عمرو دياب.. 40 عامًا من الغناء

أعرف عمرو دياب المطرب والإنسان منذ بداياته الأولى، وأدرك أن بقاءه على قمة مسرح الغناء الشبابي طوال 40 عامًا أو يزيد.

لو حسبنا سنوات عمله في فرقة الشياطين لإحياء حفلات مدينة بورسعيد على ساحل البحر الأبيض المتوسط، التي لا تزال تتغنى بألحانه وتحن إلى أيامه، وتربعه على القمة هو واقع وهدف لن يتخلى عنه ذلك المتمرد العنيد، ما دام له قلب ينبض وحنجرة تصدح بألحان الشباب.

وفي السياق نفسه فعمرو لم يعد مطرب الشباب فقط، بل له جمهوره من جيل الآباء أيضًا الذين شبوا على نغماته حتى ظهرت على رؤوسهم ورؤوسهن الشعر الأبيض.

قد يعجبك أيضًا عمرو دياب.. تعرف على مسيرته الفنية الناجحة

حلم العالمية

أعرف عمرو دياب تحديدًا منذ بداياته في الثمانينيات بعد أول ألبوماته "يا طريق"، أول ما لفت انتباهي إليه، أنه لم يكن يريد أن يكون مطربًا، بل يحلم بأن يكون "عالميًّا"، كنت أشفق عليه من أحلامه؛ فهي قد تكلفه أرق النهار وسهر الليل.

أحيانًا كنت أسأله عن وسيلته للتحليق في سماء العالمية، فيسكتني بالتعليق التالي: "أشعر أن توفيق الله يرعاني"، مضيفًا: وعندي الدليل.

لاحقته بالسؤال: أرجوك أخبرني. فقال بإيمان حقيقي: "اكتشفت أن توفيق الله يلازمني ولا يتركني". ثم أضاف: "يا صديقي كلما أقدمت على فعل خاطئ.. يتحول إلى صواب".

 ليلتها كنا في سهرة تجمعنا على مائدة السحور في شهر رمضان الكريم في حي المهندسين الراقي بمحافظة الجيزة جنوب العاصمة.

راح يحكي باستفاضة ما ملخصه أنه تعاقد في بداياته الأولى مع أحد مطاعم الهرم لتقديم فقرة ليلية واكتشف أنه لا يملك "بدلة" يقدم بها فقرته؛ فصعد على المسرح بقميص مختلط الألوان كان يملكه، ينظفه ويجففه صباحًا ويغني به مساءً في ملهى ليلي شهير تملكه مطربة كبيرة هي المطربة شريفة فاضل.

وبينما كان يفترض أن مظهره سيكون عائقًا في طريق انتشاره، وإذا بالمفاجأة تكون في انتظاره ويقلده باقي المطربين الشبان ويتخففوا من حلتهم الرسمية وتصبح موضة الغناء هي ما يفعله عمرو عبد الباسط دياب مضطرًّا.

هنا لا بد أن أذكر جملة اعتراضية في السياق؛ تتمثل في تحفظ عائلته على سرد هذه الحكاية حتى إنه لم يكررها لصحفي آخر، مُفَاد الاعتراض أن عمرو ينتمي لأسرة غير فقيرة، فهم كانوا يعيشون في بيت مستقل "فيلا" ولديهم سيارة معقولة ماركة "ألفا روميو" ومديرة منزل أجنبية ترعى عمرو وشقيقه الصغير عماد وتدربهما على العزف على آلة البيانو.

قد يعجبك أيضًا الفنان عمرو دياب

في معهد الموسيقى العربية

إذن كيف لعمرو أن يملك قميصًا واحدًا حتى لو كان ملونًا وارد أوروبا؟

الحقيقة المنسية في هذه القصة أن عمرو عندما تلقى نصيحة الموسيقار هاني شنودة الذي كان يحيي حفلًا في بورسعيد، واستمع إلى ذلك الصوت، نصحه بأن يستقل أول أوتوبيس ويقدم أوراقه في معهد الموسيقى العربية.

وفعلها عمرو دون إذن من أحد؛ حيث عاد معه في الباص نفسه، ولم يحمل معه أموالًا ولا قمصانًا، بل في هذا الوقت قال صائحًا محفزًا لقدراته عند تمثال ديليسبس على حافة قناة السويس التي تطل على السفن العابرة والمغادرة إلى نقاط وصولها عند مدن العالم، وهو الذي علمه البحر المغامرة والتمرد وسباق الزمن ليصل إلى الأفق غير المحدود.

صرخ عمرو على رصيف القناة بأعلى صوته: أنا قادر على التحدي.. ولا بد من النجاح.

ثمة أمر آخر يستشف منه عمرو أن توفيق الله يلازمه؛ عندما علم بأن شخصيات فنية كبيرة ستحضر للاستماع إليه في "الكازينو الليلي" مكان السهر؛ هكذا كان يطلق على الملهى في سنوات ما بعد الانفتاح الاقتصادي.

قد يعجبك أيضًا قراءة من فيلم ( الآيس كريم في جليم )

مسرح المنوعات

ثم أطلق عليه فيما بعد "مسرح المنوعات"، الذي وافق عمرو على الغناء فيه مضطرًّا، كان متوترًا، مرتجفًا، فكَّر أن يطمئن نفسه بالحركة على المسرح وهو ما أطلق عليه الكاتب الساخر أحمد رجب مداعبًا "تنطيط" أو ما يشبه رقصة "الدبكة" الشامية، على أساس أن نجم الجيل يكسر قواعد الغناء الكلاسيكي الذي يمثله العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ رفيق درب الجيل السابق من الكتاب والصحفيين ونحن الذين ورثنا معهم هذا الحب، أصبحت الحركة على المسرح هي الموضة.

 ها هو عمرو دياب الصديق الذي أصدقه وأؤمن بموهبته وبقدرته على النجاح والتحليق عاليًا، وهو أمر اعتدت الجهر به في لقاءاتي الإذاعية والتليفزيونية المتعددة؛ إيمانًا مني بجيلي ودفاعًا عنه دون مخاصمة الأجيال التي سبقت وقدمت لنا كثيرًا مما كوَّن وجداننا وذائقتنا، فالغناء هو حلقات متصلة كل حلقة تسلم ما بعدها ـحتى لو تمردت على الإطارـ إن كان غير موافق لحركة الزمن.

ها هو نجم الجيل، يحقق حلمه الذي يصبو إليه، ويحصل عن جدارة على لقبه المفضل "العالمي" بشهادات متنوعة من دول وجهات ومهرجانات ومراكز رصد دولية ومبيعات لا تعرف الكذب ولا التجمل؛ خاصة بعد أن دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية بصفته الأعلى إحرازًا لجوائز عالمية، ثم إن كثيرًا من أغانيه تصدح في أمكنة ترفيه عالمية في مدن العالم.

وأصبح لزامًا علينا أن نناديه باللقب الذي اتفق عليه نقاد الغناء: العالمي بعدما كان "الهضبة".

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة