لطالما أثار الجدل عن طبيعة القيادة، هل هي هبة فطرية تولد مع المرء أم مهارة تُكتسب وتُصقل بالجد والتمرين؟ اهتمام المفكرين والباحثين والقادة أنفسهم. ففي عالم يتسم بالتغير المستمر والتحديات المعقدة، تبرز أهمية فهم كيفية ظهور وتطور القادة القادرين على إلهام فرقهم وتحقيق النجاح.
تدعم هذه المقالة بقوة الحجة القائلة بأن القادة يُصنعون ولا يُولدون، فحين قد تؤدي بعض السمات الفطرية دورًا تمهيديًا، لكن التجارب الحياتية، والتعليم الموجه والممارسة المدروسة هي العوامل الحاسمة التي تمثل القادة المؤثرين والقادرين على إحداث التغيير الحقيقي. سنتناول كيف تسهم الخبرة والتعليم والقدرة على التكيف، وتنمية المهارات الشخصية في صناعة القادة.
تطوير القيادة بالخبرة
غالبًا ما تُصقل القيادة بالخبرة، قال فينس لومباردي -مدرب كرة القدم الشهير-: «القادة لا يُولدون، بل يُصنعون. ويُصنعون، كأي شيء آخر، بالعمل الجاد».
يُؤكد هذا المنظور أهمية التعلم التجريبي (Experiential Learning) الذي يُعرف بأنه عملية التعلم بالفعل والتأمل في التجربة في تطوير القيادة. على سبيل المثال، يُعزي عدد من القادة الناجحين، مثل هوارد شولتز (Howard Schultz) من ستاربكس، مهاراتهم القيادية إلى التحديات والتجارب التي واجهوها طوال حياتهم المهنية.
دور التعليم والتدريب في بناء مهارات القيادة الحديثة
يؤدي التعليم والتدريب دورًا حاسمًا في تطوير مهارات القيادة، وتشير بحوث جامعة إلينوي إلى إمكانية تطوير القيادة بالتعلم المنظم والتوجيه، وتُركز برامج القيادة، كتلك التي تُقدمها كلية هارفارد للأعمال، على تطوير صفات القيادة الأساسية مثل التفكير الإستراتيجي والذكاء العاطفي والتواصل الفعال. تُزود هذه البرامج القادة الطموحين بالأدوات والأطر اللازمة للتعامل مع البيئات التنظيمية المعقدة.
القدرة على التكيف والتعلم المستمر سمات القائد المتطور
يتميز القادة الفعالون بقدرتهم على التكيف والتعلم المستمر. ووفقًا لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، فإن القادة الناجحين هم أولئك الذين يُقبلون على التحديات، ويطلبون التغذية الراجعة، ويُعززون الروابط. هذه القدرة على التكيف ليست سمة فطرية، بل مهارة تتطور مع مرور الوقت.
على سبيل المثال، أحدث ساتيا ناديلا (Satya Nadella) الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، نقلة نوعية في الشركة بتعزيز ثقافة التعلم المستمر والابتكار.
أهمية المهارات الشخصية
لا تقتصر القيادة على امتلاك سمات معينة؛ بل تشمل أيضًا تطوير المهارات الشخصية. تُعد صفاتٌ كالتعاطف والمساءلة والرؤية ركائزَ أساسيةً للقيادة الفعَّالة.
ويمكن تطوير هذه المهارات بالممارسة والتأمل المدروس، على سبيل المثال، تُعرف جاسيندا أرديرن (Jacinda Ardern)، رئيسة وزراء نيوزيلندا، بأسلوبها القيادي المتعاطف الذي طوَّرته عبر سنواتٍ من الخدمة العامة والتفاعل مع مجتمعاتٍ متنوعة.
في نهاية المطاف، يبدو أن الجدل القديم عما إذا كانت القيادة فطرة أم مكتسبة يميل بقوة نحو كفة الاكتساب، فحين تمنح بعض الميول الطبيعية نقطة انطلاق، فإن الأدلة تشير بوضوح إلى أن القيادة الفعالة هي نتاج تراكمي للخبرات المكتسبة، والتعليم الموجه، والتدريب العملي، والتنمية المستمرة للمهارات.
إن قصص النجاح لقادة مثل شولتز وناديلا وأرديرن تؤكد أن التحديات والتجارب مقرونة بثقافة التعلم والقدرة على التكيف، هي التي تصقل القادة الحقيقيين؛ لذا، بدلًا من الاعتماد على فكرة (الموهبة الفطرية)، يجب على الطامحين للقيادة التركيز على الاستثمار في تطوير أنفسهم، واكتساب المعرفة، وصقل مهاراتهم الشخصية والإستراتيجية، فمسيرة القيادة هي رحلة تعلم وتطور لا تتوقف.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.