عودة رفعت إسماعيل (ج8)

رحلوا جميعًا ليتجولوا بين الجبال، في حين جلست أنا في استسلام بجوار ريكس (كما يطلقون على الكلب). كنت قد اقترحت على لوديا أن يرافقهم ريكس، لكنها أصرَّت على أن يبقى معي لتحقيق مزيدٍ من الأمان.

رحت أتحسس أسلحتي.. معي ولاعة وبعض عيدان الخشب التي انغمست أطرافها في مادة سوداء مشتعلة. أشعلتُ أحدها لتتضح الرؤية، والأهم لأستطيع طرد المونتيكور إذا ما أقدم على مهاجمتي. وفي صدري علقت جراب الأسهم والقوس استعدادًا لاحتمالية أن أستخدم تلك الأسلحة البدائية لضرب المونتيكور عند ظهوره.

في داخلي كنتُ أتساءل: لماذا لا يهجم المونتيكور فجأة لو أنه هناك فعلًا؟ إن جميع الظروف مواتية لانتصاره عند أقرب مواجهة، سواء مع عجوز مثلي مصاب بمشكلات كثيرة في القلب، ومتهالك الأنفاس من أثر التدخين، أو مع المجموعتين اللتين انفصلتا عني توًّا. إن أحدنا لن يثبت أمام المونتيكور هُنيهة من الزمن.

راح الكلب يتحسسني بلسانه، وكأنما زاد اهتمامه بي فجأة بعد رحيل الرفاق عني. تساءلت في نفسي: هل يريد طمأنتي بعدما صرت وحيدًا، أم أن هذه هي بدايات مفاجأة ما؟ الحقيقة أن تصرفات ريكس بدت غريبة منذ افترق عنا دقائق وعثرت عليه خلف التل. هل يا تُرَى استطاع المونتيكور أن يتنكر على هيئته، فيكون هو بجواري مستعدًا للهجوم؟

كانت هذه الفكرة تؤرقني تمامًا، ومن ثم رحت أحاول التيقن بنفسي. ناديته باسمه فلم يلتفت، وهذا زاد من شكوكي. ثم أمرته بالابتعاد عني قليلًا فلم يستجب أيضًا، بل زاد من التصاقه بي وكأنما هو حريص على البقاء بجواري حتى لا أحاول الفرار منه. صرخت فيه: "اجلس بعيدًا". وبمجرد أن فعلت ذلك، أتاني صوت سافانا من مكان يبدو أنه قريب نسبيًّا وهي تصيح: "هل من خطبٍ ما يا دكتور صفوت؟"

ناديت من فوري قائلًا: "كلا.. إنه الكلب.. كنت آمره أن يجلس".

انتفض قلبي عندما أتاني صوت أحد الرجلين من مكان ما بالجانب الآخر: "أي كلب يا دكتور صفوت؟ إنني أحاول أن أقنعه منذ فارقناك على أن يعود إليك، وهو يرفض أن يفعل.. إن ريكس معنا".

وهنا نهضت محاولًا التغلب على خوفي. صرخت مناديًا إياهم: "إذن تعالوا جميعًا.. إن المونتيكور معي هنا".

قلتها، وشهرت الوتد المشتعل في وجه ريكس. نبح الأخير في ضراوة معترضًا على ذلك وبدأ يتخذ وضعًا هجوميًّا للدفاع عن نفسه، في اللحظة التي جذبت فيها السهم مستعدًا لضربه. لم يكن عندي شك في أنه المونتيكور، وأنه سوف يشرع فورًا في فرد جناحيه والظهور بمظهره المخيف في لحظات. لكنه اكتفى بالنباح، واندفع هاربًا بسرعة كبيرة.

وفي لحظة، وصلتني صرخة أحد الرجلين، في حين صاح الآخر في رعب:

- "تعالوا جميعًا.. المونتيكور هنا، لقد قتل مرونت.. لقد كان متخفيًا على هيئة ريكس".

كان كلامه مفاجئًا، حتى إنني أخفضت سهمي، وأسرعت إلى حيث مصدر الصرخة. كنت وحدي، حتى ريكس المسكين فرَّ هاربًا بعد ما هددت حياته. رحت أعدو بسرعة وقد تلاحقت أنفاسي، وتسارعت نبضات قلبي. وفجأة تعثرت قدمي وأحسست فجأة أنني أغرق في بركة ضخمة من المياه لم أتبينها بسبب الظلام.

كان الماء باردًا جدًّا وأحسسته يحيطني من كل جانب. كتمت أنفاسي عندما أدركت أن المياه غمرتني بالكامل. ثم فقدت الإحساس تمامًا وأسلمت جسدي لتيار جارف من المياه المندفعة.

(يتبع في الجزء التاسع)

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

أبدعت وصح قلمك
فى إنتظار المزيد من ابداعك ❤🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا على الكلمات الرقيقة و أشرق الله أيامك بالسعادة و البهجة ..
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة