تُعد ظاهرة غسل الأموال من أكثر الظواهر الدولية التي تؤرق عددًا كبيرًا من الدول، فلم تعد جرائم غسل الأموال تُرتكب في صورتها العادية التقليدية فقط، بل أصبحت تُرتكب في صورة أكثر صعوبة وتعقيدًا.
فأصبحت تحدث عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة، خاصة مع التقدم في استخدام طرقٍ مختلفةٍ للدفع الإلكتروني في ظل انتشار كثير من التقنيات الحديثة وتزايدها والاعتماد عليها في إنهاء كثير من المعاملات المالية، ومحاولة إخفاء العائدات غير المشروعة من خلال هذه المعاملات.
مع توسع انتشار عصابات غسل الأموال في أنحاء العالم، ما أدى إلى خلق مزيد من التعاملات عبر استغلال هذه التقنيات، فضلًا عن ارتباط جرائم غسل الأموال بغيرها من الجرائم التي تعد هي وقود عمليات غسل الأموال التي ترتكب عبر الوسائل الحديثة.
قد يهمك أيضًا كيف تربح المال عن طريق الفيس بوك؟
ما هو غسل الأموال؟
وقد تسبب التقدم في هذه التقنيات في عجز الأجهزة التشريعية عن مواجهة مثل هذه النوعية من الأساليب التي تُستخدم لارتكاب جرائم غسل الأموال، ما كان له عظيم الأثر في عدد من دول العالم سواء من النواحي الاقتصادية أو الاجتماعية، خاصة الدول الآخذة في النمو اقتصاديًّا.
ويعرف غسل الأموال الذي يُرتكب عبر الوسائل الإلكترونية بأنه: «تطويع الوسائل الإلكترونية بهدف إخفاء أو تمويه المصدر الحقيقي للأموال المتحصلة من أنشطة غير قانونية، وإعادة تدويرها في أنشطة تجارية تتوافق مع أحكام القانون».
ويلجأ غاسلو الأموال إلى تبني عدة أساليب عبر الوسائل الإلكترونية لإمكانية إخفاء عملياتهم غير المشروعة، ويهدفون طوال الوقت إلى تطوير هذه الأساليب لإمكانية التخفي عن وكالات إنفاذ القانون.
ونرى أنه حتى في حالة تطوير الغاسلين أساليب تكنولوجية جديدة للدفع عبر الفضاء الإلكتروني، فلا بد من خضوع هذه التكنولوجيات للجهات الشريكة في إتمام عمليات الدفع في الدولة من خلال النظام المعلوماتي للبنوك أو الشركات والمؤسسات المصرفية والمالية والجهات المختصة كافة داخل الدولة، ووضع نظام مركزي يشرف على إتمام هذه المعاملات.
فاتباع طريقة المراقبة والتقنية الأولية لما يُستحدث من أساليب حديثة فيما يتعلق بالدفع الإلكتروني، لهو أفضل طريقة للحد من انتشار غسل الأموال عبر الوسائل الإلكترونية، مع الوضع في الحسبان أهمية التقنيات الجديدة في إتمام المعاملات التجارية وسرعة إنهائها والتواصل عبر الحدود الوطنية.
قد يهمك أيضًا اسهل الطرق لربح الأموال من الإنترنت
أهمية مكافحة جريمة غسل الأموال
فالمشرع يهدف من تجريم فعل معين إلى استهداف مصلحة محمية جنائيًّا لا بد أن يتولى القانون حمايتها، وتتمثل المصلحة المحمية جنائيًّا من تجريم غسل الأموال عبر الوسائل الإلكترونية في الآتي:
· حماية رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية وتشجيعها على مزيدٍ من الاستثمارات في الأسواق المحلية، في ضوء الاعتماد على مزايا التقدم التكنولوجي الهائل والاستفادة منها.
· حماية الاقتصاد الوطني من التعرض لهزات اقتصادية عنيفة نتيجة التلاعب برؤوس الأموال الاستثمارية داخل الدولة.
· تشجيع التحول الإلكتروني في المعاملات المالية والمصرفية، بهدف توفير الجهد والمال وسرعة إجراء هذه التعاملات، في ظل تحول الحكومات في الوقت الحالي بالاعتماد على أنظمة المعلومات والاتصالات، وهو ما يُطلق عليه التحول إلى الحكومات الإلكترونية أو الرقمية.
· تشجيع التحول إلى التجارة الإلكترونية في ظل التقدم التكنولوجي الهائل والاستفادة من التقنيات الحديثة التي تتطور يومًا بعد يوم.
· ضرورة توفير الثقة بالنظام المصرفي والمالي داخل الدولة، ومراعاته للقواعد القانونية والتجارية التي تحكم التعاملات المصرفية والمالية بين المتعاملين، في ظل اعتماد النظام المصرفي على النظام المعلوماتي الشبكي وإطلاق مواقع إلكترونية للمؤسسات المالية والمصرفية عبر الفضاء الإلكتروني.
· توفير وسائل دفع إلكتروني آمنة في المعاملات الإلكترونية.
· محاربة كل أشكال الجريمة المنظمة، فقد استطاع مرتكبوها استغلال التطورات التكنولوجية الحديثة -التي أزالت الحدود الجغرافية بين الدول- في ارتكابها، الأمر الذي ترتب عليه التنامي الكبير لأعداد هذه الجرائم، ما يؤثر سلبًا في اقتصادات الدول.
قد يهمك أيضًا تعرف على الأزمة الاقتصادية العالمية ومن أين بدأت؟
دور البنوك في مواجهة غسل الأموال
وفي هذا السياق نرى أنه لا بد من القول بضرورة إخضاع البنوك لنظام رقابي صارم على مستوى دول العالم، فيما يتعلق بفتح الحسابات البنكية دون شروط أو قيود قانونية، من خلال اتفاقيات الشراكة المتبادلة.
حتى لا تكون هي المحور الأساسي لعمليات غسل الأموال التي تتعلق بالناحية المصرفية وتتطلب تعاملات بنكية بين رواد هذه البنوك، وفي سبيل الوقوف في مواجهة مثل هذه العمليات التي تؤثر سلبًا ليس فقط في الاقتصاد الداخلي لكل دولة ولكن يتأثر بها الاقتصاد العالمي عمومًا.
ما له عظيم الأثر في اقتصادات الدول الأخرى خاصة الدول النامية منها، التي تحاول جاهدة بناء ووضع سياسات اقتصادية متطورة تهدف من خلالها إلى زيادة معدلات النمو، وزيادة رؤوس الأموال الاستثمارية داخل الاقتصاد الوطني، من أجل الوصول إلى المستويات العالمية للتقدم الاقتصادي في ظل الانفتاح الاقتصادي العالمي.
قد يهمك أيضًا مقارنة بين مشروع العملة الرقمية RSR و XHV
طرق غسل الأموال عبر الوسائل الإلكترونية
وعند الحديث عن أهم الوسائل التي تلجأ إليها عصابات غاسلي الأموال في البيئة الإلكترونية، نجد أن النقود الإلكترونية هي أهم وسيلة في أيدي هذه العصابات.
فتعد النقود الإلكترونية من أخطر الوسائل التقنية الحديثة استخدامًا في ارتكاب عمليات غسل الأموال، من خلال استغلالها من قبل محترفي ارتكاب جرائم غسل الأموال على مستوى العالم، عن طريق تحويل متحصلاتهم من الأموال غير المشروعة إلى نقود إلكترونية، وإدخالها في مشروعات استثمارية ضخمة.
وتُعرف النقود الإلكترونية بأنها: «مستودع رقمي ذات قيمة نقدية يمكن استخدامها للوفاء بالتعهدات التعاقدية عبر الوسائل الإلكترونية».
وهنا يبرز دور النقود الإلكترونية في الإسهام في إخفاء عائدات المجرمين غير الشرعية واستثمارها في مشروعات تتوافق مع أحكام القانون، فتتميز النقود الإلكترونية بسرعة تداولها وصعوبة تعقب حركتها عبر الوسائل الإلكترونية.
هذا فضلًا عن عدم تقيدها بنطاق زماني ومكاني يمكن من خلالهما ضبط عملية تطبيق قواعد القانون على الفعل المرتكب.
فهي تخرج كليًّا من نطاق الرقابة المصرفية، كما أنها ليس لها غطاء نقدي احتياطي مقابل النقود التي تصدر، وهو ما جعلها غير معترف بها في غالبية تشريعات الدول لعدم خضوعها لتحكم مركزي من قبل الدول.
قد يهمك أيضًا عشرة طرق للربح من تيك توك TikTok لعام 2022
مواجهة غسل الأموال دوليًا
ومع تزايد استغلال غسل الأموال عبر الوسائل الإلكترونية، نرى أنه يجب على دول العالم كافة الاتفاق فيما بينها على وضع اتفاقية دولية شاملة توسع بها دائرة التجريم والعقاب فيما يتعلق باستخدام الوسائل التقنية الحديثة في إجراء عمليات غسل الأموال، التي تترابط وتتشابك معها بعض الجرائم الأخرى التي تخدم كل منها على بعضها.
كالترويج للمواد المخدرة وتمويل العمليات الإرهابية عن طريق الأموال الناتجة من عمليات بيع المخدرات وترويجها، والاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين والأسلحة النارية غير المشروعة.
وكذلك عمليات غسل الأموال التي تحدث عبر الوسائل الإلكترونية، للحد من الأخطار الاقتصادية التي تترتب على هذه العمليات وتتأثر بها اقتصادات دول العالم، خاصة في ظل عولمة الاقتصاد وتبعاته السلبية على بعض الدول خاصة الدول النامية.
ومن ناحية أخرى تكون هذه الاتفاقية سبيلًا تهتدي به الدول الأعضاء لوضع السياسات التشريعية الصارمة لتجريم مثل هذه العمليات بكل أشكالها وصورها الحديثة وما يرتبط بها من أفعال إجرامية يُكوِّن كل فعل منها جريمة مستقلة بذاتها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.