كم هو ممتع
ألا يعنينا المكان ولا الزمان، وأن يموت الوقت وتصبح الأماكن مكانًا واحدًا، بل من الممتع أن يفقد الزمان والمكان أهميتهما، وتعيش حالة من التحرر وإطلاق العنان لنفسك لتسبح في سحب الخيال.
فحينما تعتاد وحدتك، وحينما تضيع منك ابتسامتك، وحينما تفقد طاقتك، وحينما تتساوى عندك الأشياء كلها، وحينما يأتي الصباح وتتمنى المساء، وحينما تنتظر مجهولًا حتمًا سيأتي، في هذه اللحظة عليك أن تتخيل عالمًا بلا قيود، بلا حدود مادية وزمانية لم تعد تقيدنا، ويصبح كل شيء متصلًا في تجربة واحدة موحدة، ويصبح الوعي أو الروح حرًّا، غير مقيد بساعة معينة أو مكان محدد.
وحينئذ يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن للذات أن تتحرر من قيود الواقع المادي؟ أو كيف يمكن للوعي أن يصل إلى حالة لا يعنيه فيها الزمان ولا المكان؟
مع أننا أمام تجربة فريدة طبقها العلم وربط بها العالم وجعله قرية صغيرة، لو تحدث بفكرتها إنسان قبل ألف عام لاتهموه بالجنون، وها نحن الآن يمكننا التواصل عبر الإنترنت مع أي شخص في أي مكان بالعالم، وفي أي وقت، دون أن نكون مقيدين بمسافات جغرافية أو فروق زمنية. كأن الوقت يموت، بمعنى أنه يفقد سلطته علينا، وكأننا مكان واحد، هذا لأننا جميعًا مترابطون في فضاء رقمي مشترك، وهذا الترابط يجعل المعرفة والأفكار تتدفق بحرية، وكأننا نعيش في حالة من الوحدة الافتراضية.
ولكن ليس هذا كل ما نريده، بل نريد ونبحث عما هو أعمق من ذلك، لقد فرضت المثال السابق لأن الواقع المادي أصبح مؤلمًا للغاية، فحياة الإنسان مجرد حلم قصير، لكنه حلم يتحكم فيه كل ما هو ملموس، وكأنك بداخل قضبان حديدية تتوهم في بعض الوقت أنها تتسع لك، وتضيق عليك في أوقات أخرى، وذلك لأنك في نهاية الأمر تعيش في حيز محدود لم تصنعه أنت ولم تختره أنت، ثم دون أن يخبرك أحد، لا تجد نفسك التي كنت تعرفها أو كنت تتوهم أنك تعرفها في هذا العالم المادي، وقد اختفيت من هذا الحيز لتذهب إلى مكان آخر أنت لم تختره أيضًا، ولا تعلم إن كنت ستقابل نفسك وتعرفها أم لا.
هذا الشعور يعكس إحساسًا بالتقيد، كما لو كنت محبوسًا داخل "قضبان حديدية" تتسع في بعض الأحيان وتضيق في أحيان أخرى، هذا التصور يظهر مدى ما يفرضه العالم المادي من حدود على حرية الإنسان وذاته، فكثير من الناس على مر التاريخ تأملوا كيف تحد القيود المادية، سواء كانت جسدية أو اجتماعية أو اقتصادية، من إمكانيات الإنسان الحقيقية.
لكن قد يكون موجود أمل في تجاوز هذه القيود، فبعض أنواع الفلسفة، مثل الفلسفة الشرقية، ترى أن الواقع المادي مجرد وهم (يُسمى "مايا")، وأن التحرر يكمن في إدراك هذا الوهم والتخلص من الارتباط به، وقد يكون التأمل أو البحث عن معنى أعمق طريقًا للخروج من هذا الحصار.
فإذا كانت الحياة لكثير منا مجرد حلم قصير، فهذا يؤكد أن الوجود المادي مؤقت وسريع الزوال، كما ذكر في التقاليد الروحية والفلسفية، ويؤكد أن الحياة ليست إلا مرحلة عابرة ضمن رحلة أكبر. وقد يكون هذا الحلم القصير مجرد فصل في قصة الذات، فنتعلم وننمو قبل أن ننتقل إلى شيء آخر – سواء كان ذلك معروفًا أو مجهولًا.
إن شعورنا بالعجز داخل تلك القضبان الحديدية يفضح تلك الظروف التي تُفرض علينا، هذا يذكرنا بفكرة الفلسفة الوجودية التي تتحدث عن "الوجود المُلقى"، أي إن الإنسان يجد نفسه في عالم لم يختره، وعليه أن يصنع معنى لحياته على الرغم من ذلك، تلك القضبان التي تتسع وتضيق قد تكون رمزًا للحظات الأمل واليأس التي نمر بها، لكنها تظل تذكيرًا بأننا لسنا أحرارًا تمامًا في هذا الحيز.
التحرر من القيود يكمن فى ادراك وهم الواقع المادى
التحرر من القيود يكمن فى ادراك وهم الواقع المادى
وفى نهاية الأمر تعيش فى حيز
لم تصنعه أنت ولم تختره أنت
نعم ي عزيزى لم نختار شئ
إلا بعض كلمات من حروف تائهة
نستطيع التنفس من خلالها
ونتوهم اننا احياء؟!
صح قلمك وعظيمة هى كلماتك 🙏❤🌷
شكرا لكلماتك الطيبة ولمرورك الجميل علينا وكما ذكرتِ هى بعض كلمات نتنفس من خلالها
🙏🌹🙏🌹🙏
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.