المجموعة ظاهرة اجتماعية، فلا يعيش الإنسان بمفرده بمعزل عن الآخر، بل حتمًا له علاقة بالآخر يكون فيها التفاعل والتواصل، وتكون هذه العلاقة في أغلب الحالات داخل ما يمكن تسميته بالمجموعات (العائلة- فريق العمل- فصل الدراسة- زملاء المصنع أو المؤسسة التي يعمل بها- الجمعيات- مجموعة الرفاق...)، وهو دائمًا في اتصال مع الآخر، ويكون له دور مكمل له في الأنشطة المشتركة. ولعلَّ بعض هذا يذكرنا بقول ابن خلدون: «الإنسان مدني بالطبع.» والحاجة إلى الاجتماع البشري المُولد للعمران.
أهمية المجموعة
توافر المجموعة للفرد جملة من الحاجات النفسية، منها: الحاجة إلى الانتماء، والحاجة إلى الفعل، وإلى الأمان، وإلى الفهم، وإلى الاعتراف به، وإلى أن يعلم المستجدات، والحاجة إلى التعبير ومقاسمة العواطف، وإلى المكانة الاجتماعية، وإلى السند، وإلى التكوين... وهي مهمة في تشكيل ذات الإنسان ونحتها، وفي إنشاء التوازن النفسي والاجتماعي لديه، وأثبتت الدراسات أنَّ المجموعة تثري التعلمات الفرديّة، وتُعين الفرد على تجاوز ذاته وقدراته وإمكانياته.
مفهوم المجموعة
تتكون المجموعة من أفراد عدة يجمعهم مكان واحد وهدف مشترك يضعونه لأنفسهم، أو مهمة، أو مشروع، ويشتركون في إنجازه. ويقع بينهم تفاعل وتواصل، وتربطهم علاقات متبادلة.
وفي المعاجم العربية، توجد ألفاظ كثيرة قريبة في مفهومها من مفهوم المجموعة، وبعضها يمكن أن يُطلق عليه مجموعة حقيقة أو مجازًا، فما هي أهمها؟
هذه القائمة تحدد جملة منها: العائلة- الجماعة- التجمع- المنظمة- النقابة- الفريق- الحشد- الشعب- القبيلة- الطائفة- الجمعية- اللوبي- العشيرة- الحلف- الحزب- المعشر- العصابة.
وهذا يدل على تنوع مفاهيم المجموعة والدلالات اللغوية والاجتماعية التي تحملها، وكثرتها وأهميتها في الحياة الإنسانية.
شروط انعقاد المجموعة (شروط اعتبار جملة من الأفراد مجموعة)
1. توافر عدد معين من الأفراد
يجب أن تتكون المجموعة من 4 إلى 20 فردًا. ويرى بعض الباحثين أنَّ أقل من 4 أفراد لا يكون مجموعة؛ لأن عدد العلاقات بينهم يكون قليلًا، فهو يساوي عدد الأفراد في حالة 3 أفراد، وأقل في حالة فردين. فإذا كان عددهم 4 أو أكثر، أصبحت عدد العلاقات أكثر من عدد الأفراد، والرسم التالي يوضح ذلك:
فإذا تجاوز العدد العشرين، تعددت العلاقات وتعقدت، ويفترض في المجموعة المحدودة أن يقع التواصل والتفاعل بين كل أعضائها مباشرة، ولا يحصل ذلك في المجموعات كبيرة العدد، وعلم النفس الاجتماعي لا يدرس إلا المجموعات المحدودة العدد.
2. التقابل
اجتماع المجموعة في مكان واحد ووقت واحد يتقابلون فيه ضروري ليعرف بعض أعضاء المجموعة بعضهم، وليقع التفاعل والتواصل.
ويرى بعض الباحثين أن هذا الشرط غير لازم، لا سيما في المنظمات ذات الصبغة الاقتصادية، أو فرق العمل، أو الجمعيات (بالطبع إذا توفَّر فيها مفهوم المجموعة)، باعتبار وضوح الأهداف والأنشطة المشتركة والقواعد المرعية، وأن كل عضو له دور محدد مسبقًا، فلا يهمنا كثيرًا معرفة شخصه.
وبعض الباحثين لا يرون أن مجموعات الشبكات الإلكترونية ومجموعات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت مجموعات حقيقية، بل هي مجموعات افتراضية (E-groups)، فهي لا تتوافر فيها خصائص المجموعة التقليدية، ولا شرط التقابل، ولا يعرف بعض أفراد المجموعة بعضهم، لا سيما أن بعض الأفراد قد لا يكونون حقيقيين، فقد يخفي الفرد كثيرًا من جوانب شخصيته، كأن يدَّعي أنَّه أنثى وهو في الحقيقة ذكر، أو نحو ذلك. وهي مجموعات في كثير من الأحيان كبيرة الحجم، فلا يمكن دراستها من منظور علم النفس الاجتماعي.
ويذهب باحثون آخرون إلى أن ظاهرة مجموعات شبكة الإنترنت ظاهرة لها تأثير نفسي واجتماعي في الفرد، فهي جزء من الحياة المعاصرة، وأنه يجب دراستها وعدها مجموعة قد لا تكون لها خصائص المجموعات التقليدية، وذلك لفهم خصائصها والتأثيرات والانعكاسات التي تحدثها في الفرد والمجتمع. وهي ظاهرة منتشرة في مجتمعنا وفي صفوف الشباب المدرسي، فيجب إعطاؤها عناية خاصة.
- أن تكون للمجموعة أهداف مشتركة، وأن يسعى الجميع إلى تحقيقها.
- أن يكون للأعضاء مهمات وأنشطة مشتركة ومتكاملة، وتتقاسم الأدوار.
- التفاعل بين أعضاء المجموعة.
وهذا كله يفترض حياة وعقلية وأفكارًا ولا وعيًا مشتركًا، وقواعد مرعية ملزمة للعيش داخل المجموعة.
المجموعة كيان مستقل
إن المجموعة كيان له ذاته، كالفرد وكالأنا، ويؤكد بعض الباحثين على مفهوم "نحن" داخل المجموعة. والمجموعة ليست مجرد مجموع الأفراد الذين يكونونها، بل أكثر من ذلك، فالمجموع قوة تتعدى ذلك. فمجموعة من أربعة أعضاء يمكن تحديد مكوناتها على النحو التالي:
أربعة أفراد + 6 علاقات على الأكثر + 6 أزواج (couples) على الأكثر + شبكات التواصل.
الاستقلالية: وهي أن للمجموعة استقلالية عن غيرها.
المجموعات تفرض نفسها بالتعارض مع المجموعات الأخرى وبالتنافس معها.
وتوجد دراسة للعلاقات البينية (intra-groupe) والعلاقات مع المجموعات الأخرى (intergroupes)، إذ يقع عادة تثمين العلاقات داخل المجموعة على حساب العلاقات الخارجية.
ثم إن كل مجموعة تعيش في محيط تتفاعل معه، ولها وضع داخله يمثل فضاء حياة نفسيًّا واجتماعيًّا بالنسبة إليها، ويُعبِّر عنه كورت لوين (Kurt Lewin) بمجال المجموعة (champ).
أنواع المجموعات
ما أنواع المجموعات؟ وما تعاريفها؟
1- المجموعة الأساسية
هي وحدة اجتماعية محدودة العدد، يكون أفرادها في علاقات مباشرة وشخصية، ولهم قيم مشتركة، ويكون التلاحم بينهم قويًّا.
2- المجموعة الثانوية
تكون فيها العلاقات غير مباشرة وغير شخصية، وتكون قواعدها موضوعة مسبقًا، والعلاقات مفروضة، كفريق العمل في المصنع.
3- المجموعة الرسمية
تخضع لتنظيم محدد، وكل عضو له أدواره ومكانته الخاصة، ولها هيكلة درجيَّة (hiérarchique).
4- المجموعة غير الرسمية
تتكون طبيعيًّا، وأعضاؤها يختارون الانتماء إليها طوعًا، وأدوارهم ليست محددة مسبقًا، والتواصل والتفاعل لا يكون عبر هيكلة درجيَّة (hiérarchique).
5- مجموعة الانتماء
هي المجموعة التي يكون الفرد فيها عضوًا.
6- مجموعة المرجع
قد يستمد الفرد قيمه ومواقفه من مجموعة الانتماء، لكنه أحيانًا يستمدها من مجموعة لا ينتمي إليها، وتُعرف باسم مجموعة المرجع وفقًا إليه.
يمكن تصنيف المجموعات حسب الحجم إلى مجموعات صغيرة أو كبيرة.
ومن المجموعات أيضًا:
7- مجموعة الأتراب
تُدرس في علم النفس الاجتماعي وعلم نفس المراهق، وهي مهمة في مرحلة المراهقة، وفي مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي.
8- مجموعة التعليم
الفصل، الفوج، مجموعة التلاميذ الذين يتعاونون في مراجعة الدروس.
9- مجموعة التكوين
إذا كان الأمر متعلقًا بعمال في مصنع مثلًا أو نحو ذلك.
وظائف المجموعة
للمجموعات 3 وظائف أساسية:
1- وظيفة التنظيم
وهي وظيفة تعديل داخل المجموعة لإعادة التوازن إليها، ومحاولة تفريغها للنشاط بعد حل مشكلات التوترات، ويُعتمد عليها بعد الصراع بين بعض أعضائها واختلافات المواقف.
ومراحلها:
- تحديد المشكل.
- دفع الأفراد إلى المشاركة في حله.
- تجميع الآراء وتوضيحها وعرضها.
- التحليل والشرح والتأويل.
- تقديم الاقتراحات.
- التنفيذ.
ومن آلياتها:
التفاوض، والوساطة، وقبول الاختلاف، واللجوء إلى التعامل الديمقراطي، أو أحيانًا إلى قرار زعيم المجموعة.
قد يؤدي الصراع والاختلاف داخل المجموعة إلى عواقب غير مرجوة، ويؤثر في عمل المجموعة، بل قد ينجر عنهما اندثار المجموعة، ولكنهما أيضًا عاملان من عوامل التغيير والتطوير، ومحفزان للتنافس والتباري في النشاط، ويدفعان المجموعة إلى مزيد من التعاون بعد عودة الأمور إلى طبيعتها.
2- وظيفة الإنتاج
وبها تسعى المجموعة إلى توفير كل الوسائل والسبل، وكل ما يمكن لبلوغ أرقى حدود الإنتاج. والإنتاج هو العثور على منتوجات جديدة، أو إبداع في أي مجال، أو إبداع معلومات جديدة، أو جمعها للاستغلال، أو تغيير تمثلات (représentations).
وهي وظيفة تركز على تحسين المهام والأنشطة، وتحرص على معرفة العراقيل التي قد تقف حجر عثرة أمام الإنتاج، كما تحاول حصر الموارد التي يوفرها المحيط، والتعرف على إمكانيات أعضاء المجموعة وقدراتهم، لتجييش ما يمكن للمهمة، وإعداد خطط لتجاوز العراقيل بهدف تحسين المردودية، ومعرفة حدود إمكانيات المجموعة في تفاعل مع محيطها.
3- وظيفة اتخاذ القرار
مراحلها:
- توضيح الحالة (أو الوضع) التي نريد اتخاذ القرار بشأنها وتحليلها.
- جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عنها.
- تقييم هذه المعلومات.
- تصور الحلول: لا بأس بتعدد الحلول وكثرتها في هذه المرحلة.
- اختيار حل.
- العمل على تطبيقه بعد العثور على الوسائل المساعدة على ذلك وتوفيرها.
واتخاذ القرار أو اختيار الحل يكون بطرق متعددة:
- طريقة فردية: يتخذ قائد المجموعة وزعيمها القرار بمفرده، بالتشاور مع المجموعة أو دون الرجوع إليها.
- بالإجماع: إذ يجمع أعضاء المجموعة كلها على قرار.
- اللجوء إلى خبير ليقرر في الشأن.
- بالأقلية: تفرض نسبة من المجموعة، يمثل عددها أقل من النصف، رأيها.
- بالأغلبية: وذلك على طريقتين:
- بمجرد عدّ الأصوات ودون مفاوضات، ويُقبل القرار الذي حاز على أغلبية الأصوات.
- لا يُقبل رأي الأغلبية إلا بعد التفاوض والتوافق نوعًا ما عليه، مع توفير أرضية قبول لدى المجموعة، فإذا تمَّ ذلك، اتُّخذ القرار الذي لاقى نوعًا من القبول. وقد تنبثق في أثناء التفاوض آراء جديدة، ولكن في الأخير يبقى الرأي للأغلبية بعد التفاوض والتوافق.
وأحسن الحلول -مهما كانت الطريقة- ما تلتزم به المجموعة طوعًا، وتقبل به، وتتشارك فيه، ويحشد الجهود، ويجعل المجموعة تنكب عليه.
مقال رائع ...احسنت النشر
شكرا لك...دعمك لي له قيمة كبيرة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.