كان عرش مراكش عاصمة سلاطين السعديين أصحاب المغرب الأقصى قد آل إلى أحمد المنصور الذهبي (1603م) في ظروف مواتية لزيادة قوة البيت السعدي (نسبة إلى حليمة السعدية مُرضع الرسول صلى الله عليه وسلم) ، وقد كسب أخوه وسلفه عبد الملك في عام 1578م نصرًا مؤزرًا على البرتغاليين في موقعة وادي المخازن المعروفة بمعركة الملوك الثلاثة، وكانت النتيجة خروج البرتغاليين من بلاد المغرب، وانقطاع أطماعهم الاستعمارية فيه، ونتج أن البيت السعدي قفز إلى مراتب البيوت الحاكمة الكبرى في عالم النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي.
اتخذ أحمد المنصور الأتراك مثلًا يحتذيه، فاتبع النظام التركي في ترتيب قصره وشئون دولته، واتخذ من الأتراك مدربين لجيشه، ونظَّم هذا الجيش على أُسس عثمانية، وكانت في جيشه أعداد ضخمة من الإسبان، ومنهم كثيرون كان آباؤهم أندلسيين قد تنصروا بالقوة في إسبانيا فعادوا إلى الإسلام.
خط سير حملة السلطان المنصور
وكان يجب أن يفكر المنصور في أن حملة تعبر الصحراء وتقطع آلاف الكيلومترات في الفيافي والقفار كان لا بد أن تكلف صاحبها مالًا طائلًا.
وسارت الحملة في فوضى عام 1581م وهلك في رمال الصحراء من رجالها مئات كثيرة، وكان هدفها مناجم الملح في نغازة، وكانت مصدرًا كبيرًا من مصادر الإيراد لسلطان صنغي. وعندما رأى ملك البرنو أن جيوش سلطان المغرب قد اقتربت من حدوده أعلن الطاعة له ودعا له على منابره.
وبعد خمسة أشهر وصلت الحملة إلى بلاد صنغي وأوقعت هزيمة بهم في موقعة فونديبي على بعد 50 كلم شمال جاو في 12/ 4/ 1591م، ثم دخل الجيش جاو فوجدها خاوية على عروشها قد غادرها أهلها.
وشعر رجال الحملة بخيبة أمل عندما علموا أن مناجم الذهب ما زالت بعيدة ، وأنهم لا بد أن يسيروا قدر ما ساروا في بلاد صحراوية حتى يدخلوا في الغابة ويصلوا إلى سفوح جبال الفوتاجالون. وشك السلطان المنصور في صدق جودر باشا فعزله وأرسل مكانه قائدًا مغربيًّا يُسمى محمود زرجون. وتفرق أمر صنغي، وانتقل بعض زعمائها إلى دندي تاركين بلادهم نهبًا للطوارق والبامبارا والفولا.
أما القائد زرجون فلم يوفق في إرسال مقادير الذهب التي كان السلطان يطالبه بها. فعزله وتولى مكانه القائد منصور. وأما القائد جودر فانتظر حتى هدأت الأحوال، ثم عاد إلى مراكش محملًا بالأموال، وأما بقية جنده فقد بقوا في البلاد وتزوجوا من أهلها واشتركوا معهم في الدفاع عن البلاد.
ويئس سلاطين المغرب من بلاد السودان، فلما توفي آخر الباشوات الذين أقاموهم على تنبكت سنة 1620م لم يبعث السلطان له خلفًا.
وانفرد الجند المغربي الأندلسي بالأمر، وساروا في الحكم بطريقة سيئة. ولقد حاول القائد زرجون إعادة الدولة الصنغية، ولكنه لم يستطع، لأن ميزانه الأخلاقي كان خاليًا من أفكار العدل والتنظيم.
وأصبح اختيار باشا تنبكت متروكًا للجند. فأقاموا في المدة من 1612 إلى 1660م واحدًا وعشرين باشا وعزلوهم، وفي المدة من 1660-1750م أقاموا وعزلوا 128 باشا آخرين، حتى لقد اقتصرت ولاية بعضهم على ساعات لقوا بعدها حتفهم على أيدي منافسيهم.
وكان الضباط يصاهرون كبار السودانيين، في حين تزوج الجنود دون تحفظ. ونشأت عن هذه المصاهرات طبقة مغربية أندلسية سودانية أُطلق عليها اسم أرما، وهو تحريف للفظ الرماة العربي، لأن الجنود اشتهروا بإجادة الرمي بالبندق.
فلما اكتشف البارود حولت قناة البندق إلى أسطوانة طويلة قطرها قطر البندقة، وجعل السهم يمر في القناة، ثم تُحشى القناة من أمام بالبارود، ويوضع داخل قناة البندق زناد إذا ضربه رأس السهم اشتعل فأشعل البارود فاندفع وقذف بندق الحديد بقوة، وهذه هي بدايات البنادق التي نعرفها اليوم، وقد ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي.
وقد أصبحت طبقة الأرما السودانية المغربية هي الطبقة الأرستقراطية، منهم النبلاء وأبناء القادة والنبيلات بنات علية القوم، وفيهم الأوساط من سلالة الضباط وبنات الأسر.
والكسب الوحيد الذي حققه السلطان المنصور من وراء هذه المغامرة التي قضى فيها على دولة إسلامية مجيدة في فجر عصر الاستعمار هي مقادير ضخمة من تبر الذهب أرسلها إليه قادة الحملات الأولى.
👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.