طبيعة عمل الهرمونات وعلاقتها برسائل الجهاز العصبي

هل تساءلت من قبل عن سبب شعورك بالسعادة عند تناول ملعقة من العسل، وفي المقابل شعورك بالألم أو عدم الراحة أو الانزعاج نتيجة تناولك طعامًا فاسدًا أو سامًّا، حتى إنك قد تتقيأ ذلك الطعام؟

مع أن ردود أفعال الجسم في هذه الحالات قد تكون تلقائية، ولا يفكر كثير من الناس في تفسيرها، لكن توجد رسائل مهمة يرسلها الجهاز العصبي تتعلق بإدارته للجسم، ويعتمد في هذه الرسائل على ما نعرفه باسم الهرمونات.

في هذا المقال نوضح كيف تعمل رسائل الجهاز العصبي، وكذلك طبيعة الهرمونات، وعلاقتها بالمواقف المختلفة.

قد يهمك أيضًا تعرف على أهم 3 هرمونات بالنسبة للرجال والنساء

رسائل الجهاز العصبي

تقوم آلية عمل الجهاز العصبي في إفرازه للهرمونات المختلفة على مبدأ الثواب والعقاب، فهو يفرز الهرمونات التي يشعر معها الإنسان بالسعادة أو المتعة عندما يعمل شيئًا مفيدًا للبقاء ولصحة الجسم.

في حين أنه يعاقبك في حالة قيام الإنسان بعمل شيء ضار للجسم ولبقائه المرتبط بنمط حياته الذي يمكن أن نشرحه ببساطة بواسطة مثالين بسيطين عن المكافأة والعقاب.

قد يهمك أيضًا رياضة بناء الأجسام وعلاقتها بالهرمونات

المكافأة

عندما كان الإنسان قديمًا يعمل طوال اليوم من أجل الحصول على وجبة الغذاء اليومية، كان هذا هو نمط الحياة الطبيعة؛ لذا عندما كان يجد أحدهم مصدرًا لتأمين وجبة الغذاء دون بذل جهد كبير بواسطة أحد الأطعمة التي تحتوي سعرات حرارية عالية، فإن الجهاز العصبي يربط هذه التجربة بشعور إيجابي؛ ما يحفز الإنسان على تكرار هذا الأمر مرة أخرى، وهو ما يطلق عليه (التوقُّع الهرموني الإيجابي).

وعلى هذا يفرز الجهاز العصبي هرمون الدوبامين الذي يشعر معه الإنسان بالسعادة مكافأة على حصول الإنسان على وجبة غذائية ذات سعرات حرارية عالية، وهو ما يكون في صالح الجسم.

لذا فإنّ كل الأفعال التي تساعد في البقاء وتفيد الجسم تستحق أن يكافئها الجهاز العصبي بإرسال جرعة من الدوبامين وعلى هذا الإحساس بالسعادة.

قد يهمك أيضًا ما هي أنواع الهرمونات في جسم الإنسان؟

العقاب

مثلما أن الجهاز العصبي يكافئ الإنسان على أفعاله المفيدة للجسم، فإنه أيضًا يعاقبه عند قيامه بأفعال ضارة، مثل تناول أطعمة فاسدة أو أطعمة ذات سمية عالية لا يستطيع الجسم التعامل معها.

فيعاقبك الجهاز العصبي بـ(هرموني سلبي) لكي يعرف الإنسان أن هذا الفعل يجب ألا يتكرر، ثم يطلق الجهاز العصبي هرمون الأدرينالين الذي يعبر عن شعوره بالخطر.

كذلك تتجه رسائل الجهاز العصبي إلى مجموعة من الإجراءات العنيفة مثل إجبار الإنسان على التقيؤ، حتى يخرج الجهاز الهضمي الأطعمة الفاسدة أو السامة، وهو ما يشعر معه الإنسان بعدم الراحة والانزعاج كعقاب على قيامه بأفعال ضارة للجسم.

قد يهمك أيضًا التنظيم الهرموني في الإنسان

كيف تعمل الهرمونات؟

وبعد أن فهمنا كيف يستخدم الجهاز العصبي الهرمونات في إرسال الرسائل والتحذيرات، وتقديم الثواب والعقاب، فإننا نتعرف على عمل أشهر الهرمونات التي يستخدمها الجهاز العصبي وهي كالتالي:

السيروتونين

يُعد من أهم الهرمونات الموجودة في الجسم، ويُستخدم في عملية التواصل بين العصبونات الدماغية، لكن تأثيره الكبير هو التحكم في الحالة المزاجية لدى الإنسان؛ لذا فإن الإنسان عندما يتعرض لمواقف سيئة فإن مستوى هرمون السيروتونين ينخفض انخفاضًا كبيرًا، وهو ما يؤدي إلى شعور الإنسان بالحزن والكآبة.

أما إذا تعرض الإنسان لمواقف مبهجة وسعيدة فإن مستوى الهرمون يرتفع؛ لذا يصف الطبيب محفزات إنتاج السيروتونين للأشخاص الذين يعانون الاكتئاب والحزن.

أما الجهاز العصبي فإنه يستخدم السيروتونين طبيعيًا في أوقات معينة، مثل المدة التي تعقب ممارسة الرياضة؛ من أجل أن يساعد الجسم في التعامل مع حالة الإرهاق بعد بذل جهد فيزيائي كبير.

وعلى هذا تكون رسالة الجهاز العصبي هي تخدير الجسم بقدر يسمح له بتخطي الشعور بالإرهاق، وهذا يمكن عده أيضًا مكافأة بعد قيام الإنسان بشيء صحي ونافع للجسم وهو ممارسة الرياضة.

لذا يمكن وصف ممارسة الرياضة للتغلب على الحالة النفسية السيئة، وللحصول على السعادة والراحة؛ لأن ممارسة الرياضة ستؤدي بدورها إلى إرسال الجهاز العصبي برسائل السيروتونين الذي يحسن الحالة المزاجية.

قد يهمك أيضًا Catecholamines الكاتيكولامينات، ونوربينفرين، وأدرينالين، والدوبامين

الدوبامين

يطلق عليه اسم (هرمون المتعة) وهو من أكبر المكافآت التي يقدمها الجهاز العصبي للإنسان عندما يفعل بما هو جيد للجسم، فيحفزه لتكرار العمل نفسه مرة أخرى، مع وعد بإفراز كمية أخرى من الدوبامين.

ولذلك يرتبط إفراز هرمون الدوبامين بكثير من حالات الإدمان، فقد يصل بعض الأشخاص إلى حالة من حالات إدمان الدوبامين التي تدفعه للقيام بكثير من السلوكيات المحفزة لإفراز الدوبامين، مثل تناول النيكوتين الموجود في أنواع السجائر المختلفة الذي يحفز بدوره الجهاز العصبي على إفراز الدوبامين.

وهكذا تعمل المخدرات المختلفة، وهكذا أيضًا تعمل الذروة الجنسية التي يرسل معها الجهاز العصبي كمية كبيرة من الدوبامين، وعلى هذا يجد الإنسان نفسه ضعيفًا أمام مقاومة التحفيز الجنسي.

أيضًا فالدوبامين قد يأتي في صورة رسائل من الجهاز العصبي ومكافآت على أفعال فعلها الإنسان ولم يجنِ ثمارها في الحال وإنما سيحصد نتائجها في المستقبل.

فعلى سبيل المثال يشعر الشخص بالسعادة عند دفع الاشتراك في رحلة إلى مكان محبب، فيحدث إفراز الدوبامين في الدماغ في اللحظة نفسها التي اشترك فيها الشخص في الرحلة، على الرغم من أنه لم يذهب إلى الرحلة بعد، فإن المكافأة جاءت من الجهاز العصبي في الحال.

قد يهمك أيضًا علاقة الغدد الصماء بالجهاز العصبي ومستوى الذكاء

أوكسيتوسين

يُعد أحد الهرمونات المهمة في العلاقات الاجتماعية، فيستخدمه الجهاز العصبي من أجل أن يشعر الإنسان بالتعاطف والحب والثقة بالآخرين، وبذلك يقلل كثيرًا الشعور بالخوف من الآخر؛ ما يؤدي إلى زيادة اندماج الإنسان في المجتمع، وتكوين العلاقات والترابط بين الناس.

فعلى سبيل المثال ترتبط عملية رضاع الأم بطفلها بالحب والترابط الشديد؛ نتيجة إفراز الجهاز العصبي لدى الأم هرمون الأوكسيتوسين الذي يجعلها تشعر بترابط كبير بينها وبين طفلها.

لذا فإنّ الجهاز العصبي يستخدم رسائل الأوكسيتوسين في المواضع التي يحتاج فيها إلى الثقة والتعاطف والترابط مع الآخرين، مثل الحديث عن العائلة والوطن والدين.

الإندورفين

يعمل هرمون الإندورفين أو يمكن تسميته المورفين على تخفيف الألم الذي يشعر به الإنسان على المستوى الفيزيائي.

لذا يستخدمه الجهاز العصبي رسائل عند أداء الإنسان أنشطة شاقة مثل ممارسة التمارين الرياضية؛ لهذا لا يشعر الناس بالآلام عند ممارسة الرياضة والأنشطة الشاقة بقدر ما يشعرون بها بعد انتهاء مدة النشاط، أو بعد المباريات الرياضية.

لذلك فإن كثيرًا من الرياضيين يدمنون الإندورفين ولا يستطيعون التوقف عن ممارسة الرياضة أو الذهاب إلى الأندية الرياضية وممارسة التمارين من أجل الحصول على المكافأة التي يرسلها الجهاز العصبي من الإندورفين.

قد يهمك أيضًا الغدد الصماء العصبية وتأثيرها على الصحة البدنية

الأدرينالين

يُعد هرمون الأدرينالين من أشهر الهرمونات التي يفرزها الجسم التي يعرفها الناس نظرًا لأنه يرتبط بحالات الخطر والخوف الشديد التي يتعرض لها الإنسان.

فيفرزه الجهاز العصبي على هيئة رسائل تقوم بتسريع نبضات القلب؛ نظرًا لأن هرمون الأدرينالين يساعد الجسم في النقل السريع للسكر بين خلايا الجسم، من أجل تزويدها بالطاقة حتى تستطيع التعامل مع الخطر أو الوضع الاستثنائي الذي يمر به الإنسان.

قد يهمك أيضًا ما هو الهرمون المسؤول عن السعادة؟

الضغط النفسي والهرمونات

مع أن الجسم مهيأ للتعامل مع الضغط النفسي وعوامل الخطر، فكذلك الجهاز العصبي يستطيع قيادة الجسم بإفراز الهرمونات اللازمة في المواقف المختلفة، لكن الخلل في إفراز الهرمونات قد يؤدي بالإنسان إلى حالات المرض والحاجة إلى التدخل العلاجي، وهو ما يحدث مثلا عند تعرض الشخص للضغوط النفسية.

فعلى سبيل المثال فإن الإنسان الذي يعيش حياته الطبيعية بين الحيوانات المفترسة يحتاج إلى جرعات عالية من الطاقة للتعامل مع الخطر في حالات مواجهة الحيوانات، سواء بالهروب أو الدفاع عن نفسه.

وكذلك في الأوقات العادية يكون في حالة حذر كبير يحتاج معها أيضًا إلى كمية عالية من الطاقة، وكذلك إلى آلية تسمح له باستخدام جرعات كبيرة من الطاقة في أثناء الخطر.

لذا فإنّ الجهاز العصبي يرسل رسائله الهرمونية إلى الغدة الكظرية التي تفرز بدورها هرمون يسمىACTH  يؤدي إلى حرق كميات كبيرة من مخزون السكر في الجسم، وكذلك يدفع الغدة الكظرية لإنتاج الكورتيزول وهو هرمون مسؤول عن تحويل النشويات إلى سكريات كنوع من إجراءات الدفاع السريع لمواجهة الخطر.

ومع هذا المثال الاستثنائي لشخص يعيش في بيئة خطرة بين الحيوانات فإننا نعيش الحياة نفسها عندما نتعرض للضغط النفسي المستمر، مع أننا لا نرى أي حيوانات جائعة أو نتعرض للافتراس يوميًّا.

فإن الديون والضغوط والالتزامات والمواعيد والأقساط تجعل الإنسان في حالة حذر وتأهب دائم، وكأنه يعيش في الأحراش بين الحيوانات المفترسة، وبذلك تؤثر كثيرًا في إفراز الهرمونات في الجسم والرسائل التي يرسلها الجهاز العصبي مع كل تحفز أو شعور بالخطر.

وهو ما يُدخل الإنسان في حالات نفسية أسوأ، تدفعه إلى اللجوء للبحث عن المكافآت وتناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية والشعور بالخمول.

وعلى هذا تدهور الحالة الصحية نتيجة دائرة كيميائية من (ضغوط نفسية - إفراز الكورتيزول - إنتاج السكر - إفراز الإنسولين - إنشاء الدهون وتخزينها - إفراز الليبتين - الشعور بالجوع - الشعور بالكسل والخمول - تناول الطعام - الشعور بالضغط النفسي - إفراز الكورتيزول... وهكذا).

قد يهمك أيضًا ما هو الميلاتونين؟ وكيف يساعد على النوم ؟

الشعور بالسعادة ورسائل الهرمونات

ومن هنا نفهم أن الشعور بالسعادة يتعلق دائمًا بتوازن الهرمونات واستقرارها، حيث يجب أن يتجه الإنسان دائمًا إلى خيارات تسهم في أن يرسل الجهاز العصبي رسائل إيجابية.

وهو ما يحتاج معه الإنسان إلى تنظيم حياته، والابتعاد بقدر الإمكان عن الضغوط، والحفاظ على أوقات للراحة، وقضاء الإجازات في أماكن بعيدة عن الضغط، والخروج لمشاهدة مناظر جديدة، وممارسة التأمل.

إضافة إلى قضاء وقت كافٍ مع الأسرة، والابتعاد تمامًا عن الوسائل غير الطبيعية للحصول على السعادة، مثل اللجوء للمخدرات من أجل إفراز الدوبامين.

وفي نهاية مقالنا الذي حاولنا فيه شرح طريقة عمل الرسائل العصبية التي تفرز الهرمونات لمساعدة الجسم بطريقة الثواب والعقاب.

نرجو أن نكون أوضحنا الصورة دون تعقيد، وقدمنا المتعة والإضافة. 

ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، وأن تشارك المقال على مواقع التواصل؛ لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة