في عالم يموج بالجريمة، يبرز علم النفس التربوي أداة قوية لمعالجة جذور المشكلة وليس فقط أعراضها. اكتشف كيف يمكن لتطبيق مبادئ هذا العلم أن يحمي مجتمعاتنا من براثن الجريمة، بفهم دوافع المجرمين وتوعية الأفراد والمؤسسات. انضم إلينا في استكشاف هذه الإستراتيجيات الفعالة لبناء مجتمع أكثر أمنًا واستقرارًا.
لن نخص بالذكر دولة معينة دون غيرها، لكننا نرى انتشار الجريمة في كل مكان في العالم، ولا نقصد هنا الجرائم التي تُرتكب في الحروب من قبل العسكريين وحاملي الأسلحة الثقيلة، ولكننا نقصد الجريمة التي تحدث داخل المجتمع على الرغم من تماسكه. إن لتطبيق علم النفس التربوي في الوقاية من الجريمة؛ دور بارز في حماية المجتمع وحماية الأشخاص من الوقوع في براثن الجريمة. وفي الحقيقة، توجد كثير من الأدوات والعلوم التي يمكن أن تتدخل في هذا الأمر من أجل الوقاية من الجريمة. فهل ينجح علم النفس التربوي في علاج هذه المشكلة التي تهدد أمن المجتمع واستقراره.
دور علم النفس التربوي في استقرار المجتمع
بلا شك ينجح علم النفس التربوي في حل هذه المشكلة، وعلاجها من جذورها إن تم تطبيقه بطريقة صحيحة، وإن تم تطبيقه فعلًا في كل الحالات الإجرامية للوقوف على الأسباب والدوافع، سواء من أجل إصدار الحكم العادل في حق المجرم الذي ارتكب الجريمة أو من أجل توعية المجتمع بأسباب تلك الجريمة وما أدى إليها. فالجريمة هي الحدث النهائي، ولكن يسبق هذا الحدث مجموعة أخرى من الأحداث التي أدت في النهاية إلى الوقوع في براثن الجريمة.
ومن ضمن الأسباب المهمة التي تؤدي إلى الجريمة هو نمط التفكير الخاص بالمجرم، وكذلك نمط السلوك الخاص بالمجرم الذي يتحول إلى سلوك إجرامي. ويتكون السلوك الإجرامي من مجموعة من العوامل والمؤثرات سواء في نفسية المجرم ذاته أو في المجتمع المحيط به.
وعند تطبيق علم النفس التربوي في الوقاية من الجريمة يجب أن نضع في الحسبان ما يلي:
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتفكك الأسر
حدثت كثير من التغيرات الاجتماعية الكبيرة في السنوات الأخيرة، أو بالأحرى في السنوات الأخيرة. فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل ممارسة جرائم عدة، ومنها جرائم التهديد وجرائم التنمر. ويمكن أن تتفاقم حدة هذه الجرائم لتكون جرائم حقيقية وعلى أرض الواقع، ويمكن أن تصل إلى حد القتل أو الاغتصاب أو حتى سرقة الأشياء الثمينة.
لقد تفككت الأسر مع انتشار التكنولوجيا بشتى أنواعها، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي. وبسبب هذا الانحلال كثرت الجرائم التي تتعلق بالعنف الأسري والعنف بوجه عام والجرائم الأخلاقية والجرائم الجنسية وغيرها من الجرائم التي نكتشفها بعد أن تكون قد تمت فعلًا؛ لذلك يجب تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي ذاتها والجهات المعنية والمسئولة من أجل تعريف المجتمع بآثار التغيرات التكنولوجية والتحولات الجذرية التي تحدث بسبب ذلك.
مثلًا، يجري بعض الأشخاص مكالمات تليفونية من أجل الاستيلاء على البيانات السرية الخاصة بالحسابات البنكية، ومنها جرائم تهكير صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا لا بد من التوعية بهذه الجرائم ويجب التشديد على الناس من أجل عدم الإدلاء بمعلوماتهم السرية.
العنف الأسري وتأثيره المدمر
إن كثيرًا من المراهقين والشباب والأطفال يمكن تربيتهم باستخدام العنف؛ فيرى الأب والأم أنه عندما يضرب الطفل فإنه بذلك سوف يكون على أعلى مستوى من التربية والأخلاق، وهذا خطأ فعلًا؛ لأن التربية العنيفة يمكن أن تترك كثيرًا من الرواسب النفسية في نفس الطفل؛ ما قد يؤدي به إلى ارتكاب الجرائم بدافع الانتقام مما حدث له عندما كان طفلًا أو مراهقًا. والأدهى من ذلك أنه سوف ينتقم من أشخاص لم يكونوا سببًا فيما وصل إليه على المستوى النفسي، وما ترتب عليه من مستواه الاجتماعي.
همية التربية السليمة في بناء جيل واعٍ يتجنب الجريمة
وهذا أيضًا ينطبق على تطبيق التربية العنيفة مع البنات. فعندما تتعود البنت على أن تُضرب بعنف فسوف تتقبل هذا الأمر من زوجها في المستقبل؛ ما يجعلها عرضة للعنف الأسري ولكن من زاوية أخرى. ففي الحالة الثانية سوف تكون في دور الأم بعد أن كانت في دور الابنة في الحالة الأولى. لذلك، يجب توعية كل أفراد الأسرة بعدم استخدام العنف الأسري، وإبراز المشكلات النفسية الخاصة بهذا الأمر التي قد تصل إلى حد الجريمة التي تنهي مستقبل مرتكبها وليس الضحية فقط.
دور أفلام العنف في تشكيل سلوكيات الأطفال والمراهقين
من أبرز الأسباب التي تؤثر في المجتمع سلبيًّا هو انتشار الأفلام التي تحض على العنف وعلى أعمال البلطجة، بل يُعرض هذا الأمر في سياق درامي يجبر المشاهد على التعاطف مع هذا البلطجي، كأن يذكروا الظروف التي مرَّ بها وأدت به إلى هذا النوع من الأعمال.
وعليه، فيجب منع الأطفال والمراهقين من مشاهدة مثل هذه الأفلام؛ حتى لا يقلدوها في المستقبل أو في سنهم هذا، ويؤدي بهم إلى الوقوع في الجريمة.
الأمراض النفسية والوقاية من الجريمة
عندما تلاحظ الأسرة أن أحد ذويها يعاني أعراض مرض نفسي معين فعليهم على الفور دون خجل أو الخوف من نظرة المجتمع أن يعرضوا هذا الابن أو البنت على الطبيب النفسي، ويبدأوا العلاج النفسي حتى لا يتفاقم الأمر ويتحول إلى أداة إجرامية، وهذا أيضًا من صور تطبيق علم النفس التربوي في الوقاية من الجريمة.
علم النفس التربوي يحمل مفاتيح وقاية مجتمعاتنا من الجريمة، ويُعنى بفهم كيف يتعلم الإنسان ويتطور نفسيًا وسلوكيًا، ولا سيما في مراحل الطفولة والمراهقة، وهي المراحل الأكثر عرضة لتكوّن أنماط سلوكية قد تتحول لاحقًا إلى سلوك إجرامي، بأدوات التشخيص والتوجيه السلوكي، يمكن للمرشدين النفسيين في المدارس والأسرة التدخل المبكر لتصحيح المسارات الفكرية المنحرفة، ويمكننا بناء جيل أكثر وعيًا ومسؤولية وأقل عرضة للانحراف. شارك هذا المقال الهام للمساهمة في بناء مجتمع آمن ومستقر.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.