طائر الدودو المنقرض وجهود استنساخه

طائر الدودو، أيقونة الانقراض الشهيرة ورمز لتأثير الإنسان المدمر في الطبيعة، هذا الطائر الفريد الذي عاش منعزلاً في جزيرة موريشيوس، يثير فضولنا بقصته المأساوية وأساطيره المحيطة به، في عام 1662، رصدت آخر عين بشرية طائر الدودو، ليدخل التاريخ بصفته أول كائن ينقرض بفعل الإنسان. اليوم وبعد 4 قرون، يحاول العلماء استنساخه بتقنيات الهندسة الوراثية المتطورة.

هذا الدليل الشامل يكشف عن حقائق مذهلة عن هذا طائر الدودو الأسطوري، من سرِّ تسميته الغامضة إلى الأخطاء العلمية التي طالما وُصِف بها بالـ«غبي»، وصولًا إلى مشروع «كولوسال» الأمريكي الذي يجمع بين حمضه النووي وأقرب أقربائه الأحياء (حمامة نيكوبار). استنادًا إلى أحدث البحوث المنشورة في مجلة (Science)، ندعوك لرحلة استكشافية إلى عالم هذا الكائن الفريد.

لماذا سُمِّي طائر الدودو بهذا الاسم؟

ينتمي طائر الدودو، واسمه العلمي Raphus cucullatus، إلى فصيلة الحماميات (Columbidae)، وأتت تسمية طائر الدودو من تفسيرات لغوية وتاريخية عدة، إذ أُطلق عليه في البداية أسماء مختلفة من قبل المستكشفين الأوروبيين، كان أحد الأسماء الأولى التي أطلقها الهولنديون عليه هو «Walghvogel» الذي يعني «الطائر عديم الطعم» عام 1598.

ينتمي طائر الدودو إلى فصيلة الحماميات وأتت تسمية طائر الدودو من تفسيرات لغوية وتاريخية مختلفة

بعد ذلك أطلق عليه الطاقم الهولندي لسفينة «خيلدرلند» عام 1602، فقد أطلقوا عليه اسم «Dronte»، أي المنتفخ، وهو اسم لا يزال مستخدمًا في بعض اللغات.

بينما عن أصل كلمة دودو (Dodo)، فلا يزال غير واضح تمامًا، فيعتقد بعض الباحثين أنها مشتقة من الكلمة الهولندية «dodoor» التي تعني «الكسلان»، في حين يعتقد آخرون أن الاسم مأخوذ من اللغة البرتغالية، لأن كلمة «doudo» تشير إلى «الأحمق» أو «المجنون».

وأيضًا قيل إن اسم دودو قد يكون مستوحًى من صوت الطائر نفسه، الذي يشبه هديل الحمام، ويقال إنه كان يصدر صوت «دوو دوو».

أين يعيش طائر الدودو؟

كان طائر الدودو يعيش فقط في جزيرة موريشيوس، الواقعة شرق مدغشقر في المحيط الهندي، وكانت هذه الجزيرة الاستوائية موطنه الوحيد أي إنه كان نوعًا متوطنًا Endemic، حيث تكيف مع بيئتها الفريدة التي كانت خالية من الحيوانات المفترسة البرية، ما أدى إلى فقدانه القدرة على الطيران، وجعله عرضة للخطر بعد وصول البشر والحيوانات الدخيلة إلى الجزيرة في القرن السابع عشر.

كان طائر الدودو يعيش فقط في جزيرة موريشيوس الواقعة شرق مدغشقر في المحيط الهندي

شكل طائر الدودو

ذكر موقع (Britannica) أن طائر الدودو كان طائرًا كبير الحجم وعاجزًا عن الطيران، فقد وصل طوله إلى متر تقريبًا، وتراوح وزنه الطبيعي بين 10.6 و17.5 كجم، فيما تجاوز وزن بعض الأفراد الممتلئين 27.8 كجم.

من أهم المعلومات عن طائر الدودو أنه امتلك ريشًا باللون الأزرق الرمادي أو البني، مع ريش فاتح اللون على الأجزاء الأساسية من جسمه، بالإضافة إلى خصلة من الريش المجعد في نهايته الخلفية.

كان رأس الدودو كبيرًا مقارنة بجسمه، وامتلك منقارًا أسود قويًّا بطول 23 سم، مع طرف معقوف وغمد أحمر، أما أجنحته فكانت صغيرة وعديمة الفائدة للطيران، في حين كانت أرجله قوية ذات لون أصفر، ومزوَّدة بمخالب سوداء. وكانت جمجمته متينة ومميزة، وقد تميزت بقحفة قصيرة مقارنة بالفكين، ومنقار علوي طويل ضعف طول القحفة، مع طرف منحنٍ للأسفل، كما كانت فتحات الخياشيم ممدودة على طول المنقار دون وجود حاجز عظمي بينها.

امتلك طائر الدودو هيكلًا عظميًا قويًّا يضم 19 فقرة قبل عجزية، و16 فقرة عجزية، و6 فقرات ذيلية، كما تميزت منطقة رقبته بتطور خاص لدعم رأسه ومنقاره الثقيلين.

أما عظم القص فكان كبيرًا، لكنه صغير نسبيًا مقارنة بجسمه، ما يفسر عدم قدرته على الطيران، كما كان الحوض واسعًا، مما وفّر له استقرارًا لدعم وزنه الثقيل في أثناء المشي، وهذا من أشهر المعلومات عن طائر الدودو.

بالمقارنة مع أقاربه مثل طائر ناسك رودريغز، كان الدودو أكثر قوة وأقصر نسبيًّا، مع جمجمة ومنقار أكبر، وعظام ساق متينة، كما امتلك صفات مشتركة مع الحمام، لكنه احتفظ بخصائص جسدية متخلفة، مثل الأجنحة الصغيرة، والتكوين العضوي المتغير مع العمر.

لماذا طائر الدودو غبي؟

على الرغم من شيوع وصف طائر الدودو بالغباء، فإن هذه الصورة قد تكون مجحفةً في حقه. ففي الواقع، تميَّز هذا الطائر بعدم الخوف من البشر، فكان يقترب منهم بثقة حتى أمام المسلحين، ما جعله لقمة سائغة للصيادين.

ومع ذلك، فإن هذا السلوك لا يظهر غباءً حقيقيًّا، بل كان نتيجة لطبيعة بيئته المعزولة في جزيرة موريشيوس، فلم يكن لديه أعداء طبيعيون، ولم يكن بحاجة إلى تطوير غريزة الهروب أو الدفاع عن نفسه.

ومن المعلومات عن طائر الدودو الأخرى، أنه بسبب عدم استخدامه لجناحيه عبر الزمن، أصبح غير قادر على الطيران، ما جعله عرضة للانقراض بعد أن استولت الكائنات الأخرى على موائله الطبيعية، كما كان بطيء الاستجابة للتغيرات البيئية، ما زاد قابليته للانقراض.

ولكن من الخطأ ربط هذا السلوك بضعف في تركيب دماغه، لأن عدم الخوف من البشر كان ببساطة نتيجة عدم تعرضه للتهديدات في بيئته الأصلية.

لماذا انقرض طائر الدودو؟

انقرض طائر الدودو نتيجة لتدخلات بشرية مباشرة وغير مباشرة، حين وصل البحارة إلى جزيرة موريشيوس، موطن الدودو الأصلي، تعرض الطائر للصيد المكثف بسبب سهولة اصطياده وعدم قدرته على الطيران.

انقرض طائر الدودو نتيجة تدخلات بشرية مباشرة وغير مباشرة منذ أن وصل البحارة إلى جزيرة موريشيوس موطنه الأصلي

إضافة إلى ذلك، أدخل البشر حيوانات غير محلية وغريبة عن البيئة مثل الكلاب، والقطط، والخنازير، وأيضًا الفئران، التي افترست بيض الدودو ودمرت موائله الطبيعية.

هذا التغيير البيئي السريع، مع انعدام دفاعات طبيعية لدى الدودو، أدى إلى انقراضه خلال مدة قصيرة بعد اكتشافه.

متى انقرض طائر الدودو؟

يُعتقد أن طائر الدودو انقرض في أواخر القرن السابع عشر، مع انعدام مشاهدات مؤكدة بعد عام 1662، ثم إن انقراضه كان نتيجة للصيد الجائر وتدمير موائله الطبيعية.

الجهود المبذولة لاستنساخ طائر الدودو من جديد

يبذل علماء بريطانيون وأمريكيون جهودًا كبيرة في تطوير تقنية علمية رائدة تهدف إلى إعادة طائر الدودو المنقرض إلى الحياة، على الرغْم من اندثاره منذ القرن السابع عشر.

وتعتمد هذه البحوث على دراسة الحمض النووي للطائر، وتحليل المتواليات الجينومية الخاصة به، إضافة إلى البحث عن أقرب الطيور الحية إليه من ناحية السلالة وهو حمام نيكوبار (Caloenas nicobarica.

ويستند العلماء إلى تجارب ناجحة سابقة، مثل تجربة حقن جنين البط بخلايا جرثومية من الدجاج، ما أدى إلى تكوين حمض نووي شبيه بالديك.

وتتولى بروفيسور بيث شابيرو (Beth Shapiro) من جامعة كاليفورنيا قيادة هذا المشروع ضمن شركة كولوسال بيوساينس (Colossal Biosciences) التي تتخذ من تكساس مقرًا لها، وتركز على إعادة حيوانات منقرضة مثل النمر التسماني والماموث.

وقد تمكن العلماء من استخراج المتواليات الجينية من الحمض النووي القديم لطائر الدودو من بقاياه المحفوظة في الدنمارك، ما يمثل خطوة مهمة في رحلة إعادة هذا الطائر إلى الحياة.

يبذل علماء بريطانيون وأمريكيون جهودًا كبيرة في تطوير تقنية علمية رائدة تهدف إلى إعادة طائر الدودو المنقرض إلى الحياة

والسؤال الأهم الآن: هل ينجح ذلك ويستطيع هؤلاء العلماء أن يُرجِعوا الدودو من الموت؟ قد يُخيَّل لك أنها محض خيال، ولكن الفكرة ليست مستحيلة. يمكن للعلماء، باستخدام علم الهندسة الوراثية الجديد ودراسة الحمض النووي، أن يستطيعوا استنساخ كائن شبيه بالدودو، وليس نسخة طبق الأصل منه، وكلها اعتقادات ودراسات ما زالت قيد البحث.

كان هذا الطائر الضخم العاجز عن الطيران الذي يتميز بمنقاره المعقوف وجسمه الممتلئ، ويعيش في عزلة تامة عن العالم الخارجي، فريسة سهلة للبحارة الأوروبيين، ما أثمر عنه انقراضه بصورة حزينة مهمشة.

تظل قصة طائر الدودو درسًا مؤلمًا عن هشاشة التنوع البيولوجي أمام التدخل البشري غير المدروس، وانقراضه السريع نسبيًا بعد اكتشافه يمثل علامة فارقة في تاريخ الحفاظ على البيئة. واليوم، في حين تفتح التكنولوجيا آفاقًا جديدة لإمكانية (إلغاء الانقراض)، ويبقى السؤال مفتوحًا عن الحكمة من ذلك وتأثيراته المحتملة، سواء عاد الدودو يومًا ما أم لا، فإن ذكراه تبقى حافزًا لحماية الأنواع المهددة بالانقراض اليوم وضمان عدم تكرار مآسٍ مماثلة في المستقبل.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة