تاريخ ظاهرة الكسوف والخسوف من أساطير القدماء إلى اكتشافات الفلك

تعد الظواهر الطبيعية من أعظم مظاهر الكون إبهارًا، وفي مقدمتها تأتي ظاهرة الكسوف والخسوف اللتان كانتا تثيران الرعب والدهشة في العصور القديمة، تحولتا اليوم إلى فرص فريدة لعلم الفلك لدراسة أسرار الشمس والقمر والكون.

 في هذا المقال، ننطلق في رحلة عبر تاريخ الكسوف والخسوف، بدءًا من معتقدات الشعوب القديمة وأساطيرها التي ربطت هذه الأحداث بالكوارث، وصولًا إلى الفهم العلمي الحديث لهذه الظواهر وأهميتها في اكتشاف أسرار الفضاء. سنتعرف على كيف تطورت مفاهيم الكسوف والخسوف عبر الزمن، ونسلط الضوء على فوائدهما المهمة في مجال علم الفلك، وكيف ما زالتا تثيران إعجابنا بعظمة الكون وخالقه.

إن الظواهر الطبيعية تُعد من أكثر الظواهر إدهاشًا لنا نحن البشر، فمنذ قديم الأزل تستمر هذه الظواهر في إثبات وجود خالقها حتى نتفكر فيها وبعظمة خالقها جل جلاله. وتُعد ظاهرتا الكسوف والخسوف من أكثر الظواهر الطبيعية روعةً على الرغم من استمرارهما مدة قصيرة. هاتان الظاهرتان قديمتان قدم البشرية، وقد كانت بعض الشعوب في قديم الزمان يعتقدون أن حدوثهما يهدد الحياة على الأرض.

الكسوف والخسوف قديمًا

كانت الشعوب القديمة تعتقد أن هذه الظواهر من أسوأ الظواهر التي يمكن أن تحدث، لأن استمرارها ولو دقيقة يهدد حياة البشر على الأرض. تم رصد هاتين الظاهرتين أول مرة وبصورة تامة عام 747 قبل الميلاد في بابل ومناطق أخرى من العالم القديم.

كان حدوث كسوف الشمس وخسوف القمر ينذر بحدوث الكوارث على الأرض. حسب ما قالته الأسطورة الصينية القديمة، فإن الإمبراطور الصيني ياو عيّن اثنين من موظفيه لمنع حدوث هاتين الظاهرتين، وكان عقابهما شديدًا إذا فشلا في هذه المهمة.

الكسوف والخسوف قديمًا

أما شعب الإنكا في بيرو القديمة، فقد كان تعاملهم مع هذه الظواهر مختلفًا. كانوا يُعرفون بعبادتهم للشمس، وكانوا يعتقدون أن الكسوف والخسوف كارثة كبيرة. حسب اعتقادهم، كان يوجد أسد ممسوخ أو ثعبان ضخم يحاول ابتلاع الشمس التي وهبت الحياة لهم بسرعة. عند حدوث كسوف الشمس، كانوا يحدثون ضجيجًا يصم الآذان، ويبدأون بالصراخ والصياح والنفخ في الأصداف، وقتل الكلاب لجعلها تعوي، حتى يبتعد هذا الوحش الذي يبتلع الشمس.

الكسوف والخسوف حديثًا

مقارنة بعصرنا الحالي، نجد أن هاتين الظاهرتين أصبحتا تسترعيان انتباه البشر من كل مكان في العالم. صحيح أن تحول الأرض من النور إلى الظلمة بلحظة هو تجربة حقًا مخيفة ومهولة، ومشاهدة قرص الشمس قرصًا أسود يحيط به دائرة لامعة بيضاء من أكثر الظواهر إبهارًا لنا.

الكسوف والخسوف حديثًا

مع الدراسات الفلكية لهذه الظاهرة، فإن ما يشد الانتباه هو كيف يمكن لقمر الأرض الذي يبلغ قطره 3473 كم أن يحجب نجمًا ضخمًا كالشمس الذي يزيد قطرها على 1392000 كم. أثبتت النتائج عن دراسة هذه الحالة أن المسافة الكبيرة بين الأرض والشمس، التي تبلغ ١٥٠ مليون كم، تؤثر في الحجم الظاهري للأجرام السماوية. كلما كان الجرم السماوي بعيدًا، بدا أصغر حجمًا.

الكسوف الكلي

يحدث الكسوف الكلي عندما يكون القمر في أقرب مواضعه من الأرض، فيبدو وكأنه أكبر قليلًا من قرص الشمس. في هذه الحالة، يحجب القمر الشمس تمامًا. فمع أنَّ قطر الشمس يزيد قليلًا على 400 مرة قدر قطر القمر، فإنه يظهر مشابهًا له في الحجم، وذلك لأن بُعد الشمس عن الأرض ما بين 367 و417 مرة بُعد القمر حول الأرض. هذا الرقم ليس ثابتًا لأن مدار الأرض حول الشمس ومدار القمر حول الأرض ليسا مدارين منتظمين، أي إن المدار بيضاوي.

الكسوف الكلي

عند رصد كسوف الشمس من الأرض، فإن دقة رصد الكسوف تعتمد على موقع الرصد. لا يظهر الكسوف بشكل كامل إلا في الأماكن التي تقع على خط مباشر ما بين الشمس والقمر. هنا، يلمس الجزء المظلم تمامًا من ظل القمر الأرض، ويخلق منطقة محدودة نحو 241 كم، وتبدو فيها الشمس محتجبة تمامًا.

الكسوف الجزئي

يكون الكسوف جزئيًّا حين تبدو حافة واحدة من الشمس مختفية والحافة الأخرى ظاهرة.

الكسوف الجزئي

وبطبيعة الحال فإن التأثيرات لا تبدو مثيرة أو مؤثرة، عندما يكون القمر في حالة خسوف، ويحدث الخسوف عندما يتحرك القمر خلال ظل الأرض، وفي ذلك الوقت يختفي القمر تقريبًا ويترك فقط خطوطًا واهنة، وحيث لا يصله ضوء الشمس فنحن نراه فقط بواسطة ضوء الأرض المنعكس الضعيف.

فوائد الكسوف في مجال علم الفلك

إن ما يحدث خلال المدة القصيرة للظواهر المذكورة يُعد ذا أهمية كبيرة بالنسبة للفلكيين، إذ يمكن خلال مرحلة الكسوف دراسة الأجزاء الخارجية من الشمس وكروموسفيره، أي «الغلاف اللوني» والطبقة الغازية فوق الغلاف الضوئي للشمس، كذلك يمكن دراسة «الإكليل» وهو الهالة الغازية المحيطة بالشمس بدءًا من الكروموسفير إلى الفضاء المحيط، ففي أثناء الكسوف الذي حدث عام 1968م وُجِد أن الإكليل يحتوي غاز الهيليوم، وخلال مرحلة الكسوف يمكن تصوير النجوم القريبة من الشمس التي لا يمكن تصويرها إلا خلال هذه المدة.

وفي الختام، ما زال العلم الحديث يكتشف الأسرار وراء ظواهر الكسوف والخسوف، ومهما وصلنا إلى معرفة هذه الأسرار، فما زلنا نحن البشر لا ندرك سوى القليل. وعلى الرغم من التقدم العلمي في فهم الكسوف والخسوف؛ يظل سحرهما وإرثهما التاريخي محفورين في الذاكرة البشرية. وتذكرنا هاتان الظاهرتان بعظمة الكون وأسراره التي ما زلنا نكشف عنها شيئًا فشيئًا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

موضوع مهم استفدت منه الكثير، دمتي رائعة، ودمتم بخير وسلام وسعادة.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

احسنت بالاختبار والنشر
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.