أستطيع أن أرى فيهم… رجلًا واحدًا بثلاثة وجوه.
هتلر، أحب وطنه كمن يحب البطلة في رواية مظلمة… لكن حبه كان يشتعل على هيئة نار، لا ورد، فأغتال العالم ليحفظها من «الخطر» الذي تخيَّله.
ميكافيللي، كاتب لا يؤمن بالبطولة إلا إذا خضعت للمصلحة، هو البطل البارد… الذي لا يمانع قتل الحب إن خالف بوصلة السلطة، حبيبته كانت «الحقيقة»، لكنه خنقها حين صارت تهدد العرش.
تشي غيفارا، ثائر بعينين متعبتين، أحب أمته كما يحب الجندي أرض معركته،
قتل… بيدٍ ترتجف من الحنين، ليُبقي على الأمل حيًا، لا على الحب.
هؤلاء الثلاثة… تشابهوا، واختلفوا.
جمعهم اشتعالٌ داخلي، وغربة، وصراع بين القلب والسلاح.
لكن من فيهم انتصر؟
هتلر ترك خلفه رمادًا.
ميكافيللي بقي كظل في كتب الطغاة، أما غيفارا… فصار أغنية.
لكن تبقى الفكرة واضحة، تتكرَّر في كل زمن، كل حضارة، كل بيت:
رغبة السيطرة.
كل من امتلك السلطة والمال، تمنّى أن يمتلك العالم — لا حبًا فيه، بل حبًا للهيمنة عليه.
إنها الديكتاتورية في أقسى تجلياتها…
وليست حكرًا على الحكَّام الكبار، بل تتسلَّل في شكل الأب المتسلّط، الزوج الذي يصادر الحياة، القائد الصغير في المجتمعات المنغلقة.
ومع ذلك…
أنا لا أرفض هؤلاء الرجال، بل أرغب في «امتصاصهم»، دراسة عظمتهم المظلمة، لا تقديسهم… بل تفكيكهم، للاستفادة القصوى من فهمهم.
لماذا نرفع كتبهم إلى رفوف «المحظور»؟
نحن لا نمنع الداء بنفيه… بل بفهمه.
«غريبة… حتى عني»
أستطيع أن أسأل نفسي مرارًا… دون أن أملّ:
لماذا وصلتِ إلى هنا؟
لماذا توقفتِ، وهناك طريق طويل لم يُكمل؟
لماذا تبكين ثم تضحكين، ثم تنسلِّين إلى صمت ثقيل؟
هل أنتِ مجنونة؟ أم أن القدرة على اتخاذ القرار تعطَّلت فجأة… دون إنذار؟
هل تعطَّل العقل… أم تعطَّلتِ أنتِ؟
هل حان وقت الرحيل… أم أنني لم أكن هنا أبدًا؟
عندما أرنو إلى المستقبل، أراه شاحبًا.
وعندما أعود للماضي، لا أجدني.
كأنني كنت نائمة طويلًا…
واستيقظت على يدين خاليتين، ثم تلاشتا.
أصمت…
ثم أغيِّب نفسي عن الوعي، مرة أخرى.
غريبة أنا…
غريبة بيني وبين نفسي، وغريبة بين الآخرين.
لطالما زارني صوت يقول: «هذا المكان ليس مكانك».
ولا يزال يأتي… كأنه يعرفني أكثر مني.
وأشعر أنني، مثله، مجرد زائرة.
زائرة لكل بيت… لكل لحظة… لكل شعور.
هل يُمضي الإنسان عمره كله غريبًا؟ أم أن الغربة قدر من يدرك نفسه؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.