انجرف جسدي مع تيار المياه المندفعة، وغمرتني المياه بالكامل. كنتُ أدرك أنها نهاية حياتي، وأنني أغرق، وأنني لن ألبث أن أختنق وأبتلع المياه وأموت، ولكن يبدو أن ذلك الكائن الضعيف المسمى "رفعت إسماعيل" لم تحن ساعته بعد.
كنت قد كتمت أنفاسي، ورحت أضرب بأطرافي الأربعة في كل اتجاه باحثًا عن النجاة، وفتحت عينيَّ على الرغم من المياه... ورأيته.
لقد خرق المونتيكور صفحة المياه، وغطس في البحيرة في لحظة. كان مشهدًا أسطوريًّا حتى إنني انبهرت على الرغم من الهلع الذي تملكني. لقد هبط المونتيكور إلى أسفل مني وحملني على ظهره، وارتفع خارجًا من المياه، وطار بي في الهواء ضاربًا بجناحيه بقوة وسرعة.
لقد بدوت كأبطال الإغريق القدامى وهو يرتفع بي خارجًا من المياه، ومن ثم طائرًا في الهواء في مشهد أسطوري رهيب.. أمسكتُ المونتيكور من عنقه واعتليت ظهره وكأنني فارس يعتلي جواده.. وتطلعت نحو الأرض البعيدة في ذهول ورهبة.
- صاااااافوااااااات...
تطلعت إلى رفاقي بالأسفل... سافانا، ولوديا، والرجل الهزيل. راحوا يلوحون لي في ذهول وانبهار وأسى، وهم يشاهدون المونتيكور يحلق في السماء حاملًا إياي على ظهره.. لم يكن لديهم شك حتمًا في أنه سيلتهمني بعد لحظات، ولم يكن عندي شك في أن عقلي قد فقد كل ما تبقى لديه من منطق وحكمة، وأنني خسرت في سباق الحياة التي سأخرج منها دون أن أفهم منها شيئًا.. لقد صارت الخرافة حقيقة لا لبس فيها.
لم أعد أشعر بأي خوف.. لقد رأيت نهايتي بنفسي بعد سقوطي في المياه وغرقي فيها، والآن لم أعد أخشى النهاية. ولكنني كنت منبهرًا لما يحدث لي.
الجبال والوديان بدت بعيدة باهتة تحت أشعة القمر الخافتة. إنه الليل ببرودته ورهبته، وها هي السحب تقترب حيث ازداد ارتفاع المونتيكور. لوهلة فكرت في القفز من هذا الارتفاع الشاهق، ولكنني أدركت أنني ساعتها سأكون منتحرًا، فآثرت البقاء حتى يلتهمني بنفسه.
لم أعد أرى الرفاق ولا أسمع صوتهم.. لقد أضحى "صفوت إسماعيل" بالنسبة لهم ضحية جديدة تُضاف لضحايا الوحش الأسطوري.. ذلك الطبيب البائس الضعيف الذي أتى من أقصى بقاع الأرض ليلقى حتفه بين براثن ذلك الكائن الوحشي الرهيب.
في استسلام تام رحت أتطلع إلى رؤوس الجبال البعيدة، وإلى صفحة المياه التي بدت زرقاء مختلطة بحمرة معتمة في قلب الليل.. إلى أين سيأخذني المونتيكور وقد فرد جناحيه إلى أبعد حدودهما، فلم يعد بحاجة إلى بذل أدنى مجهود للتحليق على هذا الارتفاع الشاهق.. لست أدري كم مضى من الوقت، فلقد غفوت بالرغم من كل شيء لوقت لم أستطع تحديده، لكنني شعرت عندما استيقظت أنه كان سنوات طويلة.. ولم أملك إلا أن أصرخ بأعلى صوتي متحديًا صمت الليل المطبق:
-يا إلـــــهي...
كان هذا عندما بدأ المونتيكور رحلة الهبوط، ورأيت اليابسة تقترب.
هبط بي إلى شاطئ بحيرة هادئة في منطقة رملية خالية من الجبال والمرتفعات، وسكن المونتيكور ولم يتحرك، وكأنما ينتظر هبوطي عن ظهره.
وفعلًا نزلت بصعوبة، وتركني الوحش فجأة وطار بعيدًا.. لم يعبأ بي ولم يبد أنه يضمر لي الشر، غير أنه تركني واختفى في صفحة السماء، فأصبح نقطة متلاشية بعيدة.
وتلفت حولي... كان صوت الأمواج مستمرًا، يعلو أحيانًا ويخفت أخرى.
وكانت المنطقة خالية من البشر...
وكان القمر لا يزال يرسل أشعته الباهتة...
ومن خلفي سمعت ذلك الصوت الذي بدا وكأنه يأتي من أعماق سحيقة:
-صفوت...
بدا لي الصوت مألوفًا، فالتفت خلفي في ذهول لأراها...
إنها هي...
ماجي...
يتبع في الجزء العاشر
جميل ورائع واصل نحن في
انتظار المذيد من ابداعك 🌹
شكرا على المتابعة و التشجيع و اتمنى لك كل تألق و نجاح ..
احسنت
شكرا لك و سعدت بمرورك الكريم ..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.