شعراء المهجر.. والثورة على الكلاسيكية الشعرية

ربما سمعت من قبل عن شعراء المهجر أو مصطلح (مدرسة المهجر)، وهو ما يعرفه المهتمون بالأدب ولا سيما الشعر، ويشير مصطلح شعراء المهجر إلى مجموعة من الشعراء العرب الذين كان لهم إسهامات كبيرة في الحركة الشعرية العربية، إضافة إلى نشر الثقافة العربية في أمكنة عدة.

وفي هذا المقال نوضح لك من هم شعراء المهجر، وما سماتهم الأدبية، ولماذا نشأ هذا المصطلح من الأساس.

قد يعجبك أيضًا أحمد شوقي.. أكثر الشعراء القدماء والمعاصرين في الشعر

من هم شعراء المهجر

ظهر مصطلح شعراء المهجر عندما أسس الشاعر اللبناني جبران خليل جبران عام 1920 ما عُرِف وقتها باسم (شعراء الرابطة القلمية) التي كانت تضم مجموعة من الشعراء والكتاب العرب الذين هاجروا من أوطانهم العربية في أواخر القرن التاسع عشر بحثًا عن حياة أفضل في أمريكا الشمالية، وربما هاجر بعضهم على نحو اضطراري. ومن أهم الأسماء في (شعراء الرابطة القلمية) رشيد أيوب وعبد المسيح حداد وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة، إضافة إلى المؤسس جبران خليل جبران.

ثم نشأ بعد ذلك مصطلح آخر وهو مصطلح (شعراء العصبة الأندلسية)، وهو ما كان يقصد به مجموعة الشعراء والكتاب الذين يعيشون في دول أمريكا الجنوبية مثل المكسيك وفنزويلا والأرجنتين والبرازيل. وبذلك كان مصطلح شعراء المهجر يُعبِّر عن كل هؤلاء الكتاب والشعراء الذين يعيشون خارج أوطانهم ويكتبون باللغة العربية، سواء كان الشعراء أعضاء في الرابطة الشمالية أو الجنوبية أو حتى الذين لم يشاركوا في العضوية. ومن أهم شعراء (العصبة الأندلسية) كل من مهدي سكافي وشفيق المعلوف ونظير زيتون وميشيل نعمان معلوف وإلياس فرحات.

اقرأ أيضًا في ذكرى وفاته.. يوسف إدريس تشيخوف العرب وسيد القصة القصيرة

الخصائص الأدبية لشعراء المهجر

مع أنَّهم ينتمون جميعًا إلى الثقافة العربية ومعظمهم ينتمي إلى منطقة الشام، لكن ظروف المهجر كان لها تأثير كبير على الخصائص الأدبية لكتابات شعراء مدرسة المهجر التي تميزت ببعض السمات مثل:

الشكل السردي

تأثرت كتابات شعراء المهجر كثيرًا بمشاعر الهجرة والغربة، وجنحت نحو القصصية والسردية داخل القصيدة، وهو الأسلوب الذي ساعد كتاب مدرسة المهجر في طرح مشاعرهم وعواطفهم الإنسانية داخل النص الشعري، أضف إلى ذلك الاتجاه السائد في أمريكا وأوروبا في ذلك الوقت، فكانت السردية سمة من سمات الكتابة بوجه عام.

الوحدة العضوية

أبرز سمات شعراء المهجر هي عضوية النص ووحدة الأغراض، وهو ما جعل قصائد شعراء المهجر تمثل طفرة في الكتابة العربية في ذلك الوقت، إذ كانت الأفكار مرتبة والصور متماسكة على نحو رائع، وهو ما دفع كثير من الشعراء داخل الوطن العربي إلى السير على خُطا شعراء المهجر.

الرمزية العالية

على نحو غير مقصود كانت الرمزية سمة من السمات الأدبية في نصوص شعراء المهجر، باستخدام الإشارة دون تصريح واستخدام الرموز الحسية للتعبير عن المشاعر والعواطف والمواقف والأفكار، وهو ما يُعدُّ أيضًا تطورًا في بناء القصيدة العربية في ذلك الوقت.

الشكل الحر

يُعدُّ شعراء المهجر من أوائل الكتاب الذين تحرروا من القافية وقيود الوزن في القصيدة العربية، وهو ما أدى إلى تنوع كبير في أنماط النص الشعري، إذ ظهر شعر التفعيلة وشعر النثر، إضافة إلى مساحة للقصائد التي تعتمد على الوزن والقافية.

سهولة الأساليب

خرج شعراء المهجر في قصائدهم عن الأساليب القديمة واللغة الحجرية، واتجهوا إلى المعاني السلسة والأفكار الواضحة والتراكيب الممتعة الرشيقة التي يستطيع أن يتعامل معها القراء من كافة الثقافات، وهو ما منح أشعارهم انتشارًا كبيرًا في ذلك الوقت.

اقرأ أيضًا أيمن العتوم السهل الممتنع والمحارب المسالم

أهم موضوعات شعراء المهجر

كانت أشعار مدرسة المهجر تدور في المشاعر والأفكار التي تشغل بال أي مهاجر أو مسافر بعيدًا عن وطنه، مثل صراعات الهوية والشعور بالانفصال عن الثقافة الأم، إضافة إلى تأثير الثقافة الجديدة والحياة في أمريكا الشمالية والجنوبية بمفرداتها وتفاصيلها الاجتماعية والثقافية التي ظهرت في نصوص وأشعار شعراء المهجر. ولذلك كانت الثورة على القيود أحد أبرز سمات القصيدة في ذلك الوقت، وهو ما انعكس في اختيار الموضوعات والمفردات.

ولجأ شعراء المهجر إلى الكتابة كنها وسيلة للوجود وإثبات الهوية، فإنهم أيضًا قدموا كثيرًا لمشهد الشعر العربي من نصوص ذات جودة عالية، إضافة إلى ثورتهم الكبيرة على الأشكال القديمة التي دفعت كثيرًا من الكتاب والمفكرين العرب إلى التجديد والثورة والتجريب، وكذلك الفعاليات الكبيرة التي أقامها شعراء المهجر سواء في شمال أمريكا أو جنوبها من ندوات وأمسيات ولقاءات ورعاية للمواهب، وهو ما كان إسهامًا كبيرًا لوجود الثقافة العربية في أمريكا، أضف إلى ذلك الدفاع عن اللغة العربية وإظهار مواطن قوتها والتعريف بجمالياتها.

لا يمكن أبدًا الحديث عن شعراء المهجر دون ذكر قضية فلسطين التي كانت دائمًا حية في أشعارهم ونقاشاتهم وفعالياتهم الأدبية، إذ كانت أصوات شعراء المهجر تعلو بالدفاع عن الحق الفلسطيني في تلك البلاد البعيدة، وهو ما أضاف بعدًا كبيرًا وجانبًا إنسانيًّا وثقافيًّا هائلًا للقضية الفلسطينية.

مقتطفات من أشعار شعراء المهجر

من أشعار جبران خليل جبران

أهدى إلى عالي المقام     بتأدب أزكى السلام

وأقول حمدا للأمير  وقل حمد عن مرامي

هي نعمة جمعت بها    شتى من النعم الجسام

طوقتني طوق الحمام   فليت لي سجع الحمام

ومنحتني شرفا أتيه به    على كل الأنام

طالعت ديوان الأمير  بأي شوق واهتمام

متوردا سفريه أسقي  الراح في جام   فجام

وإذا مدام الروح أن شتنا     فما روح المدام

 ***

من أشعار إيليا أبو ما ضي

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت أمامي طريقا فمشيت

وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري ؟

أجديد أم قديم أنا في الوجود

هل أنا حر طليق أم أسير في قيود؟

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟

أتمنى أنني أدري ولكن لست أدري

وطريقي ما طريقي أطويل أم قصير؟

هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟

أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير؟

أم كلانا واقف والدهر يجري؟ لست أدري

***

من أشعار رشيد أيوب

عطشت زهرة  روحي   وذوت بنت الخلود

فسقتها من روحي  ها هنا أيدي الوجود .. وشعوري

ايه يا صبري قليلا  ثم نجتاز الطريق

لا تفارقني عليلا أنت يا نعم الرفيق ..في المسير

ما ترى الأشجار لبت   وهي في الخريف

كلما الأرياح هبت قابلتها بالحفيف.. بسرور

***

من أشعار رشيد سليم الخوري

نصحتك يا نفس لا تطمعي  وقلت حذار فلم تسمعي

فإن كنت تستسهلين الوداع  كما تدعين إذن ودعي

رزمت الثياب فلم تجمحين  وفيم ارتعاشك في أضلعي

ألا تسمعين صياح الرفاق   وتجديف حوذينا؟ أسرعي

رأيت السعادة أخت القنوع  وخلت السعادة في المطمع

ولما بدا لك عزمي قنعت   وهيهات يجديك أن تقنعي

خرجت أجرك جر الكسيح    تئنين في صدري الموجع

ولما غدونا بنصف الطريق   رجعت وليتك لم ترجعي

لئن كنت يا نفس مع من أحب     فلم ذا اشتياقي   ولم أدمعي؟

أظنك تائهة في البحار  فلا أنت معهم ولست معي

وفي نهاية هذه الجولة القصيرة في مدرسة شعراء المهجر نتمنى أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة والحماس لقراءة أعمال هؤلاء الشعراء الكبار أصحاب التجربة المهمة في الشعر العربي.

ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة