وُلِد صلاح الدين الأيوبي، واسمه الحقيقي يوسف بن أيوب، عام 1137م أو 1138م في مدينة تكريت الواقعة حاليًا في العراق. نشأ في عائلة كردية ذات مكانة عسكرية، فكان والده نجم الدين أيوب حاكمًا للمدينة، وعمه أسد الدين شيركوه قائدًا عسكريًا في جيش نور الدين زنكي، أحد الحكام المسلمين الأقوياء في ذلك العصر. منذ صغره، تلقى صلاح الدين تدريبًا عسكريًا صارمًا، لكنه لم يكن مجرد محارب، بل كان أيضًا مهتمًا بالعلم والثقافة، فدرس الفقه الإسلامي والأدب والتاريخ.
بدايته العسكرية
كانت البداية الحقيقية لمسيرته العسكرية عندما انضم إلى جيش نور الدين زنكي تحت قيادة عمه شيركوه، فتعلم أصول القتال والاستراتيجية العسكرية.
وأولى مهامه الحربية كانت عندما رافق عمه أسد الدين شيركوه، القائد العسكري البارز، في حملات عدة إلى مصر خلال المدة ما بين 1164م و1169م، فكانت البلاد مسرحًا لصراع بين الصليبيين من جهة، والدولة الفاطمية من جهة أخرى.
وفي ذلك الحين، كانت الدولة الفاطمية تعاني تدهورًا كبيرًا وضعف داخلي، في الوقت الذي كان فيه الصليبيون يوسعون نفوذهم في المنطقة؛ ما استدعى تحركًا سريعًا لإرسال قوات تضمن بقاء مصر تحت السيطرة الإسلامية.
خلال هذه الحملات، لم يكن صلاح الدين مجرد جندي أو تابع، بل كان مراقبًا ذكيًا للوضع السياسي والعسكري، يتعلم من عمه أصول الحكم، ويكتسب خبرة في فنون القتال وإدارة الأزمات.
إنهاء الحكم الفاطمي
وبعد وفاة شيركوه عام 1169م، وقع الاختيار على صلاح الدين ليكون وزيرًا لمصر، على الرغم من صغر سنه مقارنة ببقية القادة، فكان عمره آنذاك نحو 31 عامًا.
وعلى الرغم من أنه كان في البداية يعمل تحت سلطة الخليفة الفاطمي، فإنه سرعان ما أثبت كفاءته في الإدارة، فأعاد تنظيم الجيش، وأصلح الأوضاع الاقتصادية، وفرض النظام على البلاد. وفي عام 1171م، أنهى الحكم الفاطمي في مصر وأعادها للخلافة العباسية، ليصبح الحاكم الفعلي لمصر.
على الرغم من سيطرته على مصر، لم يكن صلاح الدين يرى نفسه مجرد حاكم محلي، بل كان يحمل حلمًا أكبر وهو توحيد المسلمين تحت راية واحدة لمواجهة الخطر الصليبي. وكان يدرك أن أكبر نقاط ضعف العالم الإسلامي في ذلك الوقت لم تكن ضعف الجيوش، بل الخلافات والانقسامات الداخلية التي أضعفت الدولة العباسية وجعلت المسلمين عاجزين عن صد الهجمات الصليبية.
بدأ صلاح الدين في العمل على توحيد الشام والعراق واليمن، فخاض حروبًا ضد الإمارات الإسلامية المتناحرة، لكنه لم يكن يعتمد فقط على السيف، بل استخدم الدهاء السياسي، والتحالفات الذكية، والصبر الاستراتيجي حتى نجح في تكوين دولة قوية تمتد من مصر إلى الشام والعراق.
مرض صلاح الدين ووفاته
بعد سنوات طويلة من القتال والجهاد، أصيب صلاح الدين بمرض شديد عام 1193م. وعلى الرغم من محاولات الأطباء، اشتد عليه المرض حتى وافته المنية في 4 مارس 1193م في دمشق، عن عمر ناهز 56 عامًا.
كان موته خسارة عظيمة للعالم الإسلامي، فَقَدْ فَقَدَ المسلمون قائدًا عظيمًا نذر حياته لخدمتهم، لكن إرثه بقي خالدًا، وأصبح مثالًا للقائد العادل والشجاع الذي لا يسعى إلى مجد شخصي، بل يعمل من أجل أمته.
الذي جعل صلاح الدين الأيوبي قائدًا عظيمًا ليس مجرد انتصاراته العسكرية، بل تميزه بأخلاقه الرفيعة ومبادئه الراسخة. فقد عُرف بالعدل والتسامح، حتى مع أعدائه، فكان يعامل الأسرى بإنسانية ويرفض الانتقام لمجرد الثأر؛ ما أكسبه احترام خصومه قبل أنصاره، حتى إن بعض المؤرخين الأوروبيين أشادوا بنبله وشهامته. وكان أيضًا متواضعًا وزاهدًا في الدنيا، فعلى الرغم أنه حكم دولة شاسعة، لم يكن يعيش حياة البذخ، بل كان ينفق معظم أمواله على الجيش وعلى الفقراء، وعندما توفي، لم يكن في خزانته ما يكفي حتى لتغطية نفقات جنازته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.