عوامل ازدهار الأدب في العصر الحديث

"الفن مرآة الشعوب" جملة كثيرًا ما سمعناها من فنانين ومفكرين ومثقفين، وهي صحيحة؛ لأن الفن والأدب وسيلتان من وسائل التعبير، لكنهما أكثر الوسائل حضارة، ونستشهد بقول سيجموند فرويد عندما قال: «بدأت الحضارة عندما ألقى رجل غاضب أول مرة كلمة بدلًا من حجر»؛ فالتعبير الفني والأدبي يعد خطًا أبيض بين الإنسانية والبهيمية، وتعرف به الشعب الذي تقرأ له إذا كان متحضرًا أم متأخرًا. 

واليوم نتحدث عن مرحلة انطلق فيها الأدب المصري نحو الانفجار والعظمة والتربع على عرش التاج العربي، مرحلة القرن التاسع عشر ميلاد الأدب المصري، ونتحدث عن رواد الأدب المصري الحديث؛ لذا جهز فنجانًا من القهوة وتعال لتستمتع.

ماذا حدث للأدب؟

في البداية أدت عوامل عدة إلى انهيار الأدب قبل القرن التاسع عشر، منها: 

  • عدم اجتهاد الأدباء في الإتيان بصور أو تعبيرات بديعة ومميزة؛ أي ببساطة قلة الإبداع.
  • الاهتمام فقط بالصنعة البديعية، وعدم الاهتمام بما يقدمه النص، كأن تؤلف قصيدة تهتم فيها بالوزن والقافية فقط دون الاهتمام بمعنى القصيدة، فالمهم أن تجعل نهاية بيت الشعر على روي سابقه فحسب.
  • التقليد الأعمى، كأن يأتي الشاعر أو الأديب، ويؤلف قصيدة تشبه في نصوصها قصائد الشعراء الكبار القدماء؛ فينتج عنه عملًا أدبيًا، لا مشاعر قوية فيه، ببساطة لأنه ليس ابن زمانه؛ ولأن الأديب لم يعش تلك المشاعر مع نسيان ذكر همومه وهموم عصره ومشاعره.
  • أيضًا ما أسهم في إضعاف الأدب لا سيما في عهد المماليك اهتمامهم بالنثر على حساب الشعر؛ لأنهم في الأصل ليسوا عربًا، إضافة إلى أنهم أدخلوا الكلمات العامية في الأعمال الأدبية، وعرف ذلك العصر -حتى مجيء الحملة الفرنسية- بعصر الجمود والانحطاط. 

ما أهم العوامل التي ساعدت على تطور الأدب في العصر الحديث؟

يأتي السؤال الأهم: ما العوامل التي طورت الأدب المصري والعربي؟ أي ما الذي نقل وجهة الأدب من الجمود والانحطاط إلى التطور؟ وفي الواقع توجد عوامل عدة، نذكر منها:

المطابع

مع دخول حملة نابليون مصر بين 1798 إلى 1801م حدث فرق في الأدب بسبب اختراع المطبعة التي أحضرتها الحملة الفرنسية، لكن أُخذت المطابع الفرنسية تنجلي عن مصر بانجلاء الحملة، حتى أنشأ محمد علي أول مطبعة في عهده وهي مطبعة بولاق؛ وذلك لشغف محمد علي بمعرفة الأخبار، وما يحدث في الداخل والخارج.

وبعدها أنشئت أول صحيفة في الشرق الأوسط، هي صحيفة (الوقائع المصرية) التي كانت تنشر بالعربية والتركية، وفي البداية كانت مهتمة بالأخبار التركية في المقام الأول، لكن رفاعة الطهطاوي جعلها مهتمة بالأخبار المصرية في المقام الأول.

جريدة الوقائع المصرية

إضافة إلى تطويرات عدة نفذها في الصحيفة ما أخاف رجال القصر الملكي، ونتيجة لذلك نُفي محمد علي، ووُكّل محمد عبده بمهمة تطوير الصحيفة في عام 1880م وجعلها منارة للعلم والإصلاح.

الحركات الإصلاحية

من القرن التاسع عشر توجه بعض الأشخاص إلى إصلاح الفكر والتجديد، لا سيما بعد البعثات العلمية والاستعمار، ما أحيا الروح الوطنية.

نشأة المدارس

قديمًا كان التعليم مقتصرًا على حفظ القرآن الكريم في الكتاتيب، وبعدها الذهاب إلى المساجد لتلقي العلم، لكن من دخول القرن التاسع عشر أنشئت مدارس عدة مثل مدرسة الألسن، وأيضًا قسّم النظام التعليمي إلى ثلاث مراحل، المرحلة الابتدائية، ثم الثانوية ثم العالية (الكليات حاليًا). 

البعثات التعليمية

بلا شك كلنا نعرف قيمة البعثات التعليمية التي حدثت في القرن التاسع عشر وعظيم أثرها على الطلاب، فالتعليم الجيد والحياة المتقدمة نُقل بعض منها إلى مصر، ولا ننسى خالد الذكر رفاعة الطهطاوي الذي بُعث إلى فرنسا في عهد محمد علي، وفيها تعلّم الفرنسية وألف كتاب (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) الذي نقل فيه ما رآه في فرنسا بما فيها الدستور الفرنسي، وبفضل بعثته أسست مدرسة الألسن.

كتاب تخليص الإبريز لرفاعة الطهطاوي

وعمل أيضًا في الترجمة في مدارس الطب، فترجم عددًا من الكتب؛ ذلك ما صب في مصلحة الأدب، ومشاركة الثقافات المختلفة وتوسيع المدارك، وكانت نهضة الترجمة الأساس في نهضة الأدب.

ختامًا، لتلك المرحلة عظيم النتيجة والأثر على الأدب في مصر حتى الآن، فتلك المرحلة ألهمت عددًا من المؤثرين أمثال محمد عبده الذي تأثر بها، وطه حسين، وتأثر بطه الكاتب الرائع نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب.

والآن نحن الذين نجلّ ونقدر نجيب محفوظ، ونهتم بقراءة رواياته التي تلهمنا كقراء قبل الكتّاب، فمثلًا كاتب مثل أحمد مراد من كتّاب العصر الحالي يرى أن رواية الحرافيش أفضل الروايات المصرية، فتخيل لو لم تحدث نهضة أدبية في القرن التاسع عشر، كيف كان سيصبح حالنا؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة