النصائح التي قدمناها لك التي نتمنى أن تكون مفيدة لك وتساعدك في التغلب على مشكلة الغيرة عند الأطفال.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.