في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، رأت (جنات) رؤيا غريبة: طفلتها المستقبلية محاطة بأشباحٍ تهمس لها: «ستكونين عين اليقين». بعد سنوات، تحولت كلماتهم إلى كابوس حقيقي عندما بدأت (نور) ترى أحداثًا قبل وقوعها.. من موت أبيها في حادث قطار إلى تنبؤها بوفاة جدها! هذه ليست قصة خيالية، بل تجربة حقيقية تطرح سؤالًا مرعبًا: ماذا لو كانت بعض الأحلام.. رسائل من المستقبل؟
تسابقت الأقدار، تزف بشرى قدوم الطفلة الأولى لعائلة عز الدين، هذا الشاب المكافح الذي مر بظروف صعبة طيلة حياته، حتى استطاع أن يتخطى الصعاب، ويبدأ حياة جديدة مع شريكة حياته.
تبدأ الحكاية برؤيا رأتها جنات زوجة محمد عز الدين، بأنها سوف تُرزق بطفلة جميلة، كانت الرؤيا تحمل كثيرًا من علامات الاستفهام، فقد كانت الطفلة الصغيرة.
محاطة بأشخاص يرتدون زيًا أسود، تنظر إليهم باندهاش، تضحك أحيانًا وتبكي أحيانًا أخرى، استدار الجميع وقالوا لجنات، (طفلة جميلة لكنها ستواجه صعابًا كثيرة، لأنها ستكون عين اليقين)، كلمات غريبة من أشخاص مجهولين، جعلت قلب جنات يدق بسرعة، استيقظت مفزوعة.. من هؤلاء؟ وما معنى هذا الكلام؟ هل هي بُشرى أم تحذير؟
مرت أيام قليلة، وجاءت فتاة جميلة إلى الدنيا، نور محمد عز الدين، عمت الفرحة الجميع، كونها الطفلة الأولى لهم، الغريب في الأمر أنها نفس الطفلة التي رأتها جنات في رؤياها، نفس الابتسامة المرسومة على وجهها، أما الأشخاص الذين ظهروا ملتفين حول ابنتها، فهم من جعلوا الأم تخشى على ابنتها.
نظرت جنات لابنتها وقالت: أخشى عليكِ يا ابنتي، فتلك الرؤيا لها معانٍ لا أعرفها، لكنني أدعو الله ألا يكون فيها خطر عليكِ فيما بعد.
بتلك المشاعر المتناقضة، ظلت الأم تنظر لابنتها والدموع منهمرة على وجنتيها، ما بين فرح قدومها للحياة وخوفٍ عليها من أسرار الغيب.
في تلك اللحظة وجدت زوجها يقول: ما بكِ يا جنات؟ تنظرين إلى طفلتك وكأنك لم تريها من قبل.
ردت جنات: أخشى عليها من المستقبل.
ـ قال زوجها: المستقبل بيد الله وحده، وما لنا إلا أن ندعو الله لها بالسلامة.
انتهت الليلة ومرت ليالٍ كثيرة بعدها، حتى أصبحت نور على مشارف عامها العاشر، أحيانًا كثيرة ترى في المنام أشخاصًا يلعبون معها ويمرحون، هؤلاء الأشخاص لا تعرفهم، لكنهم لا يتغيرون، هم نفس الأشخاص الذين تراهم كل مرة. في أحد الأيام طلبت منها أمها وصف هؤلاء الأشخاص الذين تراهم، فكان وصف الفتاة صاعقة أصابت الأم، فقد كان الوصف مطابقًا لما رأته من قبل في رؤياها، يبدو أنها لم تكن رؤيا عابرة، بل رسالة تحمل كثيرًا من الألغاز، وبداية لأحداث مثيرة.
كانت مفاجأة شديدة للأم، عندما وصفت ابنتها الأشخاص الذين تراهم نور تمتلك موهبة الرسم، وعلى الرغم من عمرها فإنها عزمت على رسم هؤلاء الأشخاص لأمها، وهذا ما أكد للأم صحة ظنها، وجعل الريبة تسري في وجدانها.
من هؤلاء الأشخاص؟ وهل هي رسالة لها ولابنتها؟
مرت السنوات وكبرت نور حتى أتمَّت عامها الرابع عشر، في إحدى الليالي رأت رجلين يقودان قطارًا بسرعة فائقة، لم ترهما من قبل في أحلامها، حدثت بين الرجلين مشادة.
كلامية منعتهم عن متابعة الطريق، فجأة نظر أحدهما لها وقال: القدر قال كلمته.
في تلك اللحظة، رأت أشخاصًا كثيرين يهرعون نحو شيء ما، وهي واقفة بالقرب منهم، فوجدت سيدة تمسك بيدها
وتشدها نحو ما يجري عليه الناس، وأصبحت هي نفسها تجري مثلهم. توقف الناس وهي تنظر لشيء على الأرض، عندما وصلت لما ينظرون له، صرخت وانهارت قواها وسقطت على الأرض. نهضت نور من نومها مفزوعة وهي تصرخ، أسرعت والدتها إليها واحتضنتها.
سألتها عن سبب صراخها، فحكت لأمها ما رأته في منامها، وأن الشخص الذي رأته غارق في دمائه، هو أبيها ملقى على طريق القطار، الذي يمر عليه يوميًّا في أثناء توجهه لعمله. التقطت الأم هاتفها بسرعة واتصلت بزوجها للاطمئنان عليه، لكنه لم يرد.
مر وقت طويل تأخر فيه الأب عن موعد رجوعه، أشرفت الساعة على السابعة مساءً، اشتعلت نيران القلق في نفوسهم، حتى استقبلت الأم مكالمة من رقم غريب يخبرها بشيء مريب، جعل عينيها تتسعان وتسقط على الأرض فاقدة للوعي.
لقد كان الخبر كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مات الأب متأثرًا بجراحه، من جرّاءِ حادث ارتطام القطار بسيارته. نعم لم تكن رؤيا فقط، بل حقيقة حدثت فعلًا. صدمة عصبية أصابت الفتاة، خوف شديد على من حولها، هل أصبحت رؤاها خطرًا؟
مرت أيام قليلة وبدأت الفتاة تتعافى بعض الشيء، لكن ما زالت الصدمة تؤلمها كلما تذكرت أباها. لقد كانت الأمور تتطور باستمرار مع نور، فلم يكن الأمر مقتصرًا على الرؤيا فقط، بل تشعر بأشياء غريبة تحدث لها، ترى خيالات تتحرك أمامها هنا وهناك.
في أحد الأيام، وجدت الأم ابنتها توقظها، نهضت الأم واحتضنت ابنتها التي كانت في حالة انهيار تام، الدموع منهمرة من عينيها كأنه سيل متدفق، سألتها عن سبب بكائها، فأجابت: بعد أربعة يا أمي. اندهشت الأم من إجابتها، سألتها مرة أخرى: ما معنى كلامك هذا؟
نظرت الفتاة لأمها وقالت: جدي سوف يموت بعد أربعة، رأيته على فراش الموت، بجانبه شخص دون ملامح.
يرتدي عباءة سوداء، يشير بأصابع يده إلى الرقم أربعة، واليد الأخرى يشير إلى الحائط، المكتوب عليه رقم مائةٍ وعشرين، ولا يوجد تفسير لهذا الرقم. بالطبع، لم تكن الرؤيا الأولى التي تتحقق وتصبح عين اليقين، فكانت الكلمات رعبًا وخوفًا أصاب الأم، لكن الفتاة لم تُجب؛ هل هي أربع ساعات، أم أربعة أيام، أم أربعة شهور أو سنين؟
نتخيل حالة الأم الآن وهي تنتظر خبر وفاة والدها، مرت الأربع ساعات بسلام، بل مرت أربعة أيام وأربعة أسابيع.
وأيضًا أربعة شهور ولم يحدث شيء، هنا تحققت الأم أنها قد تكون أضغاث أحلام، لكنها لم تدرك شيئًا مهمًا، أن الشهر الرابع هو فبراير، يوم الثامن والعشرون، الساعة الحادية عشرة مساءً، كانت الصدمة، ولم تكن أضغاث أحلام.
كما تخيلت الأم، بل حقيقة وعين اليقين كما رأت الأم من قبل، لقد أصبحت ما تراه نور خطرًا مؤكدًا في كل مرة، تلك الطفلة البريئة لم يكن لها دخل فيما يحدث، لكن هذه إرادة الله أن يجعلها ترى بعض الأشياء الغيبية. فهل تتحسن الأقدار، أم ستحمل الأيام كثيرًا من الآلام؟ هذا ما سنعرفه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.