«عبور».. خواطر وجدانية

كانت الأرض التي تحت الأقدام شاسعة، تمتد بلا حدود، والسماء فوقها لا تحمل سوى غيمةٍ ضبابيةٍ تتنقل هنا وهناك دون وجهةٍ واضحة، لا كانت بدايةٌ معروفة، ولا كانت نهايةٌ مرئية، ما كان موجودًا هو الطريق الذي لا يشبه سواه.

في البداية، لم يكن يوجد شيءٌ سوى الصمت. كان الصمت هو الصوت الوحيد الذي يمكن سماعه، وكأن الحياة اختارت أن تظل ساكنةً في لحظةٍ لا تكون فيها المسافات واضحةً، ولا الأزمان محددة.

كان الشعور أن كل خطوةٍ هي بدايةٌ جديدة، وكأن الزمن لم يكن سوى فكرةٍ غائمة. ومع كل خطوة، كان يزداد السؤال: هل هذه هي الخطوة الصحيحة؟ هل كنتُ في الطريق الصحيح؟ لم يكن يوجد من يجيب، ولا من يراهن على هذه الخطوات، سوى أنني كنتُ أمشي.

مع مرور الوقت، بدأ يزداد الشعور بعدم اليقين. لم تكن الأرض مستقرة، ولا السماء دائمة الصفاء. كل شيءٍ كان يتغير ببطء، حتى الأفق نفسه بدأ يتحول، وكأن كل شيءٍ يختبرني في صبرٍ عميق، لم يكن الهروب من تلك اللحظة ممكنًا، ولا العودة إلى الوراء خيارًا متاحًا.

ثم جاءت السقطة، كانت مفاجئة، لم تدرِ قدمي أن فجوةً عميقةً تنتظرها. السقوط لم يكن مجرد سقوطٍ جسدي، بل كان سقوطًا في الوعي، في الإدراك، في كل شيءٍ كنتُ ظننته ثابتًا.

لكن السقوط لم يكن النهاية، بل بدايةً لشيءٍ آخر. كانت الأرض التي ارتطم بها جسدي قاسية، وكأنها تُعلمني أن الأوجاع جزءٌ من الرحلة. كان الألم لا يُحتمل في البداية، ثم بدأ يتحول إلى شعورٍ بالتحرر، وكأن الجروح كانت تفتح لي أبوابًا جديدةً لفهم الحياة.

مع مرور الوقت، بدأت الأشواق إلى الوحدة تتضاءل، وصوتي الداخلي بدأ يعلو، يُعبِّر عن نفسه بأكثر الطرق صدقًا. لم يكن يتحدث عن الطريق، ولا عن الألم، بل عن المعنى الذي بدأ يظهر بين كل خطوةٍ وأخرى.

أصبح الصوت داخليًّا أكثر وضوحًا، وكأنما الحكاية بدأت تروي نفسها بنفسها. في كل مرةٍ كنتُ أتساءل: هل أنا في المكان الصحيح؟ كنتُ أجد الإجابة هناك، في لحظات الوحدة العميقة، وفي اللحظات التي كان الصمت فيها أقوى من أي صوت.

ثم جاء التغيير. كان التغيير مجرد لحظةٍ تنبثق من داخل الوجود ذاته، وكأن كل شيءٍ كان بحاجةٍ فقط إلى هذه اللحظة التي ستجعل كل شيءٍ مختلفًا. لم يكن التغيير خارجيًا، بل كان داخليًّا. لم يكن مرتبطًا بالمسافات أو الأماكن، بل بالوعي الذي بدأ يتكوَّن.

عبرت، ولم أكن أعلم أنني عبرت. كان كل شيءٍ يبدو كما هو، لكن شيئًا ما تغير. الأرض نفسها، السماء نفسها، والطرق نفسها، ولكن كان فرقٌ صغيرٌ في طريقة الرؤية.

لم يكن العبور إلى مكانٍ آخر، بل كان العبور إلى فهمٍ مختلفٍ لوجودي هنا، على هذه الأرض. لا مكانَ ولا زمان، فقط شعورٌ داخلي بأنني كنتُ هناك، وأنني سرتُ في هذا الطريق لأنني كان عليَّ أن أسير فيه.

وفي النهاية، لم يكن يوجد وصول، بل كان الاستمرار في العبور هو الحقيقة الوحيدة التي عرفتها. الطريق لم ينتهِ، والمشاعر التي مررتُ بها لم تُنسَ، بل أصبحت جزءًا مني، جزءًا من هذا العبور المستمر. كل شيءٍ كان كما هو، لكن شيئًا ما تغير، وكأنني أصبحتُ جزءًا من شيءٍ أكبر.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

نص ممتع حقيقة...أسلوب راق
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

بارك الله فيك شكرًا
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

بالتوفيق دوماً صديقتي أسماء
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

دمتى مبدعة تحياتى وتقديرى لك 💜🌷
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة