شمس المعارف الكبرى.. الكتاب الأكثر جدلاً في السحر والتصوف

شمس المعارف الكبرى أحد أكثر الكتب إثارة للجدل والغموض في أوساط المهتمين بالعلوم الروحانية والتراث العربي والإسلامي، فنسجت حوله الأساطير وارتبط اسمه بعوالم السحر والعلوم الخفية (العلوم الغريبة)، يُنسب هذا العمل الضخم إلى العالِم الصوفي الجزائري أحمد بن علي البوني الذي عاش في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، واشتهر باهتمامه بالتصوف، وعلم الحروف -دراسة الخواص العددية والباطنية للحروف-، والأسرار الروحانية. يمزج الكتاب بين التصوف، والأدعية، والرياضيات الروحانية، والفلك، وما يُعد وصفات سحرية وطلاسم، ما جعله محط اهتمام شعبي واسع، ونقاش أكاديمي مستمر، ونقد ديني حاد.

ويستعرض هذا المقال شخصية مؤلفه المنسوب إليه، ويحلل محتوى الكتاب المتداول، ويناقش الشكوك العلمية في أصالته ونسبته للبوني، ويتطرق إلى حكم قراءته في الشريعة الإسلامية والمخاطر المحتملة المرتبطة به.

يرتبط دائمًا كتاب «شمس المعارف الكبرى» بالجدل والغموض والرهبة، والتحذير من قراءته، ويصل إلى حد التحريم لدى كثير من شيوخ وعلماء المسلمين؛ نظرًا لأن الكتاب يُدْرَج تحت باب الشعوذة والسحر، لكن الكتاب ما زال يثير الفضول وحب الاستطلاع لدى كثير من الناس، وهو ما يدفع مئات الآلاف من الأشخاص للبحث عن صفحاته ومحتوياته عبر الإنترنت.

مؤلف كتاب شمس المعارف الكبرى أحمد بن علي البوني

في معظم أقوال المؤرخين، يُنسب كتاب «شمس المعارف الكبرى» إلى شرف الدين أحمد بن علي البوني الذي كان يُكنَّى بأبي العباس، وهو من مدينة بونة في الجزائر، وهو رجل ذو اتجاهات متعددة، فقد كان متخصصًا في اللغة، وباحثًا في عدد من العلوم، ومتصوفًا، وحافظًا للقرآن، وكان مهتمًّا بعلم الإشارات وأسرار الحروف، على حد قول عدد من المؤرخين، ومنهم «الزركلي».

وتفقه البوني على المذهب المالكي، ويُقال أيضًا إنه درس الشافعية، كما كان كثير التنقل بين البلدان، وأقام مدة طويلة في القاهرة، ورحل أيضًا إلى مكة وإلى بيت المقدس، وسافر إلى بغداد قبل أن يعود إلى مصر ليقيم بها مدة أخرى قبل أن يسافر إلى تونس. وقد عمل البوني في الوعظ والتدريس، ويُقال عنه إنه كان شغوفًا بالصوم والعبادة، وكان يفضل العزلة وعدم مخالطة الناس، كما لم يكن له أولاد، وكان يرفض تمامًا أن يكون له أتباع.

في معظم أقوال المؤرخين يُنسب كتاب «شمس المعارف الكبرى» إلى شرف الدين أحمد بن علي البوني المكنَّى بأبي العباس

ومن الشائعات والأخبار التي وردت عن البوني، أنه كان مولعًا بالحضارة المصرية القديمة، وأنه وجد إحدى البرديات التي تحتوي على وصفات سحرية في أثناء زيارته لأحد المعابد المصرية في الصعيد، واستطاع بها الوصول إلى عدد من الأسرار التي كان يستعملها المصريون القدماء في تسخير الجان، وهي البردية التي استفاد منها في كتابه «شمس المعارف الكبرى». لكن الأمر يبقى في حدود التفسيرات الشعبية والشائعات الكثيرة التي لحقت بالكتاب وبمؤلفه المزعوم.

كتاب شمس المعارف الكبرى

يُذكر أن أحمد بن علي البوني كان غزير الإنتاج، وله أكثر من 37 مصنفًا، منها كتاب «إظهار الرموز وإبداء الكنوز»، وكتاب «تنزيل الأرواح في قوالب الأشباح»، وكتاب «التوسلات الكتابية والتوجهات العطائية»، وأيضًا كتاب «جواهر الأسرار في نواهر الأنوار». وهي عناوين توحي بالمواد والعلوم التي كان يهتم بها الكاتب، لذا فقد رجحت الأقوال المتواترة أن يكون هو مؤلف كتاب «شمس المعارف الكبرى»، دون وجود دليل واضح على ذلك.

الغريب في الأمر أيضًا أن معظم مؤلفات الكاتب أحمد بن علي البوني قد اختفت، إضافة إلى تشكيك عدد من الباحثين في النسخ المتوفرة من هذه المؤلفات، لذا فإن التشكيك يطال كتاب «شمس المعارف الكبرى»، الذي تعود طبعته المشهورة والمتداولة حاليًا إلى عام 1986، حيث طُبِعَت في لبنان.

وليس أمامنا سوى التعامل مع الطبعة البيروتية من هذا الكتاب المحظور التي تتكون من 4 أجزاء، قُسِّمَت على 40 فصلًا، وبلغ عدد صفحاتها 600 صفحة، وتضم الفصول الأربعون مجموعة من المعاني والإشارات والظاهرات والرموز الخفية، التي تحتاج إلى التدبر والتأمل والتفكر من وجهة نظر المؤلف، وهو ما يزيد غموض كتاب «شمس المعارف الكبرى».

تتكون الطبعة البيروتية من كتاب «شمس المعارف الكبرى» من 4 أجزاء قُسِّمَت على 40 فصلًا وبلغ عدد صفحاتها 600 صفحة

محتوى كتاب شمس المعارف الكبرى

عند مطالعة كتاب «شمس المعارف الكبرى»، يمكنك تقسيم الفصول الأربعين التي تُمثِّل محتوى الكتاب إلى 4 اتجاهات أو أنواع:

  • يشمل النوع الأول مجموعة من الفصول التي تهتم بالمحتوى الرياضي والفلكي، ومنها فصل «في أحكام منازل القمر».
  • النوع الثاني يتناول المسائل اللغوية، التي أطلق عليها الكاتب «علوم أسرار الحروف»، مثل فصل «في اسم الله الأعظم وما له من التصريفات الخفية».
  • أما النوع الثالث فهو محتوى صوفي وروحي، يحكي فيه الكاتب عن تجربته الشخصية مع الصوفية، مثل فصل «الخلوة وأرباب الاعتكاف الموصلة للعلويات».
  • ثم يأتي النوع الرابع من محتوى كتاب «شمس المعارف الكبرى»، وهي فصول تتحدث عن طلاسم غامضة، وإشارات غريبة، ورموز تحتاج إلى فكِّها، مثل فصل «في خواص بعض الطلسمات النافعة».

ومع هذا المحتوى غير التقليدي والاهتمام الشعبي غير العادي بكتاب «شمس المعارف الكبرى»، فقد اهتم عدد من الدارسين والكتاب والباحثين بالكتاب، وخرجت عدة دراسات تتحدث عن إنتاج الكتاب في القرن الـ11 الهجري، وهو ما يوازي القرن الـ17 الميلادي، وهي النتيجة التي كانت صادمة لكثير من الأشخاص الذين قرؤوا كتاب «شمس المعارف الكبرى»، إذ تشير الدراسات إلى أن المخطوطة أو النسخة المتوفرة من كتاب «شمس المعارف الكبرى» كُتِبَت بعد وفاة أحمد بن علي البوني بنحو 500 سنة.

وبذلك نحن أمام إحدى فرضيتين: الفرضية الأولى أن الكتاب لا يعود إلى الكاتب نفسه، والفرضية الأخرى أن تعاليم الكاتب ومحتوى الكتاب نُقِلَت خلال القرون عن طريق أشخاص آخرين، ثم إن بعض الأسانيد التي ذكرها البوني في كتابه «شمس المعارف الكبرى» تعود إلى شيوخ ظهروا بعد موته، وهو ما يشكك تمامًا في النسخة المتداولة من كتاب «شمس المعارف الكبرى».

كتاب شمس المعارف الكبرى والبحث العلمي الغربي

الغريب أن كتاب «شمس المعارف الكبرى» الذي يُعد نتاجًا ومثار اهتمام العرب والمسلمين في الشرق، لقي اهتمامًا كبيرًا في الغرب، ووصل إلى المجتمع الأكاديمي الغربي عن طريق المستشرق الألماني «ويليام ألورد» الذي تحدث عن كتاب «شمس المعارف الكبرى» وتفاصيله، وتوجد نسخة من الكتاب محفوظة في برلين.

وصل كتاب «شمس المعارف الكبرى» إلى المجتمع الأكاديمي الغربي عن طريق المستشرق الألماني «ويليام ألورد»

ثم إن جامعة بنسلفانيا الأمريكية أجرت دراسة تحت عنوان «السحر والعرافة في عصور الإسلام المبكرة» التي تناولت كتاب «شمس المعارف الكبرى» وخرجت بعدة نظريات، ومنها أن إسناد المؤرخين الكتاب إلى أحمد بن علي البوني هو مجرد اقتراح، نظرًا لطبيعة الكتاب، ونظرًا لطبيعة اهتمامات البوني ومؤلفاته.

وتحدثت الدراسة أيضًا عن إمكانية أن يكون كتاب «شمس المعارف الكبرى» أُلِّف من قبل عدة مؤلفين مجهولين، وأُلْصِق اسم البوني بالكتاب، ويُلْصَق بأي كتاب يختص بالحكايات الغامضة والسحر والشعوذة.

من ناحية أخرى، فقد اهتم المستشرق الهولندي «جان جست وتكام» المتخصص في المخطوطات بكتاب «شمس المعارف الكبرى»، وعمل على دراسة عدد من مؤلفات أحمد بن علي البوني، وخرج أيضًا بوجهة نظر تتحدث عن استخدام السحرة الممارسين لكتاب «شمس المعارف الكبرى»، وكيف أنهم أضافوا كثيرًا من عملهم إلى الكتاب، لذا فإن النسخة التي بين أيدينا الآن هي نتاج عمل عدد من الأشخاص، بينهم مؤلفون وسحرة، على مدار أجيال متعاقبة.

تحريم قراءة كتاب شمس المعارف الكبرى

على الرغم من أن كتاب «شمس المعارف الكبرى» الذي يُتَدَاوَل الآن قد تم تهذيبه وحذف العديد من مواضيعه، فإنه ما زال يحتوي كثيرًا من الأمور غير الواضحة، والوصفات السحرية التي يراها علماء المسلمين تتعلق بالجن والسحر والشعوذة، والأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية؛ لذا فإن غالبية علماء المسلمين قد أفتوا بعدم جواز اقتناء الكتاب أو النظر فيه أو قراءته أو بيعه أو شرائه، وعده بعض العلماء من السبع الموبقات، وأنه يكفر صاحبه؛ لذا فإن معظم البلدان العربية والإسلامية لا تسمح بتداول الكتاب الذي يُتَدَاوَل على نحو غير رسمي أو قانوني على مواقع الإنترنت.

خطورة قراءة كتاب شمس المعارف الكبرى

وبصرف النظر عن الموقف الشرعي والديني من كتاب «شمس المعارف الكبرى»، فإنه يظل أحد أبرز الكتب في عالم السحر والشعوذة، نتيجة احتوائه عددًا من الوصفات والممارسات السحرية المتعلقة بتسخير الجن، واستخدام الطلاسم والرموز التي يزعم الكتاب أن لها تأثيرًا كبيرًا في الواقع الروحي والمادي؛ لذا فإن الكتاب يُعد أداة قوية في أيدي من يستخدمه، فإذا كانت الوصفات والرموز السحرية الموجودة في الكتاب صحيحة، فهو يمثل خطورة كبيرة على المجتمع وأفراده، وإذا لم يكن لهذه الرموز والوصفات أي قيمة، فهو يمثل خطورة على معتقدات وممارسات الشخص الذي يقرأ الكتاب.

يظل كتاب «شمس المعارف الكبرى» أحد أبرز الكتب  في عالم السحر والشعوذة نتيجة احتوائه عددًا من الوصفات السحرية

ومع انتشار كتاب «شمس المعارف الكبرى» منذ ثمانينيات القرن الماضي، تناقلت الأوساط الشعبية والثقافية كثيرًا من الروايات والقصص عن تجارب لأشخاص قرؤوا الكتاب، وخاضوا كثيرًا من الأمور المرعبة والمدهشة.

وعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نتأكد من صحة هذه الروايات والحكايات، فإن مجرد قراءة كتاب بهذه الكيفية يُعد أمرًا شديد الخطر على مستوى الصحة النفسية، فهو قادر على إصابة صاحبه بالاضطرابات النفسية، والانفصال عن الواقع، والدخول في حالة من الصراعات الروحية.

ثم إن قراءة كتاب «شمس المعارف الكبرى» قد تكون ذات تأثير كبير في المجتمع، إذ ينتشر العلم المزيف، والقصص التي ترتبط بالأساطير والخرافات، وهو ما يؤدي إلى زيادة الاهتمام بالقوة الخفية، ويقلل الدوافع لدى المهتمين بهذه الأمور في تحصيل العلم، والعمل الجاد، وبناء الذات، وتحمل المسؤوليات، وهو ما يعود بخسائر فادحة على المجتمع.

يبقى هذا الكتاب المحظور (شمس المعارف الكبرى) محاطًا بهالة من الغموض والجدل ورمزًا للتراث الباطني والإشكالي في الثقافة العربية الإسلامية، وعلى الرغم من نسبته الشائعة إلى أحمد البوني، فإن الأدلة العلمية والمخطوطية تشير بقوة إلى أن النسخة المتداولة اليوم هي نتاج عصور لاحقة، وربما تجميع لأعمال متعددة أُلصقت باسم البوني لشهرته في العلوم الروحانية، وبين الاهتمام الأكاديمي بدراسته كظاهرة ثقافية وتاريخية، والرفض الديني القاطع لمحتواه المرتبط بالسحر والشعوذة، والتحذيرات من تأثيره النفسي والاجتماعي، يظل (شمس المعارف) كتابًا فريدًا يثير التساؤلات في حدود المعرفة والإيمان والخرافة في تاريخ الفكر الإنساني، ويبقى التعامل معه بحذر وفهم نقدي أمرًا ضروريًّا، مع الالتزام التام بالضوابط الشرعية والعقلية.

وفي نهاية هذا المقال الذي حاولنا فيه الإجابة عن كل الأسئلة الخاصة بكتاب «شمس المعارف الكبرى»، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقالة على مواقع التواصل لتعم الفائدة الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة