غازي القصيبي فارس السياسة وسندباد الأدب

ليس من السهل أبدًا أن يُمارس الإنسان وجوده في مسارين متقاطعين في الوقت نفسه، فقد يغدو من الصعب أن ينجح في كلا الأمرين، لكن الأديب السعودي الكبير غازي القصيبي كان نموذجا استثنائيًّا في ذلك الأمر؛ إذ كان رجل دولة يُمارس السياسة، ويقود الأعمال الوزارية بكفاءة عالية وحكمة يحسد عليها، وكذلك فقد كان أديبًا يكتب الشعر والرواية والقصة والنقد، وكأنه صعلوك من صعاليك الكتابة، وهو أمر يستحق الدراسة، إذ يحمل الرجل ذلك الاتزان والوعي الكامل باللحظة السياسية، وفي الوقت نفسه يطير مُحلقًا في فضاء الخيال والقيم الفنية والجمالية والأساطير التي ينسجها في عقله قبل أن يدونها على الورق، فأي رجل كان هذا المبدع الكبير غازي القصيبي!

وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة في عالم رجل السياسة والروائي والشاعر الرائع غازي القصيبي؛ لنتعرَّف على أهم محطاته التي جعلت منه ذلك الإسم الكبير في تاريخ المملكة العربية السعودية كأحد رجال الحكم والسياسة، وذلك الاسم المضيء بين أسماء الكتاب العرب الذين شاركوا في صناعة الثقافة العربية في القرن الـ20.

اقرأ أيضًاكامل كيلاني ( 1897 – 1959 ) رائد أدب الأطفال

مولد غازي القصيبي والنشأة

وُلِد غازي بن عبد الرحمن القصيبي يوم 2 مارس عام 1940 في منطقة الهفوف بالأحساء بالمملكة العربية السعودية، فعاش هناك مدة خمس سنوات، وكانت جدته لأمه هي القائمة على رعايته، إذ توفيت أمه بعد ميلاده بنحو تسعة أشهر، وكان جده قد توفي قبل ميلاده بأشهر قليلة، في حين كان والده رجلًا حازمًا وشديد الطبع، فقضى غازي القصيبي طفولته بين شدة الوالد وحنان الجدة.

تنقل غازي القصيبي مع الأسرة من مكان إلى مكان، فغادر إلى المنامة عاصمة البحرين وهو في عمر الخامسة، وبقي هناك سنوات عدة قبل أن يغادر مرة أخرى إلى القاهرة؛ من أجل إكمال دراسته الثانوية والجامعية، وفي مصر رأى طه حسين وبيرم التونسي، وتكلم مع العقاد قبل أن يحصل على شهادته وينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي حصل منها على درجة الماجستير في العلاقات الدولية، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن.

حياة غازي القصيبي

تُعدُّ حياة غازي القصيبي سلسلة من المسؤوليات التي تولاها الرجل بصدر رحب التي تجعلك تندهش كثيرًا عندما تقرأ كتاباته الإبداعية في الشعر والقصة والرواية، فقد لا تعرف متى كان يكتب، ومتى كان يصبح شاعرًا، أو قاصًا أو روائيًّا بين هذه الوظائف الصعبة التي تلتهم الوقت والجهد والفكر.

المناصب التي تولاها غازي القصيبي

تولى غازي القصيبي مهمة التدريس في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود، وأصبح مستشارًا في وزارة الدفاع والطيران، وأصبح مسؤولًا في وزارة المالية، ثم عُيِّن عميدًا لكلية التجارة في جامعة الملك سعود، ثم تولَّى لبعض الوقت مؤسسة السكك الحديدية قبل أن تُسند مهمة وزارة الصناعة والكهرباء إليه عام 1976.

نظرًا لهذه النجاحات المتتالية لرجل الدولة والسياسي البارع والإداري الحكيم غازي القصيبي، فقد كُلِّف بالعمل وزيرًا للصحة في عام 1982، ثم عُيِّن سفيرًا للمملكة العربية السعودية في دولة البحرين، ثم سفيرًا في بريطانيا، وهي رحلة شاقة جدًّا كان من المفترض أن يعود منها غازي القصيبي ليستريح بين كتبه وأشعاره، لكنه عاد ليتولى مهمة وزارة المياه والكهرباء عام 2003، ثم وزارة العمل عام 2005، والمُدهش في هذا الأمر أن الدكتور غازي القصيبي لم يتلقَ أجرًا على هذه الوظائف، وإنما كان يُحوِّل مرتبه باستمرار إلى جمعية الأطفال المعاقين، لنعرف أننا نتعامل مع أحد فرسان هذا الزمان.

غازي القصيبي المفكر المشاغب

الجانب الآخر في شخصية الدكتور غازي القصيبي هو ذلك المشاغب المفكر، صاحب المواقف النقدية والمعارضة التي كان من بينها إصداره لديوانه (معركة بلا راية) عام 1970، فقد كان مسار جدل كبير ودعاوٍ بمنع صدور هذا الديوان، حتى إن الأمر وصل إلى الملك فيصل في ذلك الوقت الذي شكَّل لجنة لفحص الديوان، ولم يجد به ما يستحق هذا الاعتراض والجدل.

دائمًا كان غازي القصيبي مفكرًا وناقدًا وصاحب رأي؛ ما جعله من الشخصيات التي تُثير الجدل دائمًا بين مؤيد ومعارض، حتى إن بعض الشيوخ والدعاة هاجموه على المنابر، وأصدروا أشرطة يهاجمون فيها كتب غازي القصيبي ومقولاته التي كانت تجنح كثيرًا للحرية، فكان بعضهم يراه متطرفًا يساريًا، في حين كان بعض آخر يراه متطرفًا يمينيًّا، حتى إن قصيدته (شهداء) التي تحمل تأييده الضمني للعمليات الاستشهادية في فلسطين كانت سببًا في الهجوم عليه من بعض التيارات السياسية، وقالوا إنها كانت سببًا في عزله من منصب سفير للمملكة العربية السعودية في بريطانيا، لكن رد غازي القصيبي دائمًا كان هادئًا، إذ كان يردد مقولة الأديب محمد الماغوط: "ليس هناك موهبة دون عقاب ولا موقف دون ثمن".

من الصفات والسمات المهمة في تركيبة غازي القصيبي هي أنه كان لا يفكر كثيرًا في ردود الأفعال حينما يتخذ موقفًا، أو يعلن رأيًّا، أو يكتب قصيدة، وهو يعرف أنها ستثير الجدل هنا أو هناك؛ فكان صاحب خبرة كبيرة في نوعية الردود، وإلى أي مدى قد يصل هذا الأمر، وهو ما جعله ينشر أعماله بشجاعة كبيرة سواء مساندًا للمقاومة اللبنانية، أو المقاومة الفلسطينية، أو حتى مهاجمًا لإسرائيل، وهو ما نجده أيضًا غريبًا، فنحن لا نتحدث عن شاعر يمكن أن يُمنَع من الكتابة أو مصادرة أعماله، وإنما نتحدَّث عن رجل دولة يتولَّى مناصب وزارية وسفارات، ويمثل الرأي الرسمي للدولة.

أدب غازي القصيبي

يُعدُّ غازي القصيبي من أكبر الشعراء والروائيين العرب وأصحاب الإنتاج الغزير في مجالات عدة، إذ صدر له أكثر من 70 مؤلفًا في 70 عامًا عاشها الرجل، في حين كانت له أعمال احتفى بها كثيرًا، وقد صُنِّفت روايته (العصفورية) ضمن قائمة أفضل الروايات العربية التي تضم 35 رواية بجانب الشهرة الكبيرة التي نالتها رواية (شقة الحرية)، أضف إلى ذلك قصيدته (شهداء) التي كانت حدثًا كبيرًا آنذاك على مستوى الأدب والسياسة في الوقت نفسه.

بدأ غازي القصيبي في كتابة الشعر وهو في الثانية عشرة من عمره، وهو ما جعله ينشر أول دواوينه في سن التاسعة عشر الذي كان بعنوان (جزائر اللؤلؤ)، لكن الوهج الكبير في تركيبة الأديب المدهش غازي القصيبي بدأ في النصف الثاني من عمره، فقد كان تركيزه الشديد على الرواية والمسرح والكتب الأدبية، وهو ما جعل بعض الأدباء والمفكرين السعوديين يطلقون عليه لقب (كبير المثقفين العرب)؛ وذلك بسبب الإرث الكبير الذي خلفه الدكتور غازي القصيبي، وكذلك أطلق عليه لقب (سندباد الشعر العربي)، إذ تُرجمت بعض أشعاره إلى الإنجليزية، وهو ما ساعد على اتساع دائرة القراء والمطلعين على أشعار غازي القصيبي.

ولعلَّ أبرز ما ميَّز كتابات الدكتور غازي القصيبي هو استدعائه الدائم لعناصر الهوية العربية في محاولة دائمة منه للحضور الطبيعي والفعلي بهذه الذات، بجانب الحضور التاريخي في إطار إنساني، إذ كانت الظروف السياسية والتاريخية التي يكتب فيها غازي القصيبي تحتاج إلى حالة من حالات البعث للشخصية العربية، وهو ما جعله يرفع لواء التنوير والخروج من التابوت القديم نحو حالة من حالات التحرر والديناميكية في التعامل مع القضية العربية الكبرى والقضايا التي يفرضها العصر، وهو ما جعل أدب غازي القصيبي محلَّ جدل كبير في معظم الأوقات.

أما على مستوى موقف المجتمع في المملكة العربية السعودية من أدب غازي القصيبي، فقد كانت المناوشات دائمة بسبب أعماله وأطروحاته وأفكاره التي يتناولها في أشعاره ورواياته؛ فعلى سبيل المثال قد مُنعت رواية (شقة الحرية) التي صدرت عام 1994، وافرج عنها بعد سنوات طويلة، حيث كان الرأي العام السعودي يرى أنها رواية جريئة وتخدش الحياء، إضافة إلى الهجوم الشديد الذي تعرَّض له غازي القصيبي عندما قدَّم رواية (بنات الرياض) تلك الرواية التي كتبتها الكاتبة الشابة/ رجاء الصانع، لكن مُنِعَ تداول هذه الرواية في المملكة، كذلك اتهام بعض الأشخاص غازي القصيبي بأنه هو الكاتب الحقيقي للرواية.

وعلى الرغم من هذا الجدل الكبير الذي دائمًا ما يُثيره غازي القصيبي الشاعر والمفكر والناقد والأديب الذي تستطيع أن تختلف معه وتتخذ منه موقفًا، فإننا يجب أن نتفق على وجود مبدع كبير وشاعر وروائي شجاع، آثر أن يسبح ضد التيار في محاولة لتقديم تجربة إبداعية مختلفة في ظروف سياسية واجتماعية وتاريخية صعبة، وهو قرار يصعب على كثير اتخاذه والثبات عليه سنوات طويلة.

اقرأ أيضًاتوفيق الحكيم (1898م _1987م ) بين ريادة المسرح وريادة الرواية

أعمال غازي القصيبي

ذكرنا من قبل أن غازي القصيبي كان يكتب القصة والشعر والرواية والكتب الأدبية والمقالات النقدية، وتوجد له مؤلفاته لم تُنشر في حياته، إضافة إلى ترجمته لبعض الأشعار والكتب إلى اللغة العربية، لكننا نُشير إلى أهم أعماله المنشورة، وهي ما يلي:

في مجال الرواية:

  • شقة الحرية
  • بيت
  • دنسكو 2002
  • أبو شلاخ البرمائي 2006
  • العصفورية 1996
  • سبعة 2003
  • سعادة السفير 2003
  • الجنية 2006
  • هما 2001
  • حكاية حب   200
  • رجل جاء وذهب 2002
  • سلمى   2002
  • أقصوصة ألزهايمر
  • كتب الساقي

في مجال الشعر:

  • أشعار من جزائر اللؤلؤ 1960
  • في ذكرى نبيل 1969
  • معركة بلا راية 1970
  • أبيات غزل 1976
  • أنت الرياض 1977
  • قصائد مختارة 1980
  • الحمى 1982
  • العودة إلى الأماكن القديمة 1985
  • المجموعة الشعرية الكاملة 1987
  • مرثية فارس سابق 1990
  • عقد من الحجارة 1991
  • سحيم 1996
  • قراءة في وجه لندن 1997
  • واللون عن الأوراد 2000
  • يا فدى ناظريك 2001
  • الأشج 2001
  • للشهداء 2002
  • حديقة الغروب 2007
  • البراعم 2008
  • في مجال الكتب الثقافية
  • حياة في الإدارة
  • الوزير المرافق
  • العودة سائحا إلى كاليفورنيا
  • التنمية والأسئلة الكبرى
  • عن هذا وذاك
  • باي باي لندن
  • الأسطورة ديانا
  • 100 من أقوالي غير المأثورة
  • ثورة في السنة النبوية
  • حتى لا تكون فتنة
  • المواسم
  • استراحة الخميس
  • من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون؟
  • مصالحات ومغالطات وقضايا أخرى

اقرأ أيضًامعلومات لا تعرفها عن الشاعر فاروق جويدة

من أقوال غازي القصيبي

- "أن أكون أصغر إنسان وأملك أحلاما والرغبة في تحقيقها أروع من أن أكون أعظم إنسان بدون أحلام بدون رغبات".

- "اعلموا أيها القراء الكرام أن السخرية ثلاثة أنواع السخرية من الذات وهي سخرية المتواضع والسخرية من الأقوياء وهي سخرية الشجعان والسخرية من الضعفاء وهي سخرية الأنذال".

- "عندما قرر الصهاينة إنشاء دولة لهم كانت اللغة العبرية لغة ميتة بعثوها بعثا من المعاجم واستخدموا مفرداتها حتى أصبحت لغة حية أما نحن فقد ورثنا أكثر اللغات حياة فبذلنا أعظم جهد لقتلها".

- "أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر"

- "الإنسان الذي يعرف نقاط ضعفه يملك فرصة حقيقية في تحويلها إلى نقاط قوة".

- "الفرق بين الشعر والرواية أن الشعر شفرة والرواية مذكرة الشعر تلميح والرواية تصريح الشعر ومضة والرواية نور كاشف الشعر موسيقى والرواية كلام الشعر ترف لعقول الخاصة والرواية طعام دسم لعقول العامة".

مقتطفات من أشعار غازي القصيبي

من قصيدة الحب والمواني السود:

قبل أن ترتعش الكلمة كالطير قفي وانظري أي غريب أي مجهول طواه معطفي

وخذي صبوة كالحمقاء عني واختفي

واقف وحدي في الميدان    والفجر على الأفق حصان

شده الشوق وأرخاه الاعياء  والمدينة تتلقى قبلة الصبح     بشيء من حياء

وعلى كفي منديلك أشذاء حزينة  آه  ما أقسى طلوع الفجر من غير حبيب

ورجوعي  كاسفًا لا شمس عينيك ولا سحر اللقاء

من قصيدة  شهداء:

يشهد الله أنكم شهداء   يشهد الأنبياء والأولياء

أنكم متم كي تعز كلمة ربي  في ربوع أعزها الإسراء

انتحرتم ؟!   نحن الذين انتحرنا    بحياة   أمواتها الأحياء

أيها القوم  نحن متنا   فهيا نستمع ما يقول فينا الرثاء

قد عجزنا حتى شكل العجز منا  وبكينا حتى ازدرانا  البكاء

من قصيدة  قل لها:

قل لها إنه تأمل في دنياه  حينا فعاد يحضن دمعه

راعه أن عمره يتلاشى  مثل ما تخمد الأعاصير شمعه

وصباه يضيع منه كما ضاع   نداء تطوي المتاهات رجعه

قل لها إنه يفيق على جرح    وتغفو سنينه فوق لوعة

سكب الدهر من أساه رحيقا    فتحساه جرعة إثر جرعة

قل لها إنه يهيم وأخشى    أن تواريه رحلة دون رجعة

وفاة غازي القصيبي

توفي الأديب الكبير ورجل السياسة والفكر السعودي غازي القصيبي يوم 15 أغسطس عام 2010 في مستشفى الملك فيصل بمدينة الرياض، إذ كان قد نُقِل إليها قبل شهر ونصف تقريبًا بعد إجرائه لعملية جراحية في الولايات المتحدة، ليرحل عن عالمنا تاركًا إرثًا كبيرًا من الأعمال الإبداعية والثقافية والخبرات الإدارية والسياسية وكثيرًا من الجدل بين مؤيد بشدة ومعارض بشدة، وأثرًا هائلًا في المشهد الثقافي والسياسي العربي في القرن الـ20.

وفي نهاية هذه الجولة السريعة في عالم غازي القصيبي، نرجو أن نكون قدَّمنا لك المتعة والإضافة.

ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة