عندما كانت القلوب تملك عرشها الخاص

في زمن ما، حين لم تكن الكلمات مجرد ظلال عابرة على شاشة باردة.. كان فتح كتاب يشبه فتح باب إلى عالم آخر، كانت رائحة الورق، بنفحاتها الخفيفة والخشبية، تملأ الأجواء بوعد صامت، كل صفحة تحمل خشخشة خفيفة، يختبئ بين سطورها صمت مشبع بالمعاني، وهمس من الأبدية.

تأثير الكلمات في الروح  والفكر

في الماضي، لم تكن الكلمات تمر مرور الكرام، بل كانت تستقر، كانت تتغلغل في الروح، تضيء عقل القارئ وتلامس وجدانه، وفي هذا النور الهادئ لكن العميق، كان القرّاء يجدون المتعة والشغف، ويستنشقون القيم.

في الماضي كانت الكلمات تتغلغل في الروح وتضيء عقل القارئ وتلامس وجدانه

لم تكن قيمًا مفروضة أو قواعد صارمة يمليها العالم، بل حقائق تُعانق بإرادة واختيار، عن قناعة راسخة، كان الشرف بوصلة، والإخلاص طريق يُسلك بلا خوف من الضياع.

لم تكن الكلمات والجمل انعكاسًا للفكر فحسب، بل كانت جسورًا ممتدة بين الأرواح العطشى للتواصل.. كان الناس يقرؤون لا لأنفسهم فقط، بل ليقتربوا أكثر من الآخرين، كانوا يقرؤون ليفهموا، ليحبوا بعمق، ليبنوا عالمًا يكون فيه الحوار لقاءً حقيقيًّا، لا مجرد تبادل سطحي للمعلومات.

تأملوا في تلك الصالونات الأدبية القديمة، تلك الدوائر التي كانت تعج بالنقاشات الصاخبة في أفكار خطتها أنامل الكتّاب.. كانت النظرات صادقة، وكانت الكلمات تملك وزنًا لا يقيسه إلا القلب، لم يكن الخلاف مَثار خوف، بل كان فرصة، بابًا مفتوحًا نحو التعلم، واتساع الأفق، وتلاقح الرؤى المختلفة، كان الحبر والورق ينسجان روابط خفية بين النفوس، روابط تُثري ولا تُفرق.

لكن اليوم، أين تلك الروابط؟

نحن في زمن يسير بسرعة خاطفة، فالكلمات تنزلق على الأسطح دون أن تجد جذورًا تثبتها، تومض لحظة على الشاشات، ثم تتلاشى في تيار لا يتوقف.. حلَّت برودة الزجاج محل دفء الورق، وتحولت الحوارات إلى أصداء فارغة، مونولوجات يتحدث فيها الجميع، دون أن يسمع أحد الآخر حقًّا، أو يُسمع كما يجب.

أفلا تزال هناك شرارة مضيئة، بريق من ذلك الزمن الجميل؟

ربما نعم، في قلوب أولئك الذين -على الرغم من التيار الجارف- لا يزالون يؤمنون بقوة الكلمة.

هل يمكن للقلوب أن تعود إلى عرشها؟

ربما، إن عدنا إلى القراءة، بأي طريقة كانت، ليس لمجرد تمضية الوقت، بل لاستعادة المعنى.. إن أعدنا تعلم فن الإصغاء، لا لنجيب، بل لنفهم، إن تجرأنا مرة أخرى على التأمل في الكلمات التي تنير، لا لنحولها إلى اقتباسات جوفاء، بل لنصنع منها مشاعل تهدينا في دروب الحياة.

تأمل معاني الكلمات

إلى أولئك الذين لا يزالون يقرؤون، أنتم تحملون في قلوبكم تلك الشعلة الصغيرة، شعلة الماضي التي قد تصبح غدًا مشرقًا من جديد، أنتم حراس ذاكرة عاش فيها الورق، وتحدثت القلوب، وسارت القيم بين الناس كأنها كائن حي، في لحظة فرح خالدة، تشبه عبق دفتر قديم منسي، أو السعادة في صوت صفحة تُقلّب.

احفظوا هذا النور حيًّا، فهو نادر وثمين، وربما هو الشيء الوحيد الذي سيذكرنا دائمًا بأن الكنز الحقيقي في عالم يركض بلا توقف، هو أن نتوقف للحظة، نفتح كتابًا، ونحلم...

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.