من حين لآخر تهلُّ علينا دعوات تطالب أو تروِّج للأدب العامي، وحقيقة أرى في تلك الدعوات مسارًا لتفكيك بنيتنا اللغوية الهشة أصلًا، ولنعلم خطورة تلك الدعوات، يجب علينا أن نرجع لأصول اللهجات العامية.
اقرأ أيضاً اللغة العامية
مفهوم اللغة العامية في اللغة العربية
اللهجات العامية في اللغة العربية هي خليط من اللغة العربية ولغة أهل البلد قبل دخول العربية، فنجد في مصر مثلًا مصطلحات عامية مشتقة من اللغة القبطية، أو أسماء مشتقة من الهيروغليفية، أو تكون لهجتهم العامية قد دخلت فيها مصطلحات بعد دخول العربية إليها، كما رأينا في الجزائر مثلًا من دمج الفرنسية والعربية.
فاللهجات لا يمكن الاعتماد عليها أصلًا مصدرًا للغة عربية صحيحة.
سيرد أصحاب هذه الادعاءات ويقولون إن الإنسان الذي يتحدث بالعامية فهو بالضرورة يفكر بالعامية، ولذلك لن يستطيع أن يبدع أو أن يعبر عن خواص مكنوناته إن كتب بالفصحى التي لا يفكر بها، فيكون الرد هنا أن هذه مشكلة الكاتب نفسه، أنه لم يدرب نفسه على استخدام لغته الفصحى، وإلا لو كان هذا الكلام صحيحًا لما رأينا بلاغة نجيب محفوظ أو تعبيرات طه حسين، فهؤلاء يتحدثون العامية ويكتبون الفصحى.
وأيضًا فالتسامح مع الكتابة بالعامية، كما ذكرت آنفًا سيؤدي بالضرورة لإدخال ألفاظ وتعبيرات غير عربية للكتابة، ما سيؤدي -بالضرورة- تدريجيًا إلى تهاوي بناء التركيب اللغوي عند العربي المعاصر الذي يعاني أصلًا تفكك لغته.
اقرأ أيضًا: اللغة العربية وتأثيرها في الشعوب المختلفة
قصور اللغة العامية
ومن وجهة نظري أن الكتابة العامية لا تضيف لقارئها معنىً لغويًّا جديدًا، بل ستكون جميع تعبيراتها من واقع حياته المَعِيشة، فبدلًا من أن تضيف القراءة لصاحبها ثقلًا لغويًّا، وبدلًا من أن نشجع الكاتب على أن يحافظ على لغته سليمة، سنستبعد البعد اللغوي من الكتابة تمامًا.
وأيضًا ستكون لهذا الأمر عواقب كبيرة في قدرة مختلف شعوب البلدان العربية على قراءة أدب بعضهم البعض، فسيستحيل مثلًا على مصري أن يفهم الأدب المغربي أو الجزائري، وسيستحيل على الموريتاني أن يفهم أدبًا عراقيًا، وهلم جرا، وسنحتاج لمترجمي لهجات ليعرِّبوا العربية.
وبدلًا من أن تجمعنا نحن العرب مظلة العربية، ستظهر في كل دولة جماعة تدعو للانفصال عن اللغة العربية، ولتقعيد لهجتهم العامية واعتبارها لغة قومية، وقد رأينا ما يشبه ذلك فعلًا في عدة دول، فلماذا نفتح لهم الباب؟
الخلاصة، أحب أن أقرأ أدبًا كهذا (وجاءت ساعة الأصيل فتلفعت بملاءتها وانتعلت حذاءها، وكانت يداها ترتعشان انفعالًا واضطرابًا، وقلبها يخفق بشدة).
لا كهذا (ساعة المغربية البت لبست العباية والشبشب وخرجت وهي عمالة تتنفض)
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.