المنحرف النرجسي مصطلح أصبح متداولًا ومنتشرًا، بعد أن كان اضطرابًا مسدلًا عليه الستار، لا يعرفه إلا ضحاياه الذين يعجزون بدورهم عن فهم ما حدث لهم ولِمَ حدث لهم.
الانحراف النرجسي ليس كغيره من الاضطرابات التي يعاني منها صاحبها، فتجده يبحث عما يخفف أعراض المرض والألم المصاحب له.
صفات المنحرف النرجسي
المنحرف النرجسي لا يؤمن بمرضه ولا يرى أن به عيبًا أو مشكلة تستحق العلاج. دائمًا ما يضع اللوم على غيره، فعقله اللاواعي يرفض التخلي عن الصورة التي رسمها لنفسه؛ لذلك يبدو من شبه المستحيل أن يُشفى المنحرف النرجسي من علته تلك؛ لأن أولى خطوات العلاج الإقرار بوجود المشكلة، وهو ما لا يمكن أن يستسلم له.
يختار المنحرف النرجسي فريسته بعناية، فليس الكل عرضة لأن يقع في شباكه، فهو كالقرش الذي يشتم رائحة الدم المنحل في الماء على بُعد أميال. وتختلف ضحاياه وتتعدد، لكنها تشترك في شيء واحد وهو جروح الطفولة أو الخيبات التي تركت داخلهم ثغرات يدخل منها المنحرف النرجسي ويبدأ بممارسة ألاعييه.
فنجد المرأة الطفولية التي تعيش في عالم الكرتون تبحث دائمًا عن أمير يلبي رغباتها ويغير حياتها. ويجد هذا النوع من النساء في المنحرف النرجسي ضالته، فهو يظهر لها في بداية العلاقة كبطل خارق أو أمير من حكاية خرافية.
ونجد المرأة التي تعاني من جرح الأب الذي لم يكن حاضرًا في نشأتها أو كان غليظًا معها فلم تشعر معه بالحنان والعطف، ويملأ المنحرف النرجسي هذا الفراغ داخلها، فيظهر في بداية العلاقة على هيئة الأب الحامي لطفلته الذي يدللها ويغمرها بحنيته. ويجدر التأكيد على أن الانحراف النرجسي لا يقتصر على الرجال، فالنساء أيضًا قد يكنَّ منحرفات نرجسيات.
ويتميز المنحرف النرجسي بأساليب وحيل يتقنها ويتفنن فيها ليمتص طاقة شريكه وإحساسه بقيمته. فالمنحرف النرجسي في أعماقه لا يحب ذاته، ويحتقر نفسه ولا يشعر بقيمته إلا بتكسيره وتحطيمه لكبرياء الشريك.
مراحل العلاقة بالمنحرف النرجسي
تمر العلاقة بالمنحرف النرجسي بمراحل عدة. ففي بداية العلاقة يغمر شريكه برومانسية وتفهم خياليين، ويظهر للشخص المقابل في شكل ملاك أو نعمة إلاهية، تجده حاضرًا متى ما استحقه الطرف الآخر، مستمعًا جيدًا، يشتري الهدايا، حنونًا عاطفيًّا. لكن لا تدوم هذه المرحلة طويلًا وسرعان ما يبدأ في إظهار جوانبه الخفية.
تُعد المرحلة الثانية بمنزلة البث التجريبي لما ينتظر الضحية، ويكون هدفه اختبار مدى تأثيره على الطرف الآخر، ويبدأ في تجاهله، في التقليل من الاهتمام به، ويختبر قوة الحدود التي وضعها شريكه لنفسه وقدرته على المغفرة. وقد يوجه له نقدًا قاسيًا لمظهره أو يهينه ويقلل منه، وقد يلجأ أيضًا إلى تشكيكه في حواسه والتلاعب بحكمه على الأمور، وهو ما يعرف بـ gas lighting.
ويستمر المنحرف النرجسي في ضرب ثقة الشخص الآخر وإشعاره بالنقص ثم الاعتذار منه ولومه. فالمنحرف النرجسي معروف بقدرته على قلب الطاولة على الشخص الآخر وهي أحد أسلحته.
وتكون الضحية في أغلب الأحيان غير قادرة على التخلي عن هاته العلاقة السامة بما تحمله من إهانة وألم نفسي. فالرابط السام يشتد ويقوى ويصبح كالإدمان الذي يجد الشخص نفسه عاجزًا عن وضع نهاية له.
وتخرج ضحية المنحرف النرجسي محطمة المشاعر والذات، داخل رأسها كثير من التساؤلات. في بعض الأحيان لا يعرف الشخص أن من كان معه في علاقة يحمل داخله هذا الاضطراب؛ لذا فزيارة المختص النفسي تزيح عبئًا عن الضحية وتفسر له التشوه الذي يعانيه المنحرف؛ ما يساعد في شفاء جروحه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.