علم الاجتماع بين التعريف والنشأة والأهمية

يقول أرسطو إن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، وإن الإنسان الذي لا ينخرط مع مجتمعه بسبب طبيعته ودون التعرض لحوادث تؤدي إلى ذلك، فهو إما أحقر من البشر وإما أسمى من البشر.

ومن هذا المنطلق، فإن المجتمع لا بد وأن يتكون من مجموعة الأفراد الذين يتفاعلون مع بعضهم انطلاقًا من الاحتياجات والمنافع المتبادلة، ومن الصعب وجود إنسان بمعزل عن المجتمع، وعلى هذا نشأت العلوم التي تخدم هذا النظام الاجتماعي على مستوى الفرد والجماعة.

مثل علم النفس الذي يدرس سلوك الإنسان، وعلم الأحياء الذي يهتم بجسد الإنسان وأجهزته وطريقة عمله والمشكلات التي تظهر عليه والحلول الممكنة، وبذلك ظهر أيضًا علم الاجتماع الذي يستهدف دراسة الجوانب الاجتماعية في حياة الإنسان وعلاقته بمن حوله من أفراد ومؤسسات، وكذلك التطور الذي يحدث للمجتمعات.

تعريف علم الاجتماع

على الرغم من وجود تعريفات عدة لعلم الاجتماع، فإنها كلها تبحث في النظام الاجتماعي، وهو ما يتسع ليشمل العلاقات البسيطة بين أفراد المجتمع وصولًا إلى العلاقات المعقدة والصور المركبة لطبيعة المجتمعات والظواهر الاجتماعية والتاريخية التي تؤثر بدورها على الأفراد والجماعات، وعلى هذا يتطرق علم الاجتماع إلى عدد من الموضوعات الأخرى التي تتصل به، مثل: (العلوم السياسية، علم النفس، التاريخ، العلوم الإنسانية).

تعريف علم الاجتماع

وتتداخل كل هذه التخصصات مع بعضها وتتجلى في السلوك الإنساني للفرد والجماعة، وبذلك تظهر أهمية علم الاجتماع لدراسة الظواهر والسلوكيات وحل المشكلات التي تواجه الأفراد والمجتمعات، ويمكننا القول إن علم الاجتماع يعتمد على عنصرين أساسيين هما الفرد من ناحية والثقافة من ناحية أخرى.

عندما يدرس علم الاجتماع الفرد، فإنه ينظر إليه نظرة مجردة بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه. وكذلك، عندما يتجه علم الاجتماع لدراسة الثقافة، فإنه يهتم بالعادات والتقاليد والمعتقدات والأفكار الموجودة في المجتمعات؛ لذا يدرس القضايا والمشكلات المجتمعية على مستوى الحاضر والماضي، ويتنبأ بما يمكن أن يحدث في المستقبل بطريقة علمية ومنهجية تعتمد على رصد كل ما يحدث في المجتمعات من تفاعلات اجتماعية نتيجة علاقات الأفراد وتغير الثقافات وتفاعلها، وهو ما يؤدي إلى اكتشاف مواطن الخلل وأسباب المشكلات، ثَمّ تقديم الحلول على مستويات ثلاثة وهي:

المستوى الشخصي

يتناول المشكلات الشخصية التي يمر بها الفرد في المجتمع، مثل المشكلات العرقية، والسلوك الأخلاقي، والمشكلات العائلية المتكررة.

المستوى المجتمعي

يتناول القضايا المتعلقة بالمجتمع على نطاق واسع، مثل قضايا التعليم والاقتصاد والجريمة والسرقة والقوانين والفقر التي تؤثر بدورها أيضًا على السلوك الشخصي وتؤدي إلى عدد من القضايا والمشكلات الشخصية والعائلية.

المستوى العالمي

يناقش علم الاجتماع الظواهر العالمية التي تؤثر في الإنسان في كل مكان على الكرة الأرضية، مثل مسألة النمو السكاني، والأزمات الاقتصادية الكبرى، ومسألة الهجرة، والحروب والسلام، وهذه الظواهر تعود بدورها على المستويات السابقة فتؤثر في المجتمع وتؤثر في الأفراد، وتؤدي إلى ظهور مشكلات وقضايا وظواهر مجتمعية وفردية.

نشأة علم الاجتماع

يُعد المؤرخ الإسلامي عبد الرحمن ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الأول باعتراف علماء الغرب أنفسهم، إذ كان أول من استخدم التفكير العلمي في عمله لتحليل المجتمعات الإنسانية، وفهم أسباب استقرارها وتفكيكها، ومواجهة الظواهر الاجتماعية بالدراسة والتحليل، وهو ما ظهر في مقدمته الشهيرة والمعروفة (مقدمة ابن خلدون).

ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع

لكن الأمر توقف عند هذا المجهود الكبير، ولم يطور علماء العرب أو المسلمون المجهود الذي قام به ابن خلدون نظرًا للظروف التاريخية التي مرت بها الحضارة العربية والإسلامية من انهيار وتراجع كبير.

من ناحية أخرى، كانت الحضارة الغربية في تصاعد وازدهار، وعلى هذا بدأ علم الاجتماع يظهر في الغرب مع كثير من الاضطرابات والتقلبات الاجتماعية التي تجعلنا نشير إلى مجموعة من الفلاسفة ونطلق عليهم آباء علم الاجتماع الحديث، وهم:

أوجست كونت

يُعد أوجست كونت مؤسس علم الاجتماع الحديث أو كما يطلق عليه (علم الاجتماع الغربي) الذي نطلق عليه الآن (السيسيولوجيا)، إذ قسَّم مسيرة البشرية إلى ثلاث مراحل، وهي: المرحلة اللاهوتية، والمرحلة الميتافيزيقية، والمرحلة العلمية التي يرى فيها أن الإنسان وصل إلى مرحلة الاعتماد على العلوم الاجتماعية وأهميتها التي تعادل العلوم الطبيعية، ثَمّ الاتجاه إلى المنهج العلمي.

أوجست كونت

هيربرت سبينسر

يُعد هربرت سبنسر أيضًا من رواد ومؤسسي علم الاجتماع الحديث الذي افترض تبعية العقل البشري لقوانين طبيعية ثابتة، متحدثًا عن (ظاهرة التطور)، كما كان لكتاباته تأثير كبير على نظم التفكير الاجتماعي على مستوى العالم، لا سيما في حديثه عن تشابه المجتمع مع الكائن الحي وكيف تمر المجتمعات بمراحل النمو المختلفة، وكذلك تصل إلى مرحلة الشيخوخة والموت، وكيف تحمل مؤسسات المجتمع فشل أو عجز أو ضعف المؤسسات الأخرى كما يحدث في جسد الكائن الحي، وهو إلى ذلك صاحب المقولة المشهورة (البقاء للأصلح).

كارل ماركس

يُعد كارل ماركس أحد أشهر المفكرين والفلاسفة أصحاب النظريات الاجتماعية، والذين كان لهم تأثير كبير على تطور علم الاجتماع، فقد كان كارل ماركس معارضًا تمامًا لفكرة هربرت سبنسر التي تتحدث عن المجتمعات التي تميل إلى الاستقرار التي تستطيع إصلاح مشكلاتها بنفسها، إذ كان كارل ماركس داعيًا للتفاعل والسعي نحو تغيير المجتمعات.

كارل ماركس

وعلى هذا كانت فكرته الرئيسة هي صراع الطبقات. وقد قسَّم كارل ماركس المجتمعات إلى طبقتين: إحداهما طبقة تمتلك وسائل الإنتاج وهي الطبقة البرجوازية، والأخرى طبقة تعمل وتكدح ولا تمتلك سوى القليل وهي طبقة البروليتاريا، وهو ما جعل الصراع من وجهة نظر كارل ماركس أمرًا حتميًّا ليس له حل سوى قيام الثورات وتطبيق الاشتراكية.

إيميل دوركايم

يُعد إيميل دوركايم، عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، من أكبر المفكرين والكُتَّاب في مجال علم الاجتماع الذي كان له دور كبير في تأصيل فكرة دراسة الحقائق الاجتماعية، وكذلك دراسة أنماط السلوك التي يتميز بها المجتمع التي تميزه عن المجتمعات الأخرى، فقد كانت له دراسة منشورة بعنوان (الانتحار)، عدَّها كثير من الباحثين والدارسين من أوائل التجارب العملية والإحصائية التي فتحت الباب لاستخدام التحليل الاجتماعي بدلًا من الاعتماد على الآراء والكتابات النفسية والفلسفية.

ماكس فيبر

يُعد ماكس فيبر من أبرز علماء الاجتماع في ألمانيا وفي العالم بعد ذلك؛ نظرًا لمنهجه الذي خالف فيه دوركايم الذي كان يعتمد على الحقائق الموضوعية فقط، فقد تبنى ماكس فيبر منهج الدراسة الشاملة الذي يعتمد على الحقائق الموضوعية والتأويلات الشخصية والأفكار والانطباعات والمشاعر، وكان له دور كبير في ظهور منهج جديد في علم الاجتماع مع زميله العالم الألماني جورج زيميل، وهو (منهج الفهم) الذي يقوم على دراسة المجتمعات انطلاقًا من مصطلحاتها وثقافتها وانطباعاتها وأفكارها الشخصية، وليس بواسطة منهج ثابت يصلح لجميع المجتمعات.

أهمية علم الاجتماع

  • يساعد علم الاجتماع على فهم الظواهر الاجتماعية التي تؤثر بدورها على الأفراد والجماعات، فقد نستطيع به تعظيم الظواهر الإيجابية ومعالجة الظواهر السلبية.
  • يساعد الأفراد على فهم القوى الاجتماعية التي تتحكم وتؤثر في حياتهم، وبذلك يمنحهم الوعي والمعرفة والقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة.
  • بواسطة علم الاجتماع، يمكن تطوير الوظائف الاجتماعية للفرد والمؤسسة والجماعة، والإشارة إلى عدد من الأدوار التي يحتاج إليها المجتمع، وتوفير ثقافة تفاعلية لخدمة هذه الوظائف، مثل مجالات التسويق والإدارة والخدمات الاجتماعية والسياسة والقانون والتعليم والتسويق وغيرها.
  • يُستخدَم علم الاجتماع الآن على بطريقة مباشرة في تطوير مهارات الأفراد الشخصية التي تتناسب مع الحاجات الاجتماعية المتطورة والمتغيرة، مثل ما يحدث الآن من تطوير مهارات التحليل والاتصال والبحث والتعامل مع الذكاء الاصطناعي والتسويق.
  • يساعد علم الاجتماع كثيرًا في وضع القوانين والسياسات التي تتناسب مع المجتمعات بدراسة الثقافة المجتمعية، وكذلك بمعرفة المتغيرات العالمية.
  • تعتمد المجتمعات المتطورة على علم الاجتماع في تحسين جودة الفرد، وتحديد طرائق زيادة الرفاهية، ودفع الأفراد إلى الإحساس بالأمان والمواطنة والانتماء والمشاركة في صناعة القرار وتطبيق السياسات وتبادل المعرفة والخبرات.

وفي نهاية هذا المقال الذي تناول تعريف علم الاجتماع ونشأته وأهميته، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة