شكل العالم بعد 100 عام! رحلة إلى القاهرة 2125.. كيف سيبدو مستقبلنا؟

هل يمكن أن نُبصر الغد؟ لا مجازًا، بل حقًّا.. أن نغمض أعيننا في عام 2025، ونفتحها لنجد أنفسنا في قلب القاهرة عام 2125؟ سؤالٌ يبدو وكأنه خارج من رواية خيال علمي.. لكنه في الحقيقة أقرب إلينا مما نظن.

نحن لا نكتب عن المستقبل هربًا من الحاضر، بل لأن الحاضر نفسه يدفعنا إليه: التطور المتسارع، الذكاء الاصطناعي، البيئات الرقمية، الطباعة الحيوية، وتحول التكنولوجيا من «أداة» إلى «موطن».

فكيف سيكون شكل هذا الموطن بعد 100 عام؟ هل تظل المشاعر كما نعرفها؟ هل يبقى الإنسان هو الإنسان؟

في هذا المقال، لن نتنبأ كمن يقرأ الطالع، بل سنستعرض شواهد الحاضر، لنرسم بها ملامح مدينة المستقبل.. وتحديدًا (القاهرة) عام 2125، استعد لرحلة تأملية، عاطفية، علمية، تأخذك إلى الغد كما لم تره من قبل.

المستقبل بين الواقع والخيال

تذكَّرت لقاءً تلفزيونيًّا طريفًا جمع بين عادل إمام ورفيق دربه سعيد صالح على التلفزيون المصري عام 1974. سأل المذيع الفنانَين: «ماذا تتوقع أن يحدث بحلول عام 2000؟».

فقال سعيد صالح بحماس: «أكيد العربيات هتطير، وهيبقى فيه أكلة تاكُلها تخليك متتكلمش شهر!» في حين ابتسم عادل إمام وقال بهدوء: «أنا شايف إن الناس مشاعرها هتتغير، هنبقى مش عارفين نفرَّق بين الحقيقي والمزيف».

عادل إمام يتحدث عن المستقبل

بعد كل هذه السنوات.. يبدو أن التوقع «العاطفي» لعادل إمام كان أصدق، فالسيارات لا تزال على الأرض، لكن المشاعر؟ فعلًا أصبحت معقَّدة، هشَّة، وسريعة الزوال؛ بعيدًا عن أن هذا ينم عن عقلية عادل إمام القوية، التي انعكست على حياته المهنية بالتأكيد.

هل يمكن التنبؤ فعلًا بالمستقبل؟ بين العلم والفلسفة والخيال

التنبؤ بالمستقبل ليس رفاهية فكرية، بل هو شغف بشري قديم. في عام 1925، لم يكن أحد ليتخيل أن أبناء القرن الـ21 سيحملون في جيوبهم أجهزة تربطهم بالعالم كله، أو أن «الذكاء الصناعي» سيكتب مقالات كهذا الذي تقرأه الآن، لما تصوَّروا وجوده في الأساس!

تنبؤات كثيرة صدقت

مثلما حدث مع الكاتب جورج أورويل في روايته الشهيرة «1984» التي نُشرت عام 1949. تخيَّل فيها عالمًا تراقبه الحكومات بالكاميرات وتتحكم في تفكيره… وفعلًا، نحن اليوم نعيش في عالم تُرصد فيه كل حركة، وتُحلل كل كلمة.

تنبؤات لم تتحقق

في خمسينيات القرن الماضي، نشرت مجلات علمية مثل «Popular Mechanics» رسومًا تُظهر منازل طائرة ومدنًا في السماء ومواصلات تعمل على الطاقة الذرية، وأكدت أن الإنسان سيعيش على المريخ بحلول عام 2000!

لكننا ما زلنا نُكدِّس في الزحام الأرضي، ونصارع من أجل تأمين شبكة Wi-Fi مستقرة.

لماذا تخطئ التنبؤات أحيانًا؟

لأن الزمن، ببساطة، ليس خطًّا مستقيمًا يمكن توقُّعه بالمسطرة، فقد تتغالى في توقُّع شيء لا يحدث، أو يحدث ما لم تكن تتصوَّر حدوثه يومًا.

لماذا نكتب عن المستقبل؟ ولماذا عام 2125 بالتحديد؟

لأننا نعيش تسارعًا هائلًا في وتيرة التغيير عن ذي قبل، في القرون الماضية، كانت الـ100 عام لا تغير إلا أنظمة الحكم، أو شكل اللباس، أو وسيلة التنقل، أما اليوم، فالعقد الواحد كافٍ ليُعيد رسم نمط العالم:

الراديو ثم التلفاز، ثم الإنترنت، ثم الهواتف الذكية، ثم الذكاء الاصطناعي، والآن… ها نحن نكتب ونقرأ ونتعلَّم ونتحبَّب ونتخاصم عبر شاشات ضوء لا مادة فيها!

التطور السريع للتكنولوجيا

لأننا في مرحلة تحوُّل غير مسبوقة، التكنولوجيا لم تعد أداة، بل أصبحت بيئة نعيش فيها، الذكاء الصناعي، الواقع المعزز، العوالم الافتراضية، الطباعة الحيوية، الحوسبة الكمية.. كل هذه مصطلحات لن تكون غريبة على أطفال عام 2125.

فهل يمكننا تخيُّل العالم وقتها؟ كيف ستكون المدن؟ ماذا عن التعليم؟ هل يظل البشر كما نعرفهم؟ هل تختفي بعض الوظائف؟ هل تظهر لغات جديدة؟ هل تبقى المشاعر كما هي أم تُبرمج؟

ولكي نجيب عن كل تلك التساؤلات، ونرى كيف يبدو شكل العالم في عام 2125، سوف نأخذكم في رحلة ممتعة، مخترقين فيها حدود الزمان، لنرى كل شيء بوضوح وواقعيًا كأنك مسافر عبر الزمن.

رحلة إلى المستقبل.. القاهرة عام 2125

ماذا لو سافرنا عبر الزمن؟ تخيّل العالم عام 2125 من قلب القاهرة المستقبلية… هيا، إلى عام 2125.

أغمضتُ عينيَّ، ارتجف الهواء من حولي، دوى صوت كأنما خرج من أعماق الزمن: «الوجهة: القاهرة – العام 2125». ثم... صمت.

عندما فتحت عيني، لم يكن أمامي سوى عالم لم تعرفه ذاكرتي، ولم تتخيله أبدًا خرائط أحلامي.

خرجتُ من كبسولة الزمن، وقفت على قدميَّ بثقلٍ غير معتاد، بدا الهواء أخف، لكنه محمَّلٌ بروائح غريبة.. كأن أحدهم كان قد ابتكر طريقة لنقل العطر عبر الموجات اللاسلكية.
«نعم!» تمتمتُ، «أتذكر تلك التجارب المجنونة في أوائل الألفية الثالثة، حين حاول باحثون يابانيون من جامعة طوكيو في عام 2023 تطوير أجهزة تنقل الروائح عبر الإنترنت... يبدو أنهم نجحوا!».

نظرتُ من حولي. لم أكن في القاهرة التي أعرفها، لا أصوات أبواق، لا زحام، لا بائع فول على ناصية شارع القصر العيني، كانت المدينة قد بدّلت جلدها.

أبراج هائلة من الزجاج الحيّ تتراقص ألوانها حسب الطقس. ،رقٌ معلقة في السماء تحمل سيارات لا تطير.. بل تنزلق على مسارات مغناطيسية صامتة، بلا صوت محرك، بلا عادم، بلا دخان. العربات مزودة بذكاء صناعي مستقل، بعضها لا يقودها أحد، بل تقرأ أفكار الركَّاب، وتحلل عواطفهم لتقترح عليهم الوجهة الأنسب حسب حالتهم النفسية.
«ذكَّرني ببحوث Neuralink من بداية 2020، تلك التجارب على الربط بين الدماغ والآلة… هل حقًا وصلوا لهذه المرحلة؟».

القاهرة في المستقبل

تابعت السير.. الشوارع تضيء تحت قدميك بمجرد مرورك، ليست أضواءً كهربائية تقليدية، بل شبكة ذكية تعتمد على تكنولوجيا «graphene light skin» التي بدأت شركات مثل «سامسونج» و«MIT» استكشافها قبل مئة عام. تضيء بناءً على حركة الإنسان ودرجة مشاعره، وتطفئ لتوفير الطاقة عندما تغادر.

في أحد الميادين، رأيت شجرة، كانت تنبض! نعم، تنبض بضوء أزرق. اقتربت.. لم تكن شجرة حقيقية، بل نبات بيولوجي صناعي من الجيل الرابع، ينتج الأكسجين النقي، ويُعدِّل نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو أوتوماتيكيًّا، في عام 2022 كانت هناك نماذج أولية لمثل هذه الأشجار في المكسيك وكوريا، لكنها الآن تُستخدم في كل شارع.

كل شيء يبدو نظيفًا، لكن مفرط في الذكاء.. مفرط في الهدوء.

لحظة.. أين الناس؟

سرتُ أبحث عن وجوه، كنت أريد فقط أن أسمع ضحكة، صرخة، أي صوت يدل على حياة مألوفة.

وجدت شاشة كبيرة، يتكلم فيها شخص… بل «نُسخة ثلاثية الأبعاد» من شخص. كان برنامجًا صحفيًّا، لكن المقدّم لم يكن إنسانًا. هو ذكاء اصطناعي يحاور ضيوفًا افتراضيين، يطرح عليهم أسئلة تم توليدها لحظيًّا بناءً على تحليلات الترندات العالمية.

«تذكرتُ مشروع ChatGPT في أوائل العشرينيات، كيف كانوا يتحدثون عنه بعدِّه بداية النهاية لمفهوم المعرفة التقليدية... لم أكن أظن أنه سيصل لهذا!».

توقفتُ.. وسكنت.. نظرت للسماء. هل هذا هو العالم الذي تخيّلناه؟

شيء ما داخل صدري انكمش «لا يوجد أحد من عالمي هنا، لا أمي، لا أصدقائي، لا حتى عطر بيتنا القديم...». كلهم رحلوا، اختفوا مع الزمن، الزمن الذي سلمني لهم ثم سلمني إلى العدم، العالم هنا لا يذكرني، ولا أعرفه. أطفالي... إن وُجدوا... صاروا شيوخًا أو رمادًا. وأحفادهم ربما هم من يسكنون هذه المدينة الآن، لا يعلمون أن أحد أجدادهم عاد من الماضي ليحدّق في الحاضر الذي لم يكن.

تقدَّمتُ نحو أحد المباني، فتح الباب تلقائيًّا بعد أن تعرّف على البصمة الجينية في الهواء من حولي، دخلت، الجو داخل المكان يشبه حلمًا تكنولوجيًا هادئًا، لا أوراق، لا مكاتب، فقط مجسّمات هولوجرامية لبيانات عملاقة.

هنا تُدار «مكتبة مصر المستقبلية» التي أصبحت رقمية بالكامل، مرتبطة بقاعدة بيانات كونية تحت إشراف مجلس الذكاء العالمي، كل الكتب تُقرأ بعقلك عبر «رابط عصبي مباشر» - مفهوم كانوا قد بدأوا استكشافه في جامعة ستانفورد عام 2024 باستخدام واجهات «BCI».

مكتبة مصر المستقبلية

مشاعري؟

مزيج عجيب بين الإعجاب، والخوف، والحنينلا ضحكة طفل. لا صوت عود يُعزف في مقهى. لا رائحة شاي على فحم.

حتى الناس... لا يتحدثون كثيرًا، أغلبهم يتواصلون بصمت عبر موجات دماغية تُترجمها أدوات مزروعة في الأذن.

التواصل اللفظي صار «كلاسيكيًّا»، يُستخدم فقط في العروض المسرحية أو المناسبات التراثية.

وفي إحدى الزوايا، وجدت مرآةً ذكية. نظرتُ فيها. عرضت لي حالتي الصحية، ونبضي، وأخبرتني أن معدل الحزن في عينيّ تجاوز 75%. سألتني إن كنت أرغب في جلسة دعم نفسي رقمية.

حينئذ، أدركت، أننا قد نكون نطور العالم.. لكننا أيضًا نُفرِّغه من نفسه، إن الحضارة شيء لا يُقاس فقط بالكهرباء الذكية، بل بضحكة الجارة، وبصوت بائع الورد، وببصمة أمسكها طفل من يدك دون أن يفهم لماذا يحبك.

أخذتُ نَفَسًا عميقًا. وتساءلتكيف هو شكل التعليم، الحب، الطعام، والموت في هذا الزمان: عام 2125؟

الحب والتعليم والموت في عام 2125

هل يمكننا أن نحب ونموت ونتعلم كما فعلنا في الماضي؟ نظرة واقعية وفلسفية من قلب المستقبل.

الحب في عام 2125 هل لا يزال موجودًا؟

تجوَّلت في أحد المنتزهات الذكية. كل شيء مصمم لتحفيز الدوبامين.. حتى العصافير كانت طائرات صغيرة مزروعة بريش بيولوجي تبث أصواتًا تُحاكي الطبيعة بدقة، رأيت ثنائيًّا يجلسان على مقعد، لا يتحدثان، بل يتبادلان مشاعرهم عبر خوذتين تربطان عقليهما معًا، قرأت في شاشةٍ جانبية: «جلسة حب تزامني - مشروع NeuralMatch».

تذكرت شيئًا.. في زمننا، كان الحب يبدأ بنظرة، بارتباك، بيد ترتجف حين تلامس يدًا أخرى. هنا، صار الحب مُهندسًا، يُبنى على توافقات عصبية ونِسَب كيميائية، خوارزميات تحدد لك «نصفك الأفضل». أحد البرامج -حسب ما قرأت في مجلة إلكترونية في المكان- يستخدم الذكاء الصناعي لتحليل تاريخك العاطفي وصياغة سيناريو علاقة مثالية دون الحاجة لخوض التجربة.
«المشاعر المؤلمة أصبحت اختيارية».

لكنني تساءلت: إذا كان الحب بلا ألم... فهل لا يزال حبًّا؟

التعليم في 2125: نهاية المعلم وبداية المعرفة المزروعة

دخلتُ إلى «مركز التعليم اللامتناهي». لم يكن يوجد فصول، ولا مقاعد. بل غرف تأمل ضوئية. رأيت طفلًا، لا يتجاوز العاشرة، يضع شريحة صغيرة خلف أذنه. خلال دقائق، أصبح يتحدث خمس لغات ويتقن مفاهيم فيزياء الكم.

تكنولوجيا «التعليم بالتحميل المعرفي المباشر» التي بدأت تجاربها في الصين عام 2027 وصلت إلى ذروتها. لا حاجة للمدرسة، لا للحفظ، لا للواجبات.

ولكن... ما مصير الحوار؟ من يُعلّم الطفل أن يسأل؟ أن يشكّ؟ أن يفكر؟

سألت أحد الحضور -وكان إنسانًا آليًّا- عن الفلسفة، فقال: «تم حذفها من معظم المناهج، نظرًا لأنها تثير تساؤلات غير منتجة تؤدي إلى اضطراب معرفي».

كدت أبكي، أهذه نهاية أفلاطون، وابن رشد، وداروين، وسارتر؟

الموت في 2125: الرحيل المؤجَّل.. أو المحذوف؟

أكثر ما أرعبني لم يكن الطيران ولا الذكاء الصناعي... بل تلك اللافتة الإلكترونية التي قرأتها في أحد الأروقة:

«عيادة تمديد الحياة — احجز اليوم واحصل على 30 سنة إضافية

تقنية CRISPR وصلت إلى مرحلة تعديل الجينات بما يسمح بإبطاء الشيخوخة. شركات التأمين توفر خططًا لـ«صيانة الجسم»، ومنظومة «اللا موت الجزئي» تتيح تحميل وعي الإنسان على نظام سحابي لتتم إعادة تنشيطه لاحقًا.

تقنيات إبطاء الشيخوخة

مررتُ بغرفة هادئة، فيها سيدة مسنَّة تنظر إلى صورة رقمية لطفل صغير. سألتها:

– من هذا؟
– حفيدي... لكنه الآن نسخة رقمية محفوظة في مركز «الوعي الخالد». فقدناه في حادث، لكننا حمّلنا وعيه قبل وفاته بساعات.

أطرقتُ رأسي. الموت لم يعد نهاية... لكنه أيضًا لم يعد بداية.

الفن في عام 2125 الذوق الآلي وغياب الألم

في أحد الميادين الجديدة، وجدت جاليري للفن التفاعلي، لوحة واحدة تتغير حسب مزاج من ينظر إليها، موسيقى تتبدل تردداتها وفق إشارات دماغك، شعر يُقرأ بصوتك، بنبرة حزنك.

لكن ما صدمني، أن أغلب ما رأيته كان جميلًا... أكثر من اللازم، لا شروخ، لا فوضى، لا تجريب.

سألت أحد الروادهل يوجد فنانون بشر؟
ضحك وقالليس بعد 2090، بعد أن أثبت الذكاء الصناعي أن الإبداع يمكن توليده دون معاناة، أصبح الفن منتَجًا، لا ولادة.

لكنني كنت أعلم... الفن الذي لا يُولد من الشك، من الخوف، من الضعف، ليس فنًا، بل تجميل. مجرد فلتر للألم، لا مرآة له.

خطر ببالي أن أوقف أحدهم -من البشر بلا شك- وأسأله عن كل شيء؛ لأن الوقت لن يسعفني لتفقد كل المتغيرات التي حدثت بنفسي. وأسأله عن كل ما يشغلني؟

اللقاء الأول: رجل يجلس في الحديقة

اخترت أحدهم، وجدته جالسًا في حديقة بمفرده. وبعد إقناعه بأن يتواصل معي بالطريقة العادية: بالكلام، وبعد محاولتي إقناعه بقصتي، وبأني مسافر عبر الزمن آتٍ من الماضي وأرغب في سؤاله عن متغيرات هذا العصر، وافق على مضض، مع شبه عدم اقتناع بما قلت. ربما ظنها تجربة علمية، أو اعتبرني مخبولًا، لكنه قرر مسايرتي.

سؤال عن واقع الحياة في المستقبل

سألته: «هل حياتكم في هذا العالم كئيبة كما أظن؟»

أجابني بهدوء: «لا، ليس كذلك. أنت تظن هذا فقط لأنه ليس عالمك، غير معتاد عليه، جديد لك».

قاطعته قائلًا: «لكن أين متعة الحياة، والآلات تصنع كل شيء؟».

فقال لي: «لا يا عزيزي، من قال لك هذا؟ الآلات فقط سهَّلت علينا الحياة، وما زلنا نحن البشر نتحكم في الأمر برمَّته، تغيرت فقط مفاهيم العمل والإنجاز والمنافسة عن زمانكم، بدلًا من أن نتنافس فيمن يصمم مشروعًا أفضل، أصبحنا نتنافس فيمن يجعل الروبوت أو الآلة تُنتج شيئًا أفضل بتزويدها بالأفكار، أو فيمن يبتكر أداة تسهّل الحياة أكثر».

نقود المستقبل: هل ما زالت موجودة؟

سألته: «وهل يوجد عندكم نقود؟».

فأجاب: «نعم، لكنها ليست كما تعرفها. انتهى عصر النقود المادية منذ مدة طويلة. كل التعاملات أصبحت من خلال عملات رقمية مشفّرة».

سألته مندهشًا: «لكن كيف أصبح شكل العمل؟ شكل الحياة؟ شكل المعاملات؟».

تجربة واقعية باستخدام آلة المستقبل

ناولني شيئًا يشبه الخوذة، مزودًا بعدسات توضع على العين وسماعات على الأذن، وقال لي: «سأجعلك تجرّب بنفسك، لكن قبل أن تخوض التجربة، سأخبرك بعدة أمور».

ثم أضاف: «أخبرني والدي ذات يوم أنه في زمانكم، كنتم تستطيعون نقل حاستي السمع والبصر إلكترونيًّا فقط – الأصوات والصور – عبر أداة تُدعى الهاتف. بالطبع انتهى استخدامها منذ زمن. أما نحن فقد استطعنا نقل كل الحواس الخمس رقميًّا. نعم، كل شيء: الروائح، الإحساس، الأطعمة، المشاعر... أصبحت تنتقل عبر الأثير».

هذه الآلة بعد ارتدائها ستستطيع من خلالها التجوّل في أي مكان تريده واقعيًّا وأنت جالس في مكانك، يعني لو ذهبت لصديقك في محافظة أخرى، ودخلت منزله وشهدته يركل زوجته برجله، فقد شاهدت ما قد حدث في الواقع بالفعل. ارتدِها وجرب بنفسك، لكن انتبه، هي تعمل بإشارة عينك وإيماءة من إصبعك وأفكارك.

آلة المستقبل

ارتداء الآلة: الرحلة تبدأ

بمجرد أن ارتديت الآلة، بدأ كل شيء يتغير.

شعرت وكأنني أتحرك بحرية تامة، وكأنني حقًا أسير في الشوارع. خطواتي لم تكن وهمًا. كانت تشبه المشي فعليًّا. استطعت الدخول إلى أمكنة، فتح الأبواب بإشارة من عيني، أو بإيماءة من يدي. حتى الأفكار أصبحت أوامر تُنفَّذ لحظيًّا.

قررت -كمجرد تجربة- السفر إلى باريس. وفي لحظة، وجدتني هناك. نعم، هناك فعليًّا.

شعرت ببرودة الجو على بشرتي، تنفّست هواءً مختلفًا، شممت روائح المقاهي، عبق الخبز الفرنسي الطازج، ورطوبة الشوارع. لم يكن هذا حلمًا. لم تكن هذه محاكاة. كنت أعيش الأمر بكامل حواسي.

الواقع الجديد: لقاءات رقمية بأحاسيس حقيقية

وبعد عودتي، قال لي: «هل فهمت كيف أصبح شكل الحياة؟»

فهمت معنى أن تذهب لتقابل صديقك وأنت جالس في مكانك. تستطيع أن تتحدث معه فعليًّا، تتصافحان، تجلسان سويًّا في مقهى، ترتشفان القهوة، قبل أن تندهش وتسأل: «هل سأشعر بمذاق القهوة؟»

نعم، ستشعر بكل شيء: ملمس الفنجان الساخن، مرارة البن الغامق الذي تفضله.

ستتشاوران في أمور العمل، تضحكان... وكل ذلك رقمي، لكنه محسوس، حقيقي، نابض.

يمكنك أن تذهب إلى عملك دون أن تغادر منزلك. تجتمعون كفريق في غرفة اجتماعات، تُنجزون المشاريع، تُبرمون الصفقات، تشترون وتبيعون، لكن كل شيء يحدث في العالم الرقمي الجديد.

خلاصة التجربة: كيف غيّرت هذه الآلة معنى الواقع؟

بهذه الآلة، تغيّر كل شيء، لم تعد المسافة عائقًا، لم تعد الجغرافيا قيدًا، أصبح بإمكان الإنسان أن يعيش حياتين في آنٍ واحد: واقعية ورقمية، لكن الفرق أنه يشعر بهما معًا.

قلت مستغربًا: «ربما يؤدي هذا إلى مشكلات جمة، مثل اقتحام البيوت، سرقة البنوك، وضياع الخصوصية، أستطيع من خلال تلك الآلة دخول أي منزل والتسنط على أصحابه».

ضحك كثيرًا وقال لي: «الأمر ليس كما تظن، فلا يستطيع أحد الدخول لمنزلي رقميًّا إلا إذا سمحت له بذلك، أو كان معه شفرة دخول البيت، مثل فكرة الأبواب بالضبط، وهكذا باقي الأمور التي تتعلق بالخصوصية أو بمصالح الناس، فأنت مسموح لك التحرك بحرية في الأمكنة العامة فقط، أو التي تمتلك حق دخولها، لكن لا يعني أنه لا يحدث تجاوزات، فمثل كل شيء، يوجد المخربون الذين يحاولون كسر تلك القواعد، لكن تسعى السلطات لتحجيمهم بشتى الطرق، مثل الهاكر في زمانكم».

وماذا عن الإنسانية، الحب، المشاعر؟

«قد تظن أن حياتنا أصبحت أكثر جفافًا، لكن دعني أوضح لك الأمر. صحيح أننا تقدّمنا تكنولوجيًّا جدًّا، وصلنا المريخ، وصنعنا محطة فضائية هناك، استنسخنا كائنات منقرضة وأعدناها للحياة. صحيح أن شكل الحياة تغيَّر، شكل المعاملات اختلف عن ذي قبل، حتى العلاقات لم تعد كما كانت في كيفيتها؛ صحيح أن الواقع أصبح من الصعب تمييزه عن الوهم أو الزيف

لكن ما زلنا بشرًا، ما زلنا، نحب ونكره، ما زلنا نخاف على من نحب، نفرح لفرحهم، نأنس بوجودهم، واقعيًّا قبل رقميًّا.

ما زلنا نجتمع على موائد الطعام، كل مدة كبيرة نعم، لكن ما زلنا.

ما زلنا نشجع فريق كرة القدم الذي نحب بشغف، ما زلنا نصطف خلف الإمام في صلاة التراويح في خشوع.

نعم، يتغير شكل الحياة مع مرور الزمن، لكن بعض الأمور لا تتغير أبدًا.

والآن أستأذن لأن لدي مقابلة عمل بعد 30 ثانية.

ثم ارتدى آلته العجيبة تلك، ولم ينبس بعدها ببنت شفة، كأنه غاب عن العالم وذهب إلى عالم آخر

خواطري الأخيرة من المستقبل: «2125» ليس عالمًا سيئًا... لكنه مختلف. لا رائحة لذكرياتنا فيه. كل شيء يبدو محسوبًا، معقّمًا، ذكيًّا بدرجة مفرطة.

عالم بلا مشاعر

لكن الذكاء الاصطناعي لا يكتب الشعر بنفس إحساس البشر، ولا يشتاق، ولا يُخطئ من فرط الحب.

في الطريق إلى العودة، نظرتُ من نافذة المركبة. القاهرة كانت لا تزال جميلة. رغم أنها تغيرت، لكن النيل كان هناك. لم يتحول إلى شاشة هولوجرامية، ولا ناطحة سحاب مائية.

كان حقيقيًّا، حزينًا، متدفّقًا... مثل دمعة تنتمي إلى الزمن القديم.

ضغطتُ زر العودة، شعرتُ بقلبي ينبض أول مرة منذ زمن، وقلت في نفسي: «ربما هذا الزمان غير مناسب بالنسبة لي، لأنه ليس زماني، لم أترعرع فيه حتى أفهمه ويفهمني؛ لكنه بالنسبة لأهله الزمن المناسب بالتأكيد».

هتف الصوت الآلي: «وصلنا إلى الوجهة، القاهرة 2025».

ختامًا: رسالة للمستقبل

لكن، قبل أن نغلق هذا الباب الزمني، دعنا نتذكرلم نكتب هذا المقال لنزعم امتلاكنا لمفاتيح الغيب، ولا لنرسم خريطة دقيقة لمستقبل القاهرة في عام «2125».
بل حاولنا، بكل تواضعٍ إنساني، أن نستشفّ القادم من خلال شظايا الحاضر، ونستقرئ المجهول عبر عدسة العلم، وأن نُطعّم المنطق بقليلٍ من الخيال.

ربما يتحقق أشياء مما ذكرناها… وربما لا يتحقق أشياء أخرى.

وربما -وهذا وارد- تقع أحداثٌ لم نذكرها أصلًا، لأنها الآن لا تزال جنينًا في رحم «اللااحتمال».

لكني، في نهاية هذه الرحلة، أود أن أترك رسالة صغيرة

إلى من سيقرأ هذا المقال بعد مئة عام، إن كان هذا الموقع ما زال موجودًا، وإن كنتم ما زلتم تقرؤون المقالات أساسًا، ولم تُستبدلوا بطريقة أخرى للتواصل، لا نعرفها نحن بعد

اقرؤوا هذا المقال كأنكم تفتحون كبسولة زمن.

أخبِروا أبناء جيلكم أن أناسًا من عام «2025» حاولوا التنبؤ بعالمكم، بشغف، وقلق، وأمل.

دوِّنوا في كتاباتكم، أو بطريقتكم، أن «هناك من كانوا هنا، ذات زمن، تخيلوا مدينتكم، وحاولوا رسم ملامحها، على ضوء شمعة منطق وعاصفة حدس».

اكتبوا عنا -نحن أهل الماضي- كما كتبنا نحن عنكم.

ولا تنسوا، أن تقوموا بما قمنا به

ارفعوا أعينكم نحو الأفق، وتنبؤوا أنتم أيضًا بالقاهرة عام «2225».

ووجهوا بدوركم رسالة إلى مَن سيأتي بعدكم.

فالحلم، هو الشيء الوحيد القادر على أن يسافر عبر الزمن، دون مركبة، دون وقود… فقط بحاجة إلى عقل حي، وقلب يؤمن أن الغد، مهما كان غريبًا، يستحق أن نكتب عنه.

وإن لم يكن لنا مكان في مستقبلكم

فلتكن لنا سطورٌ عابرة… في ذاكرته.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

اعجبني الموضوع للغايه أعتقد أنني سوف أقوم بتلخيصه
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

لدي سؤال لك اتمنى أن تجيبني في اقرب وقت ممكن
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.