العمر لا يقاس بعدد السنين، ولا يبدأ منذ لحظة ميلادنا؛ لأن الحياة تبدأ حينما ينكسر الزجاج البلوري الذي يفصلنا عن الواقع، في تلك اللحظة فقط تبدأ الحياة.
رغماً عن مرور عامين على عقدها الثالث إلا أنها لاتزال طفلة لم تغيرها نوائب الدهر، ومنها الفقر، كرهت كل أنواع البط والإوز؛ لأنها لمحت في عيون والدها فرحة ممزوجة بالدموع حينما قامت والدة زوجته (جدة أبنائه) بذبح بطة من أجلهم حينما فقد والدها عمله، ولكنها لم تتخيل أن الأيام تخبئ لهم قدراً أسوأ بكثير من مجرد العيش عالة على الجدة التي فارقت الحياة مبكراً.
في مطلع العام الحالي كانت الطفلة البالغة من العمر اثنين وثلاثين عاماً تعيش على وجبة واحدة في اليوم، كانت عبارة عن طبق من الجبنة بعشر جنيهات مكون من حبات جبنة صغيرة مع قطع لانشون مكعبات مع زيتون، لم تتخيل للحظة أن تقوم بعدِّ حبات الجبن بعد خروج أخيها الصغير من المطبخ لمعرفة هل سولت له نفسه أخذ قطعتين من وجبتها الوحيدة في اليوم أم رحل في هدوء مع كوب الشاي خاصته؟
في تلك اللحظة اكتشفت أخيراً أن زجاجها البلوري تحطم لأشلاء أدمت قلبها وروحها، ما هذا العالم الذي يجعل أختاً تعدُّ حبات الجبنة بعد خروج أخيها الصغير من المطبخ؟
سحقاً لعالم تبتسم فيه أخت لمجرد أن البطاطس المحمرة تم تسخينها في نفس الزيت الذي حمرت فيه أختها الدجاج بالأمس، سبب سعادتها المأساوي يكمن في كواليس الأمس؛ فأختها حمرت الدجاج وأكلت مع أبنائها وزوجها وتركت إخوتها وأباها وأمها في الغرفة المجاورة يتناولون الفول والبطاطس المهروسة.
أيوجد أسوأ من لحظة لا يجد فيها الأبناء طعاماً فيلجؤون لتقطيع رغيف العيش وتسخينه مع ملعقة زيت، لماذا تدهور الحال فجأة بتلك العائلة؟ سبحانه المعز المذل،
"إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ۚ وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ۗ والله لا يحب الظالمين) آل عمران- الآية 140.
عَدَد حَبَّات الْجُبْنَة.. قصة قصيرة
كاتبة بالجمهورية أونلاين، وموقع زدّ، وموقع فرندة، مترجمة ومُعدة برامج وكاتبة أبحاث علمية، من أعمالي السابقة رواية وادي سيل ومدينة الأشباح، وكتاب إمبراطورية زركون بموقع أمازون.
ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.
ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..
هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية
كاتبة بالجمهورية أونلاين، وموقع زدّ، وموقع فرندة، مترجمة ومُعدة برامج وكاتبة أبحاث علمية، من أعمالي السابقة رواية وادي سيل ومدينة الأشباح، وكتاب إمبراطورية زركون بموقع أمازون.
اشترك مجاناً في نشرة جوَّك الإلكترونية للبقاء على اطلاع دائم بآخر المستجدات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.