في السنة الأولى من حياة الطفل، تُزرع بذور شخصيته المستقبلية، والأمان هو أول وأهم غذاء نفسي يحتاج إليه لينمو قويًّا واثقًا، يكشف هذا المقال عن الأهمية القصوى لبناء الطمأنينة في هذه المرحلة الحساسة، ويقدم أربعة مفاتيح ذهبية للأمهات والآباء لخلق بيئة آمنة ومحبة تُغذي روح الطفل وتُعزز ثقته بالعالم من حوله، وتعرف على لغة الأمان الصامتة وتأثيرها العميق على تطور طفلك.
بين أحضانكِ أمانة.. كيف نزرع الطمأنينة في قلب الطفل من عامه الأول؟
تُشير نظريات علم النفس التنموي، مثل نظرية إريكسون لمراحل النمو النفسي الاجتماعي، إلى أن المرحلة الأولى من حياة الطفل الثقة مقابل عدم الثقة تدور في شعوره بالأمان والرعاية المتسقة من مقدمي الرعاية الأساسيين.
إن بناء الطمأنينة في العام الأول ليس ترفًا تربويًا، بل هو حجر الأساس الذي تُشيّد عليه شخصية متوازنة، قادرة على الثقة بالآخرين، واتخاذ القرارات، والتمسك بالقيم لاحقًا، لكن كيف نصنع هذه الطمأنينة؟ وما دور الأم والأب والمحيط في تشكيلها؟
أولًا: الحضن ليس فقط دفئًا جسديًا بل أمانٌ وجودي
كثيرون يعتقدون أن حمل الطفل دائمًا قد (يفسده) أو (يُدلّله)، غير مدركين أن الطفل في هذه المرحلة لا يطلب حملًا، بل يطلب حياة، حضنكِ له، لمستكِ لصدره، استجابتكِ السريعة لبكائه، كلّها رسائل لا يُترجمها عقل الطفل بالكلمات، بل يختزنها شعورًا صورته: (العالم مكان آمن، أنا محبوب، وجودي مقبول).
فالأطفال الذين لم يُحتضنوا كثيرًا في عامهم الأول، ينمون غالبًا وهم في صراع داخلي مع الشعور بعدم الكفاية، ويبحثون طويلًا عن إثبات الذات عبر آليات تعويضية، قد تكون غير صحية.
ثانيًا: لا تتجاهلي البكاء استمعي إلى ما وراء الصوت
البكاء على الرغم من قسوته على الأم، هو وسيلة الطفل الوحيدة للتعبير عن احتياجه، سواء كان جائعًا أم خائفًا أم متألمًا أم وحيدًا، تجاهل بكاء الطفل باستمرار، لا سيما في عامه الأول، يجعله يشعر أن صوته غير مسموع، وأن احتياجاته لا تُلبى، ما يزرع بذور التوتر والشعور بعدم الأمان مبكرًا.
ردّك السريع لا يُفسده، بل يُعلّمه أن الحياة تستجيب له، وأن من حوله يُنصتون ويهتمون، ما يعزز ثقته بالناس والعالم.
ثالثًا: النغمة والنظرة والابتسامة لغة الأمان الصامتة
الطفل لا يفهم الكلمات، لكنه يتقن قراءة النبرة، ويُبحر في ملامح الوجه، نظراتكِ إليه، نبرة صوتكِ حين تحدثينه، ابتسامتكِ التي توازي قصيدة حب، كلها تشكّل الإطار العاطفي الذي يتربى داخله.
أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يحظون بتواصل بصري وابتسامات دافئة بانتظام، يتمتعون بمعدلات أقل من القلق لاحقًا، ويطورون علاقات اجتماعية صحية ومستقرة.
رابعًا: ثبات الروتين طمأنينة مُتوقعة
في عالم الطفل الذي لا يستطيع فيه الطفل التحكم بشيء، يصبح الروتين اليومي (في النوم، الأكل، اللعب) عنصرًا مهمًا جدًّا، فهو يُشعره بأنه يوجد ما هو متوقع، ما هو ثابت، ما هو معروف، وهذا يولّد داخله شعورًا داخليًا بالتحكم والراحة.
ليس الروتين تقييدًا، بل هو وطن صغير يُهدّئ روع قلبٍ لم يعتد بعد على مفاجآت الحياة.
الطمأنينة أمانة في أعناقنا.. نحصدها ثقة ووعيًا في المستقبل
إن أجمل ما يمكنكِ تقديمه لطفلك في عامه الأول ليس الألعاب ولا الملابس ولا الكلمات، بل هو حضن صادق، ونظرة مملوءة بالحب، واستجابة تُشعره أنه مرئي ومسموع ومحبوب كما هو، تذكري أن حضنكِ ونظرتكِ واستجابتكِ وروتينه الثابت هي أثمن هدايا تقدمينها لطفلك في عامه الأول، إنها ليست أفعالًا عابرة، بل هي استثمار عميق في صحته النفسية وشخصيته المستقبلية، ازرعي الطمأنينة اليوم، لتحصدي إنسانًا واثقًا وقادرًا على مواجهة العالم بثبات.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.