اشتهر عن اليهود اشتغالهم بالنخاسة في بلدان الغرب الأوروبي، وتخصص هؤلاء التجار النخاسون من اليهود في توريد الخصيان البيض والجواري السلافيات إلى أسواق النخاسة في مصر والأسواق التابعة لها في الشام والحجاز، وكان ما يصل إلى مسامع الأهالي في بلاد السلاف والتركستان، وحول بحر قزوين، عن المكانة التي وصل إليها المماليك في مصر ممن اشتراهم السلطان ليضمهم لجيشه، وما سمعوه عن الثروة الهائلة للناس العاديين في مصر، مقارنة بالأوضاع الاقتصادية المتردية التي كان يعيشها أهالي هذه البلاد بسبب ظروف عدم الاستقرار والضرائب الباهظة.
فكان هذا حافزًا لكثير من الأهالي على بيع أولادهم وبناتهم للتجار النخاسين ممن اشتهروا بتصدير الرقيق إلى أسواق النخاسة في مصر، على أمل أن يتم ضم أبنائهم لجيش سلطان مصر، وأن تنضم بناتهم لحريم السلطان، أو أن يباعوا إلى أحد الأمراء أو الأثرياء في القاهرة، أو حتى أن ينتقلوا لحياة أفضل لدى أسيادهم الجدد من المصريين العاديين.
وقد اعتاد الفاطميون على جلب الأسرى لبيعهم في أسواق النخاسة في مصر، فيروي المقريزي أن الأساطيل الفاطمية حملت إلى مصر كثيرًا من أسرى الحروب، وكانت سفن الفاطميين ترسو في جهة المناخ بالقرب من مدينة الإسماعيلية الحالية، حيث يُحجز الأسرى من الرجال، ويحمل الأطفال والنساء إلى القاهرة التي بناها الفاطميون بعد مجيئهم للبلاد لتكون عاصمة لهم، فينتقي منهن الوزير ما يشاء، ثم تفرق باقي النساء على الجهات والأقارب، ويدفع بالصغار إلى الأستاذين فيربوهم، ويعلموهم الكتابة وباقي أعمال الخدمة، فيخصص هؤلاء فقط لأعمال البلاط والخدمة في قصور الفاطميين، ويمتنع عليهم الالتحاق بالجيش.
وقد أكثر سلاطين الدولة الأيوبية من استجلاب الرقيق الأبيض إلى البلاد وكان معظم هؤلاء من شبه جزيرة القرم، وبلاد القوقاز، والقفجان، وآسيا الصغرى، وفارس، والتركستان، وبلاد ما وراء النهر.
وبعد النصر الكبير الذي حققه مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب على الصليبيين في معركة المنصورة يوم الثلاثاء 8 فبراير سنة 1250 م الموافق 4 ذي القعدة سنة 647هـ وانقلابهم على توران شاه ابن سيدهم الأول، بسبب سوء معاملته لزوجة أبيه شجرة الدر، وخشيتهم أن يبطش بهم بعد استقراره في الحكم، فقتله المماليك في المحرم عام 348هـ إبريل سنة 1250م.
وانتهت بذلك دولة الأيوبيين في مصر، وبدأت دولة المماليك بتولية شجرة الدر أرملة الملك الصالح نجم الدين أيوب التي كانت أول من ملك مصر من ملوك الترك المماليك، ومنذ ذلك الحين شهدت مصر في عصر سلاطين المماليك تدفق أعداد هائلة من الرقيق على البلاد، وازدهرت أسواق النخاسة في مصر ازدهارًا لم يسبق له مثيل، بعد أن قرر المماليك المنتصرون الاستمرار في إنتاج علاقات الاسترقاق التي عرفتها مؤسسة الرق في البلاد في هذه العصور وكانوا هم أنفسهم أول ضحاياه!
وإضافة إلى ذلك فقد كانت الحملات العسكرية التي اعتاد أن يشنها سلاطين المماليك في مصر ضد الإمارات الصليبية التي احتفظ بها الصليبيون في الرها وأنطاكية وبيت المقدس وعكا من بلاد الشام مصدرًا لا ينضب للحصول على الأسرى من النساء والأطفال، وتوريدهم رقيقًا لأسواق النخاسة في مصر، وهي الحملات التي استمرت حتى سقوط آخر المعاقل الصليبية في عكا سنة 690هـ/1291 على يد السلطان الأشراف خليل بن قلاون.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.