صلاة تشرنوبل

الكاتبة: سفيتلانا أليكسييفيتش

عدد الصفحات: 415 صفحة 

استخدمت أثناء قراءتي لهذا الكتاب فاصلة كتب مدون عليها جملة لـ د. رضوى عاشور "الحكايات التي تنتهي لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى". 

والحق أنها وصفت الكتاب كله..

حدث في السادس والعشرون من أبريل عام 1986م في الواحدة والعشرون دقيقة أن انفجرت إحدى محطات الطاقة في مفاعل تشرنوبل الذري، بالقرب من مدينة بريبيات التي كان مأهولة بالسكان، فانبعث عن الانفجار خمسون مليون كيوري "وحدة قياس الإشعاع" من النويدات المشعة، كان نصيب بيلاروسيا منها 70%، وأوكرانيا 84%، وروسيا 50%. 

في أقل من أسبوع انتشر الإشعاع حول الكرة الأرضية، فـ سُجل في يوم التاسع والعشرين معدلات عالية من الإشعاع في بولندا، ألمانيا، رومانيا والنمسا، بينما في الثلاثين من الشهر في سويسرا وشمال ايطاليا، وفي الأول والثاني من مايو في فرنسا وبجليكا، بريطانيا وهولندا، في الثالث من مايو في تركيا والكويت، الخامس من مايو في الهند، والسادس في الولايات المتحدة الأمريكية.

في هذا الكتاب، لا تتحدث الكاتبة عن الفيزياء، أو إحصائيات، إنها فقط تنقل شهادة أولئك الناس، التشرنوبليين، أو من شاهدوا الحادثة، اقتربوا من ذلك الوحش "المفاعل". 

يروون حياتهم ما قبل تشرنوبل وما بعده، يتحدثون عن التغييرات البطيئة، البطيئة لكن المؤلمة، على عائلاتهم وأنفسهم وأبنائهم، كيف اشتدت الأمراض بهم، وتآكلت عظامهم، شربوا لبناً مسمماً، وأكلوا محصولاً مسمماً، يروون بكل أسى كيف يموت أطفالهم أمام أعينهم، كيف يذبلون كالأزهار، اختفت الضحكات من على وجههم في بادئ الأمر، ثم شحبت، وهاجمتهم السرطانات المختلفة.

في البداية لم يصدق أحد، إشعاع؟ أي إشعاع؟؟ نحن لا نرى شيئاً، الأزهار بخير، والثمار طيبة، لمَ الخوف؟ كان الأمر أقرب الفانتازيا بالنسبة لهم، كيف يقتلون بشيء غير مرئي، شيء يسير بينهم، يمتزج بالأرض والهواء، طعام الماشية ولحومها، بدأ يدركون عندما لاحظ أحدهم أن ليس للأزهار رائحة، ولاحظ آخر أن النمل لا يميز بين البشر وبين طريقه، اختفاء النحل، وسقوط جثث الطيور، رأوا استغاثات الطبيعة فأدركوا أن الوحش الخفي بدأ التخريب، فعل الإشعاع فعلته.

لم تعد أرحام النساء في هذه المنطقة بخير، أنجبن أطفالا مشوهين، مرضى، أو أجهضنهن من البداية، خاف الجميع الحب، الزواج، خافوا من أطفال تشرنوبل القادمين.

كان الناس من المدن الأخرى يخشونهم، كان أطفال الناس يخشون أطفالهم، ينظرون لهم كـ كتلة إشعاع متحركة.

قتلوا الحيوانات، دفنوا الأرض والآلات، خلت قرى من ساكنيها، بقيت الصور في البيت أثر على وجود البشر هنا يوما.

يجيب الكتاب على سؤال مهم طرح في مسلسل يحمل نفس الإسم، "ما هي هي تكلفة الأكاذيب؟"

كذبوا ورموا بالعمال إلى فوهة المفاعل ليقوموا بتنظيف السطح، دفنوا عمال الفحم بجعلهم يحفرون تحت المفاعل، وضعوا الجنود في مواجهة الوحش، بلا درع، بلا وقاية، قتلوا الأطفال، كانوا يرونهم يلعبون في الرمل الملوث وتركوهم، أخبروهم أن كل شيء على ما يرام، الأكاذيب قتلتهم. 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.