صفقة الشيطان.. ملخص مسرحية "مركب بلا صياد" لكاسونا ج1

تغوص بنا هذه الدراما المسرحية الكلاسيكية في أغوار النفس البشرية المعقدة، فيجد البطل نفسه على حافة الانهيار المالي والأخلاقي. ويستكشف هذا الملخص أحداث مسرحية يُعتقد أنها (مركب بلا صياد) (La barca sin pescador) للكاتب المسرحي الإسباني الشهير أليخاندرو كاسونا، فتتجلى الصراعات الداخلية والخارجية، وتُطرح تساؤلات عميقة حول قيمة الثروة مقابل المبادئ، ومدى قدرة الإنسان على مقاومة الإغواء الشيطاني حينما تضيق به السبل. وسنشهد كيف يُدفع رجل أعمال ناجح إلى حافة الهاوية، ليُعرض عليه مخرجٌ مُظلمٌ يتطلب منه التخلي عن آخر ما تبقى من إنسانيته، إنها رحلة استكشافية للضعف البشري، وحدود الطموح، والعواقب الوخيمة للخيارات التي نتخذها في لحظات اليأس.

انهيار إمبراطورية ريكاردو خوردان.. الإفلاس والخيانة

تبدأ مسرحية (مركب بلا صياد) لأليخاندرو كاسونا بوجود البطل «ريكاردو خوردان» في مكتبه، ويأتيه خبر إفلاسه وغرق آبار البترول الخاصة به، وخسارة أسهمه في البورصة، وقام عمال مصانعه بعمل إضراب ضده. وتدخل صديقته عليه لتُظهر حزنها، وعند سؤاله ومناقشته لها يتضح أنها تخونه، ومتعاونة مع ألد أعدائه «مندل»، وعلى حد كلامه أن مندل هو أحد تلامذته الذي تعلم منه كل الألاعيب القذرة، بل وتفوَّق على أستاذه ريكاردو.

أليخاندرو كاسونا

فيطرد صديقته من مكتبه، ليدخل محاميه ومعه موظف البنك ليمهلاه مدة ليرتب أوراقه ويسدد ديونه والقروض المطالب بدفعها، ويوقف إضراب العمال بمصانعه، أو سوف يعلن البنك إفلاسه، ليكون رده على موظف البنك أنه أعطى كثيرًا من الرُّشى لمدير البنك وموظفيه فعليهم هم حل الأزمة.

الزائر الغامض.. ظهور الشيطان في صورة إنسان وعرضه المغري

ويطلب بعض الشراب من خادمه ليبدأ الشرب كثيرًا، ويشعر بالخمول والكسل، ويأخذ غفوة من النوم.

ويدخل عليه رجل أنيق يرتدي بدلة سوداء أنيقة وقفازًا في يديه.

يسأله ريكاردو: كيف دخلت إلى هنا ولم ينبهني الخادم؟ فيرد عليه الرجل: لم يرني الخادم ولم أدخل من الباب، وأن الزمن سيظل ساكنًا لا يتحرك مدة.

ريكاردو: لماذا؟ ومن أنت؟ 

الرجل: أنا صديقك القديم، كنت تحلم بي وأنت طفل صغير، كنت تشاهدني وأنت مع أمك عندما كنت تقرأ كتابًا قديمًا في الصفحة الثانية على اليسار.

ريكاردو: لا تجعلني أشعر أنني أتكلم مع عفريت.

الرجل: عفريت أو شيطان في صورة إنسان.. لا فرق.

ولكني أتيت لك بعد ما تخلى عنك الجميع، لأقدم لك عرضًا مغريًا مقابل إرجاع ثروتك ووقف الاضطرابات في مصانعك.

الإغواء بالقتل.. صفقة لاستعادة المجد المفقود

الشيطان: إن صفحتك مليئة بالنذالات والخيانات، فكل شيء لا أخلاقي عملته. فلماذا لم تقتل؟

فيفزع ريكاردو ويرفض، ولكن الشيطان يكمل حديثه أن ريكاردو فعل أعمالًا مثل القتل، فهناك أشياء لا يحاسب عليها القانون مثل استنشاق عمال المصانع لغاز سام؛ ما أدى إلى إصابتهم بأمراض صدرية وموت 3000 عامل كل خمس سنوات.

فيرد ريكاردو في غرور: يوجد في الدولة أفضل المستشفيات.

نعم كالعادة تسببون الأمراض ثم تبنون المستشفيات وتقدمون خدمات للفقراء.

عندما كنت طفلًا صغيرًا فقيرًا كنت تبحث عن الموز الفاسد بين أرصفة الميناء لتأكله، والآن ترمي بعربات الموز في البحر ليرتفع سعره، دون النظر إلى الأطفال الجياع والنساء، ولم تحترم المرأة التي تشبهك. فكل فاسد ولا أخلاقي فعلته ولم يتبقَّ غير القتل.

ويقنعه أنه لم يلوث يديه بأي دم، وأن هذه الجريمة مثل باقي جرائمه صعب تحديد مرتكبها، وصعب أن يحاسب عليها القانون، وكل ذلك مقابل إرجاع ثروته له وعدم إشهار إفلاسه.

فلسفة كاسونا.. الشيطان كمرآة لضعف الإنسان

وكاتب المسرحية هنا «كاسونا» يوضح شيئًا مهمًا وهو أن الشيطان لا يستطيع أن يكون له مدخل للإنسان إلا بمساعدة الإنسان نفسه؛ فالشخص الضعيف أمام شهواته ورغباته يكون فريسة سهلة للشيطان، ولا سيما من فعل جرائم أو أفعالًا لا أخلاقية، فتكون المساومة أسهل أو بالمعنى الدارج لنا وسوسة الشيطان أسهل.

ضعف الإنسان أمام الشيطان في مسرحية كاسونا

يظهر هذا التحليل رؤية الكاتب العميقة للطبيعة البشرية، حيث لا يمثل الشيطان قوة خارجية قاهرة بقدر ما يمثل تجسيدًا للرغبات المظلمة الكامنة في النفس التي يختار الإنسان الاستسلام لها أو مقاومتها، ويمكن ربط ذلك بمفهوم (ظل الذات) في علم النفس التحليلي لدى كارل يونغ، حين يمثل الظل الجوانب المكبوتة وغير المرغوب فيها من الشخصية.

الجريمة المبرمة.. القتل بالنية وفعل الشيطان

ويجيء الشيطان بالكرة الأرضية ويقول له: في ناحية الشمال صياد يُدعى «بيتر» سعيد لأنه اشترى مركب له، ويشرب النبيذ للاحتفال بالمركب، فلماذا لا تقتله؟

ويقنعه بأن القتل هنا هو بالنية أو العزيمة وأن الشيطان هو من سيفعل ذلك. ويوقِّع ريكاردو مع الشيطان على ورقة أو عقد بنية العزم في القتل، ويقتل الشيطان بيتر عند مجيء رياح شديدة، فلا أحد يدري ما يحدث؛ فالرياح شديدة وبيتر يغني أغنية أهل الشمال ويشرب الخمر. وفجأة يموت بيتر وتصرخ سيدة كانت بجانبه.

ويفرغ ريكاردو والشيطان من الجريمة؛ ريكاردو بنية القتل، والشيطان بفعل القتل، وتتجسد هنا الشراكة الآثمة بين ضعف الإنسان وإغواء الشيطان، ما يؤدي إلى تدمير حياة بريئة مقابل مكاسب دنيوية زائلة، من الجدير بالذكر أن مسرحية (القارب بلا صياد) تستكشف لاحقًا تداعيات هذا الفعل على نفسية ريكاردو، وصراعه مع الشعور بالذنب.

تُعد هذه مسرحية (القارب بلا صياد) للكاتب أليخاندرو كاسونا جرس إنذار يسلط الضوء على هشاشة القيم الإنسانية أمام إغراءات السلطة والثروة. فمن خلال شخصية (ريكاردو خوردان)، نرى كيف يمكن للطموح الجامح واليأس أن يقودا الإنسان إلى أحلك المسارات، متخليًا عن مبادئه في صفقة خاسرة مع الشر.

إنها دعوة للتأمل في طبيعة الخير والشر، وقوة الإرادة الفردية في مواجهة التحديات الأخلاقية. وتتركنا المسرحية نتساءل عن الثمن الحقيقي للنجاح، وما إذا كانت الغاية تبرر الوسيلة حقًا، خاصة عندما تكون الوسيلة هي التضحية بروح بريئة، ويبقى العمل الفني شاهدًا على الصراع الأزلي بين النور والظلام داخل كل نفس بشرية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة