أثارت المذيعة المصرية مقدمة برنامج "كلام الناس" المذاع على MBC مصر كثيرًا من الجدل مؤخرًا، نتيجة آرائها الغريبة حول الرجل الشرقي ومحاولة - تبدو هزلية في البداية - تمجيده وتأليهه، ووضعه موضع "سي السيد".
ثم ما تلبث أن تدرك أن البرنامج ليس برنامجًا هزليًّا وإنما برنامج حقيقي موجه للعامة.
انتشر الأمر في الأوساط المجتمعية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كمزحة أولًا، حتى إن كثيرًا من الرجال اتخذوا حديثها هزوًا وضحكوا مع أقرانهم عليه.
حتى زاد الأمر عن حده فانقلب السحر على الساحر في النهاية، وقام المجلس القومي للمرأة بتقديم شكوى للمجلس الأعلى للإعلام، استياءً من البرنامج معتبره إهانة للمرأة المصرية وتطبيع العنف تجاهها وأنه يضر بمبدأ الاحترام والتفاهم بين الزوجين الذي نحاول ترسيخه في المجتمع.
قد يهمك أيضًا
ياسمين عز.. كيف تركب الترند بدون معلم؟
من أين بدأ "سي السيد"؟
أطلت شخصية "سي السيد" على المجتمع كافة من خلال فيلم "بين القصرين" المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الكبير الحاصل على جائزة نوبل "نجيب محفوظ".
قد لا تكون شاهدت الفيلم أو قرأت الرواية، لكنك بالطبع تعرف سي السيد والست أمينة، الشخصيتين الخالدتين في ثنائية الرجل والمرأة الشرقيين.
كان السيد أحمد عبدالجواد، أحد شخصيات الرواية، رجلًا مستبدًّا وطاغية على أهل بيته، كان مثالًا للديكتاتور في منزله، يحرم على بناته النظر من الشباك، ويتحكم في أبنائه الذكور.
حتى إنهم لا يستطيعون الجلوس معه على مائدة واحدة ناهيك عن نقاشه، لكن خارج البيت، كان العربيد البذيء المحب للعوالم والرقص.
عاشت شخصيته في المجتمع أكثر مما عاش هو نفسه في المجتمع، وأصبحت كناية عن استبداد الرجل في أهل بيته وشخصية الرجل المتسلط، أصبح سي السيد حلم كل رجل شرقي يعاني من ذكورة هشة.
لم يختفِ سي السيد مع ظهور كلمة النهاية على الشاشة، أو بعد كلمة "تمت" في آخر صفحة من الرواية، وإنما ساهم المجتمع منذ عقود في تربية "سي السيد" كثيرين من خلال تبجيل الأبناء الذكور ووضعهم في خانة أعلى من خانة الإناث من الأبناء.
بل وجعلهم المتحكمين في أخواتهن في سن معينة، فـيتوقع الشاب أن تُلبى جميع رغباته وأن سلطته شاملة لأي امراة أخرى تربطه بها صلة.
خاصة تلك تعيسة الحظ التي سيتزوجها، فكان من المسلمات المجتمعية أن يتحكم الرجل وتخضع المرأة، ولا مجال للاحترام والتفاهم والنقاش هنا.
أصبحت هذه هي الصورة النموذجية للزواج المصري، التي يحكي ويتحاكى بها الأقدمون من الرجال باعتبارها العلاقة الأمثل، وأن "الست أمينة" هي المرأة والزوجة الفاضلة التي لم تعد تنجب بناتًا للمجتمع.
قد يهمك أيضًا جوني ديب وويل سميث والطفل ريان صنعوا ترند 2022
هل تتحمل المذيعة رداء "الست أمينة"؟
منذ قرن تقريبًا، خُلِّدت شخصية ست أمينة، قرينة سي السيد في المجتمع، تلك المرأة التي صنعها نجيب محفوظ، عظَّمها الرجال، واجتهدت الأمهات لصناعة بنات مثلها، وتبعثرت نصائح النسوة لبعضهن، كيف يصبحن ست أمينة جديدة، وكيف يدعمن صناعة "سي السيد" في مصر.
ووُضعت "الست أمينة" المثل الأعلى للزوجة المغلوبة على أمرها، لكن هل تستطيع هي حقًّا تحمل عباءة ست أمينة؟
هل هي ست أمينة العصر؟
أم أنها تريد أن تُخلَّد في تاريخ الإعلام كما خُلِّدت أمينة في السينما كنموذج للمرأة الخاضعة؟
لكن بأي شكل تريد أن تعْلَق ياسمين في الوعي المجتمعي؟
أم أنها فقط تبحث عن الشهرة والتأكيد الرجالي بأنها المرأة الحقيقية؟
كثير من نساء العصر يسلكن هذا الطريق، البحث عن قبول برائحة التستستيرون في مجتمع أبوي في طبعه، أن يبحثن عن قبول من العنصر المتسلط فـيصبحن بذلك في قمة هرم المجتمع وتقدم لهن قرابين الرجال المعنوية والتبجيل المبتذل
لم تكن تلك المذيعة هي الوحيدة التي مررت فكرة سي السيد إلى المجتمع المعاصر، سبقها كثيرون.
حتى إن السينما نفسها لمعت شخصيته مجددًا في فيلم تيمور وشفيقة، حيث كان تيمور الضابط هو سي السيد، الرجل المتسلط، وجعلت السينما من شفيقة أمينة الجديدة، المرأة الضعيفة التي ألقت بكل حياتها في أقرب مكب نفايات لتبقى مع سيدها وترضيه، ووضعت القصة في إطار رومانسي حتى تتسرب لأذهان صغار السن من الفتيات والأولاد وتصبح هذه، هي صورة الحب الحقيقية.
وظهرت أيضًا أغانٍ تبجل الفكرة، كأغنية تامر حسني "سي السيد" والتي يبرر أفعاله الدكتاتورية المتسلطة بالغيرة، فتسرب إلى المجتمع أن سي السيد هو الرجل الغيور المحب، لا النرجسي المستبد.
قد يهمك أيضًا المحتوى العربي الرائج الترند
سي السيد في القرن الحادي والعشرين
ما تفعله المذيعة الآن هو محاولة بغيضة لصناعة سي السيد القرن الحادي والعشرين، لكن من سيتحمل تبعات حديثها؟
لا أعتقد أن جيل التسعينيات سيبتلع الطعم جيدًا، نضجنا في فترة تحاول فيها المرأة صناعة بيئة آمنة لها، وعلى أيد أمهات مكافحات، لكن القلق جله على الجيل الأصغر منا.
نحن سنتذكر تلك المرأة دائمًا بالضحك، لكن كيف سيتذكرها الجيل التالي؟ كيف سيتقبل كلامها؟ وكيف سيتعامل معه؟ هل يضحك معنا حقًّا أم أنه ينبت بداخله سي السيد؟
هي لن تتحمل نتيجة كلامها، لن ترى سي السيد ولن تضرب أو تجلب الشاي بمجرد سماع الجرس كما تقول.
من سيتحملنه هن النساء القادمات، هذا الخطاب بمثابة الصدأ الذي يصيب نضال النساء في المجتمعات الأبوية، تصعد سلالم الشهرة المصنوعة من معاناة نساء أخريات.
في طبقات أقل تعليمًا ووعيًا، يصبح كلام المذيعة هو العفن الذي يصيب كرامة المرأة.
بعد أن تنهي مقدمة البرنامج حلقاتها، وبعد أن تبث سمًّا في عضد العلاقة المريضة بالفعل بين المرأة والرجل في مجتمعنا، تدفع امرأة جديدة ثمن كلامها.
إلى متى ستتكرر شخصية هذه المرأة في المجتمع؟
وتظهر نساء أخريات يصعدن سلم الشهرة والقبول المجتمعي على حساب المستضعفات قليلات الحظ من النساء الأخريات؟
قد يهمك أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.