صعوبات التعلم في الوسط المدرسي والفرق بينها وبين الاضطرابات

أصبح موضوع صعوبات التعلم من الموضوعات ذات الأولوية والأهمية القصوى في هذا الوضع التاريخي للمنظومات التربوية المختلفة؛ إذ أصبحت شرائح عمريَّة كاملة تصل إلى مراحل عليا من التعليم. فتنوعت الملامح المدرسيَّة وتعدَّدت طرائق التعلم والتعليم، وكثرت أنواع التلاميذ، وبدت نسبة غير قليلة من التلاميذ تعاني صعوبات تعلم متنوعة.

واعتمادًا على مبادئ ديمقراطية التعليم، والتعليم للجميع، وتكافؤ الفرص التعليمية أصبح التركيز على مختلف أنواع التلاميذ أمرًا أساسيًّا في العملية التربوية تطبيقًا لهذه المبادئ الإنسانية. والمدرسة الدامجة التي كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة والتأكيد على إجباريتها في كل النظم التربوية تستوعب جميع التلاميذ بغض النظر عن انتمائهم الاجتماعي (غني/ فقير) أو الديني أو العرقي أو الطائفي أو الجغرافي أو إعاقاتهم الجسدية بأنواعها أو صعوباتهم بأنواعها أو نمط تعلمه أو وتيرة تعلمه أو سرعتها أو بطئها... إلخ. وإذا كانت المدرسة لا تهمل الموهوب الذي ينتمي إلى عائلة ميسورة الحال وعالية الثقافة ولا تستغني عنه، فإنها أشد عناية بالمحرومين بمختلف أنواعهم. كما في القول المأثور: الضعيف أمير الركب.

والتعلم بطبيعته صعب. فالصعوبات جزء من عمليَّة التعلم؛ لذلك يحتاج التلميذ إلى مربٍّ لإعانته. فإذا استطاع التلميذ تجاوز هذه الصعوبات في أثناء الدرس أو بمفرده فيما بعد أو بإعانة عادية من وليه أو أحد زملائه فتغلَّب على صعوبات الدرس في ظرف عدم تراكم الدروس عليه؛ فإنه لا يُعد تلميذًا ذا صعوبات تعلم. وإذا تجاوز الأمر هذا الحد فإنه يصبح يعاني من هذه الظاهرة إن قليلًا أو كثيرًا.

والتعلم عملية بطيئة، ويتطلب وقتًا وتكرارًا بوسائل ومناهج وطرائق مختلفة. فالتسرع في الحكم على التلميذ إذا لم تتوفر له ظروف التعلم العادي من وقت وظروف وفرص مناسبة مجانب للصواب.  

تعريف صعوبات التعلم

ولكن قبل كل شيء ما تعريف صعوبات التعلم؟ يعاني التلميذ من صعوبات تعلم إذا كان ثمة فارق ملحوظ بين مردوده الدراسي الحقيقي ومردوده المنتظر، أي إذا كان ثمة فارق بين مردوده الدراسي وإمكانياته ومهاراته في ظروف توفر الوقت المناسب لتعلمه. ويتجلى ذلك في تأخر مدرسي قد يصل إلى سنتين دراسيتين. وصعوبات التعلم في هذا التعريف ليست ناتجة عن نقص في الذكاء، بل يجب أن يكون المتعلم متوسط الذكاء في الأقل، ولا ناتجة عن تخلف عقلي أو إعاقات حسيَّة كضعف البصر والسمع، أو إعاقات حركيَّة؛ لأنَّ كل ذلك يعرقل المردود الدراسي.

تتجلى صعوبات التعلم في ضعف الأداء المدرسي

وهي عادة ضعف في مهارة تعلمه تتجلى في نقص في الأداء المدرسي وما يتطلبه من قدرات، أو عدم استطاعة المتعلم استغلال كل طاقته، أو عدم عثوره على الطريقة المناسبة في التعلُّم، أو نحو ذلك.

التعريف الذي قدمته لصعوبات التعلم هو الأكثر تداولًا بين الباحثين في الميدان. ومحوره التلميذ؛ فهو الفاعل الحقيقي لصعوبة التعلم. على الرغم من أن التلميذ لا يتعلم وحده بمعزل عن التأثيرات، بل يتعلم في إطار تعليمي واجتماعي واقتصادي بعينه، يعينه أو يعرقل تعلمه. وإسناد الفعل إليه ليس لتأثيمه أو تجريمه، بل للتفريق بينه وبين صعوبات التعليم التي يلاقيها الأستاذ أو المعلم أو المربي بصفة عامة.

ويعاني هذه الظاهرة حسب بعض الإحصائيات الأوروبية ما بين 5 إلى 10% من التلاميذ. وهذه الصعوبات عادة عابرة وقتية بالإمكان التخلص منها وعلاجها. وصعوبات التعلم درجات: منها البسيط ومنها المركب، ومنها الخفيف ومنها الثقيل.

اضطرابات التعلم

ويجب التمييز بين صعوبات التعلم واضطرابات التعلم، وهي تستقطب بدورها نحو 10% في بعض الإحصائيات الأوروبية، وهي صعوبات وظيفيَّة وأحيانا دماغيَّة أو عصبية تصيب هيكلة التعلُّم نفسها لدى المتعلم، وتتجلى في تأخر مدرسي لا يقل عن سنتين، وليس لها أسباب في نقص الذكاء أو التخلف العقلي أو نحو ذلك، وتستعصي على العلاج وتصمد أمام إعادة التأهيل.، ومن أهم اضطرابات التعلُّم:

  • اضطراب القراءة: La Dyslexie

وهو مرتبط أساسًا بصعوبة التعرُّف على الحروف، والتمييز بين الحروف التي تُرسم بطريقة متقاربة وعلى المقاطع والكلمات. وينتج عن ذلك أخطاء كثيرة غير متوقعة في أثناء القراءة. وليس سبب ذلك ضعف البصر أو ضعف عقلي أو دماغي. وقد اعترفت منظمة الصحَّة العالمية به باعتباره اضطراب تعلم يعيق تطور مكتسبات الطفل التعليمية، ويظهر عادة عند بداية تعلم القراءة.

  • اضطراب الكتابة: Dysgraphie

وهو ضعف شديد في نسخ المكتوب أو كتابة المسموع، ليس ناتجًا عن سبب عصبي ولا عن صعوبة القراءة، ويظهر لدى الطفل عند عدم معرفته لحركة  كتابة الحرف. وقد يظهر أحيانًا في مرحلة المراهقة.

اضطراب الكتابة هو أحد أبرز اضطرابات التعلم

  • اضطراب الرسم الإملائي: Dysorthographie

وهو ضعف شديد ودائم في استيعاب قواعد الإملاء، ويظهر في أخطاء رسم كثيرة ومنتشرة، وأخطاء نحو وتصريف وحذف للحروف والمقاطع من بعض الكلمات أو كلمات بِرُمَّتها.

  • اضطراب التعبير وفهم الخطاب: Dysphasie

وينقسم إلى نوعين:

1. اضطراب التعبير: Dysphasie expressive

 ويظهر بقلة زاد الطفل في المفردات اللغوية، وبخطاب غير مهيكل، وعدم قدرة على طرح سؤال.

2. ضطراب فهم الخطاب: Dysphasie de réception

ويظهر لدى المتعلم عند فهم المعنى السطحي للنص، أو عدم فهم تعليمات المعلم.

  • اضطراب الحساب: dyscalculie

يظهر في ضعف استيعاب التلميذ العمليات الحسابيَّة والظواهر الكميَّة. فلا يفهم كيف يحل مشكل بسيط في طرح 7 – 3 = ؟ ولا يفهم أنَّ عددًا يمكن أن يكون أكبر من عدد، ولا يفهم ثمن السلعة أو الباقي الذي يرجعه له التاجر. وإذا كان زملاؤه لحل مشكل 4 + 2 يبدؤون العد من 4 إلى 5 إلى 6 فإنه يبدأ من 1-2-3-4-5-6. 

وهذه الاضطرابات يظهر أغلبها في المرحلة الأولى من التعليم، والمرحلة الابتدائية؛ لأنها المرحلة التي تتأسس عليها المرحلتان المواليتان الإعدادية والثانوية وما بعدهما.

إعاقات التعلُّم

إعاقات التعلم يكون سببها إمَّا نقصًا في القدرة العقليَّة أو الحسيَّة أو الحركيَّة، وإما تخلفًا عقليًّا، وإما نقصًا في الذكاء أو نحو ذلك، وتعيق طبعًا عملية التعلُّم.

أنواع التلاميذ

يختلف التلاميذ في مرحلة الدراسة حسب نشأتهم وحسب قدراتهم التحصيلية وحسب استيعابهم المادة العلمية، إلى غير ذلك من الاختلافات التي تفرز لنا أنواع التلاميذ، وهم:

التلميذ الصعب: l'élève difficile

وهو الذي يلاحظ عليه انتهاج بعض السلوكيات الخاطئة في المدرسة، التي تعيق تعلمه، كقلة مواظبته على الدرس وكثرة غياباته أو عزوفه عنه وعدم الاهتمام به، أو له مشكلات علائقية في أسرته أو مدرسته. أو هو لا يتفاعل بسهولة مع متطلبات الدرس وطرائق الأساتذة أو نحو ذلك، ويكون في أغلب الأحيان من الراسبين.

التلميذ الصعب لا يتفاعل بسهولة مع متطلبات الدرس

التلميذ ذو صعوبات التعلم:  l'élève en difficulté d'apprentissage

وهو الذي يعاني فعلًا من هذه الظاهرة، وشُخصت لديه هذه الصعوبة أو الصعوبات، وتسببت في ضعف مردوده الدراسي. وتكمن خطورتها في أنها إذا تفاقمت بدأت بالاستقرار واتجهت نحو التراكم شيئًا فشيئًا. ويفقد المتعلم الدافعيَّة إلى التعلم، ويبدأ في التخلي عن دوره، وينتج عنه ضعف النتائج المدرسية في البداية، ثمَّ الرسوب، وأخيرًا الانقطاع عن التعلم، فمغادرة المدرسة.

تلميذ على وشك الصعوبات: L'élève à risque

وهو الذي بدأت تظهر عليه بوادر نقص في مردوده الدراسي، وإن لم يتدخل في شأنه عاجلًا يتفاقم أمره ويصبح عرضة لصعوبات حقيقية قد تتبعها إخفاقات مدرسيَّة. والوقاية قبل العلاج. وهنا تظهر أهمية التشخيص المبكر.

وصعوبات التعلم ناتجة عادة عن أسباب نفسية كضعف الدافعية وقلة التركيز والانتباه. ولكن المربي المختص هو القادر على تحديد الأسباب بدقة؛ لأن كل تلميذ هو حالة خاصة متفردة.

وأرى أنه قبل البحث عن صعوبات التعلم وأسبابها وحلولها لدى التلميذ، يجب التفاعل من وجود بيئة تعليمية مناسبة:

أولًا: في المدرسة وبنيتها التحتيَّة: المختبرات العلمية، التجهيزات البيداغوجية المختلفة، القاعات واكتظاظها، المكتبة... إلخ. وبنيتها الفوقية: تنظيمها للزمن المدرسي في اليوم والأسبوع والسنة، وتوزيعها للمواد والبرامج... إلخ.

فكل هذه صعوبات تعترض التلميذ وتسبب له صعوبات. والنتيجة هي أنه يجب إصلاح المدرسة قبل كل شيء.

ثانيًا: توافر المدرس الكفء علميًّا، وفي كيفية التعامل مع سلوك التلاميذ ومع اختلافاتهم السلوكية والتحصيلية.

ثالثًا: في الأولياء القادرين على تحمل مسؤولياتهم في توفير ظروف تعلم مناسبة.

بعد ذلك يُنظر إلى التلميذ، فإنه إذا صلحت المدرسة تحمل مسؤولية ما يلقاه من تأخر مدرسي، وأصبح جانب كبير من العبء عليه. بعدها فقط يمكن أن نهتم بالتلميذ كونه فاعلًا حقيقيًّا لصعوبة التعلم.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

محتوى مفيد جدآ.. مشكور صديقي على المقال .. وعلى المعلومات القيمة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا شهد. انت أيضا رائعة في مقالاتك.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

اشكرك على لطفك ... واشكرك على دعمك لمقالاتي ... نحن إخوة ..
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

بارك الله فيك شهد.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة