عودة صفوت إسماعيل (ج6)

ثبتنا الخيمة تحت سفح أحد الجبال.. ولم يكن المونتيكور يظهر في أي مكان.. تطلع جميعنا إلى صفحة السماء وصاحت لوديا: "هل يعاود هجومه؟"

حاولت إفهامها أن المونتيكور لم يهجم أصلًا.. لقد حلَّق بالأفق فحسب، وربما لم يلحظنا من الأساس.. وفي داخلي كنتُ أشعر بأنه في مكان ما يخطط للتسلية بنا كما يتسلى القط بتعذيب الفأر.

"إنه مجرد أسطورة.. لا داعي للقلق.."

كانت هذه هي العبارة التي أطلقتها، تطلع الجميع نحوي في ذهول. قالت سافانا مستنكرة: "دكتور رفعت.. هل ما زلت تعتقد أن المونتيكور مجرد كذبة؟ لقد رأيته بنفسك".

حقًّا لقد رأيته بنفسي، غير أنه من الصعب حقًّا التخلي عن مبادئ المرء بهذه البساطة لمجرد أنه رأى وحشًا طائرًا، مع أنني لا أجد تفسيرًا لما حدث.

بلغت الساعة الواحدة صباحًا، وما زلت لا أستوعب الأمر.. اتفقنا أن نوزع العمل، فيراقب الرجلان السماء تحسبًا لهجوم المونتيكور، والمرأتان مستعدتان لاستخدام الأسلحة لحظة هجومه الشرس، وأنا سوف أفكر بدهاء طيلة الوقت.

لم أشأ أن أخبرهم بأن حيلتي نفدت فعلًا، وأن قواي قد خارت في أول مغامرة بعد سبات رهيب في الشهور الطويلة الماضية، وأن عقلي في حيرة رهيبة يضرب أخماسًا في أسداس.

من الصعب تفسير ما رأيت.. من السهل أن يخدعك أحدهم فيرتدي ملابس الوحش أو وجهه، أما أن يطير ويحلق على القرب، وينظر إليك في سخرية واقتدار من مكانه في قلب السماء، قاطعًا المسافات بين الغيوم في تحدٍّ سافر لجميع الأعراف والقيم والمثل التي نشأت عليها في إنكار الوحوش الأسطورية، فأكاد أجزم أن المونتيكور أسطورة فريدة من نوعها، وهو على وشك أن يُغيِّر أشياء في عقلي ونفسي لم أكن قبلًا أتخيل أن تتغيَّر.

أخذتني سنة من النوم، والأغلب أن الرفاق تركوا لجسدي المرهق الفرصة في أن يحصل على قسط من الراحة الزائفة، ولعقلي الملتهب أن يسترد شيئًا من المنطق الذي فقده، ولكن لم يكن نومي أحسن حالًا من يقظتي، فلقد حلمت بالمونتيكور يختبئ هناك بين بعض أعواد البوص في قريتي الريفية في مصر.. كنتُ أنا و"ماجي" التي وافقت أخيرًا على الرحيل معي إلى مصر، لنعيش في تبات ونبات ويرزقنا الله بالصبيان والبنات، ولكن المونتيكور تربص بنا - خلف أعواد البوص - كما قلت، وتحين اللحظة التي خرجنا فيها لنستنشق بعض الهواء الريفي المنعش على طريق الترعة الغربي..

وبينما وضعت "ماجي" رأسها على كتفي، انقض المونتيكور فجأة واختطفها مني.. وشرع في التهامها.

"ماااااجيييييي"

كانت هذه هي الصرخة التي أفزعت سافانا ولوديا والرجلين معًا.. والواضح أنني استيقظت على خبر رهيب، فقد صرخ الرجل الضخم: "لقد اقترب المونتيكور.. إني أسمع صوته وأشم رائحته.. إنه خلف هذه الصخرة الضخمة.. سوف ينقض علينا".

استعدت لوديا وسافانا فأشعلتا النار، وحمل الرجل النحيف أحد الأقواس، أما أنا فلم أحتمل هذا التحدي السافر الذي يواجهنا به المونتيكور، فنهضت من فوري واقتربت من الصخرة عازمًا على الالتفاف حولها لمقابلته، فإما أن أدحض هذه الأسطورة اللعينة، وإما أصبح فريسة بين أنيابه جزاء تعلقي بأفكار واهية طوال حياتي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

كلما قرأت جز تشوقت
للمذيد، دمت مبدع استاذى 🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شهادة أعتز بها من أديبة مبدعة ..
طيب الله أوقاتك بالخير ..
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة