النفس البشرية في حوار وتفاعل مستمر مع الزمن، يصل في أحيان كثيرة لمرحلة الصراع أو حتى الصرع، وهذا الصراع قد يؤجج فينا شعلة الحياة فيزيدها اتقادًا أو يخمدها ويطفئها تمامًا فنركن وننزوي، وهذا الحوار مع الزمن قد يعلو صوته فندركه ونتفاعل معه ونعيشه، وقد يخفت صوته فلا نحس به، ولكن هذا لا يعني خروجنا من دائرة الصراع، إنه فقط خروج من الوعي والإحساس بحقيقة الصراع أو الاستسلام لقول وفعل الزمن دون عطاء أو رد فعل من ذاتنا البشرية.
وهذا الصراع موجود حتى في الحياة اليومية، بداية من نجاحنا أو فشلنا في أداء عملنا في إطار الزمن المتاح، فإذا نجحنا فقد انتصرنا على البعد الزمني في حياتنا، وإذا فشلنا ستظل تداعيات الفشل تنعكس على البيئة الفكرية والوجدانية لنا، فنحن نحس براحة عظيمة عندما ننجز عملًا في الوقت المناسب أو قبل الوقت؛ لأننا نشعر أن حياتنا تسير في طريق الوجود الصحيح، في حين أن الفشل والنسيان يدخلنا متاهة الإحساس بأننا خارج السباق وخارج الوجود الآمن بدرجة أو أخرى.
اقرأ أيضًا ما هي حقيقة الزمن؟ وما هي أنواعه؟
هل الزمن هو نتاج الحياة أم الحياة هي نتاج الزمن؟ من أنتج من؟
هل الزمن هو نتاج الحياة أم الحياة هي نتاج الزمن؟ عندما نتأمل البعد الرابع في الوجود وهو الزمن، تلوح لأذهاننا الأبعاد الثلاثة التي تكون الكيان المادي، وهي الطول والعرض الارتفاع، والتي يتخذ أي كيان شكله الفراغي وفقًا لها.. توجد أشكال منتظمة مثل المكعب والهرم والكورة ومثل الأجرام السماوية، وعندما تغير وضع هذه الأجرام بالنسبة لبعضها أي تحركت الأجرام السماوية أدى ذلك لنشوء الزمن، ودون حركة هذه الأجرام ما نشأ الزمن، الحركة إذن نتج عنها الزمن وأيضًا التفاعل في الكون.
ونتيجة هذه الحركة على الأرض نشأت التغيرات المناخية ونشأت الفصول الأربعة ونشأت مقاييس الزمن مكونة السنين والشهور والأيام ثم الساعات والدقائق والثواني وكسور الثواني.
ماذا لو لم تتحرك الأجرام ووقف كل موجود في مكانه؟ هل كانت لتوجد حياة على الأرض؟ ولا يزال السؤال قائمًا، هل حركة الأجرام السماوية هي من أنتجت الزمن أم أن الزمن هو الذي أنتج هذه الحركة.
على مستوى الحياة البيولوجية، فإن الحركة هي أهم مظاهر الحياة ومن غير الزمن لا توجد حركة للموجود ثلاثي الأبعاد، وهذا الزمن هو الذي يحدد وجود الكائن الحي بمقدار، فنقول مثلًا إن العمر الافتراضي لكائن حي هو 10 سنين وآخر 100 سنة، إذن الزمن أهم عامل في الحياة والحياة تأتي محكومة بنقطتين حاسمتين، وهما الميلاد والموت اللذان يتحددان بالزمن.
اقرأ أيضًا هل السفر عبر الزمن حقيقة أم خرافة؟
الزمن والحياة
أدرك الإنسان منذ مدة طويلة العلاقة بين حركة الأجرام السماوية والتغيرات المناخية الحياتية التي يعيشها فجاءت فكرة الزمن، فاليوم الأرضي جاء من حركة الأرض حول نفسها دورة كاملة ويلازمها في المدى المرئي شروق وغروب الشمس، في حين تمثل دورة كاملة للأرض حول الشمس ما تعارف عليه بالعام الشمسي أو الأرضي وهذه الرحلة السنوية تكلف الأرض 365 دورة حول نفسها،
من ناحية أخرى فقد مثلت حركة القمر نوعًا آخر من الزمن أو القياس الزمني أطلق عليه التقويم القمري، وإذا كان المصريون القدماء استخدموا التقويم الشمسي فإن معظم آسيا (الصين والمنطقة العربية) استخدموا التقويم القمري.
فبقاعدة تعريف اليوم نفسها نجد أن القمر يدور حول نفسه دورة كاملة في نحو 28 يومًا أرضيًّا، أي إن يوم القمر يساوي 28 يومًا أرضيًّا، وفي الوقت نفسه يدور القمر حول الأرض دورة كاملة وهو ما تعارف عليه بالشهر القمري، أي إن اليوم القمري يساوي نحو 28 يومًا أرضيًّا، ولأن القمر يلازم الأرض دائمًا حتى وهي تدور حول الشمس فإن العام القمري يقارب العام الشمسي ولكنه ينحرف عنه قليلًا.
ثم إن الزمن القمري معرض لبعض التغيرات الطفيفة نتيجة عدم ثبات حركة القمر، ويرجع ذلك لأن القمر يختلف عن الأرض في أنه واقع تحت تأثير قوتي جذب وليس قوة واحدة كما هو الحال مع الأرض، فالقمر واقع تحت تأثير قوة جذب الأرض وقوة جذب الشمس، ومن هنا كانت الاختلافات السنوية الدائمة في حساب التقويم القمري.
وإذا انتقلنا من الزمن الكوكبي إلى الزمن الحياتي، فإن الأمر يصبح أكثر تعقيدًا، لكن الشيء المشترك في تحديد الزمن هو الحركة والتغير المكاني، فلا حياة دون حركة وتغير، ولا زمن دون حركة وتغير، فالحياة والزمن وجهان لعملة واحدة.
اقرأ أيضًا الانتقال عبر الزمن
قطار الزمن
هل يمكن تصوير الزمن بأنه مثل القطار الذي لا يتوقف أبدًا عن مواعيده ونقول بالاستعارة قطار الزمن؟ في الواقع القطار يمكن أن يتوقف ويعطب أو يتأخر وقد يرجع أحيانًا للخلف، أما الزمن فهو لا يتوقف أبدًا ولا يعطب ولا يتأخر ولا يرجع للخلف أبدًا وإن توهم بعض الحالمين، إذن قطار الزمن هو قطار صارم لا يوجد له مثيل.
الوعي بهذه الحقيقة ضروري كي نلعب لعبة الحياة بواقعية وبلا خوف أو خداع وبلا وهم وبلا مفاجآت غادرة ماكرة، لذا علينا أن نحترم الزمن أكثر مما نحترم القطار الذي يمر في لحظة معينة ولا ينتظر أحدًا، فالقطار يمكن تعويضه بقطار آخر أو مركبة أخرى، أما الزمن فلا يمكن تعويضه أبدًا، ثم إن كل فرصة في الحياة هي قطار زمني يمر في لحظة معينة، فإذا ركبنا القطار نغتنم الفرصة ونذهب لمكان آخر على خريطة الحياة.
والحياة مملوءة بآلاف القطارات، فعلينا أن نحدد وجهتنا ونذهب للقطار المناسب ونتحقق من امتلاكنا تذكرة السفر حتى لا نضطر لترك القطار قبل بلوغ غايتنا، أما التذكرة فهي وعينا برحلة القطار واستعدادنا للتفاعل مع محطة الوصول في مرحلة حياتية جديدة.
اقرأ أيضًا الزمن الجيولوجى 1
هل يمكن تأجيل الزمن؟
الزمن غير قابل للتخزين وإذا ضاع الزمن فلا يعود أبدًا، ولكننا قد نستقبل زمنًا آخر نستعيض به عن الزمن الضائع، ففي المسابقات الرياضية عندما ينتهي وقت اللعبة الأصلي يقال خطأ اللعب في الوقت الضائع، ولكنه في الحقيقة اللعب في الوقت بدل الضائع، فالزمن الضائع لا يعود أبدًا، فهذه سمة حكم الزمن.
ولكن هل هذا الزمن البديل يعوضنا حقًّا عن الزمن الضائع؟! كلا لأن هذا الزمن البديل مخصوم من حياتنا الآنية أو المستقبلية، ولو لم يضع منا الوقت لربما استثمرناه في فعل أو شأن آخر، ولكننا أحيانا نكون مثقلين بأعمال وأشغال وأهداف تفوق المساحة الزمنية المتاحة أمامنا، فنضطر جبرًا لترك بعضها جانبًا ونترك الباب مواربًا حتى نعود إليها غالبًا.
كثير من الأمور تأتي وتغادر حياتنا دون أن نلاحظها أبدًا في خضم زحام سير الأقدام، لكن لو عدنا إليها لعادت ولو أمناها لهادت، كثير من الأمور تستعصي على الفهم وتجافي السلام وتفتقد صحيح الكلام؛ لأنها فقط لم تجد الوقت الكافي ولا الاهتمام الوافي ولا الذهن الصافي ولا الحماس الدافئ.
فإذا توافرت هذه العناصر لدانت لنا الدنيا، ويا له من زمن عجيب، وكأنه الآمر الناهي وكأنه البنك الأمين الوافي الذي يدخر لنا لحظات حياتنا حتى ننفقها في الوقت المناسب وبالكيفية المناسبة، أحيانًا تحيطك الدنيا بكل عسير وفي لحظة يأتي كل يسير، فكل الصعاب تلين عندما الوقت يحين، ويأتي الزمان بمصباح الأمان فتنقشع الظلمة وتتلاشى الغمة، إذن لا تبحث أبدًا عن الزمن الذي راح لكن عن الأمل الذي فتح أسراره وأباح.
سبتمبر 25, 2023, 5:11 ص
صباح السعادة والتوكل على الله وكل عام وحضرتك بخير بمناسبة حلول مولد خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.