شعراء المهجر الجنوبي.. ميشيل نعمان ورشيد الخوري وإلياس فرحات

عند الحديث عن مدرسة المهجر الشعرية، يُشار إلى شعراء المهجر الذين استقروا في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان لهم نشاط كبير في النشر والطباعة والانتشار، ما أثَّر على الثقافة العربية عامة، وعلى الشعر خاصة. أضف إلى ذلك تأثيرهم فيما يُعرف بالأدب العربي الغربي. لكن أدباء المهجر الشمالي كانوا أوفر حظًا في الشهرة والانتشار، حتى في تناول أعمالهم على مستوى النقد والنشر.

في هذا المقال، نحاول إبراز بعض أسماء أدباء المهجر الجنوبي الذين استقروا في أمريكا الجنوبية في مناطق من البرازيل والأرجنتين وفنزويلا والمكسيك، لنتعرف على أهم محطاتهم الإبداعية والشخصية.

اقرأ أيضًا: شعراء المهجر.. ميخائيل نعيمة ناسك الشخروب

ميشيل نعمان معلوف

يُعدُّ الشاعر اللبناني الكبير ميشيل نعمان معلوف أحد أدباء المهجر البارزين الذي كان له كتابات في أغراض متعددة، وقد عاش في البرازيل وجمع ثروة كبيرة، وترك آثارًا مهمة في الشعر والمسرح.

المولد والنشأة

ولد ميشيل نعمان معلوف في مدينة زحلة اللبنانية عام 1889، وتلقى تعليمه الابتدائي هناك، ثم التحق بالكلية الكاثوليكية قبل أن يسافر إلى البرازيل عام 1910 ليعمل في التجارة ويُمارس الكتابة في الوقت ذاته.

حياة ميشيل نعمان معلوف

استطاع معلوف النجاح في مجال التجارة، ثم انتقل إلى الصناعة فأسس مصنعًا للنسيج، وأصبح تدريجيًّا من رجال المال المعروفين في مدينة ساو باولو البرازيلية، دون أن يعوقه ذلك عن نشاطه الإبداعي. فقد أسس "العصبة الأندلسية" عام 1932 مع مجموعة من الكُتاب والشعراء المهتمين بالأدب في البرازيل، وتولى رئاستها مدة ست سنوات.

ومع أنَّ حياته كانت مرتبطة بالبرازيل حيث عمله وأصدقاؤه، لكنه في أثناء زيارته للبنان عام 1938 لم يتمكن من العودة إلى البرازيل؛ بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، فاضطر للاستقرار في لبنان مدة، فتزوج هناك ووافته المنية نتيجة مرض مزمن.

أدب ميشيل نعمان معلوف

تميَّز أدب ميشيل نعمان معلوف بالكتابة على الطريقة الكلاسيكية، وفق الأغراض القديمة مثل الكتابة عن الخمر والغزل والملذات، لكن لغته كانت سهلة وسلسة، ما ساعد على انتشار أشعاره. وكان يمتيَّز بالمشاعر والأحاسيس الفياضة التي تغلب على النص الشعري، وكتب أيضًا مسرحية شعرية لم ينشرها؛ نظرًا لظروف الحرب وابتعاده عن أصدقائه في البرازيل.

أعمال ميشيل نعمان معلوف

جُمِعَت أشعاره وقصائده في كتاب واحد، ونشره أصدقاؤه وزملاؤه في العصبة الأندلسية عام 1944 بعد وفاته، تحت عنوان "في هيكل الذكرى". في حين بقيت مسرحيته الشعرية حبيسة الورق ولم تنشر وهي بعنوان "سجين الظلم".

وفاة ميشيل نعمان معلوف

توفي ميشيل نعمان معلوف في لبنان بعد أن منعته الحرب من العودة إلى البرازيل، فتزوج هناك ولم يمهله القدر أكثر من بضع سنوات ليتوفى عام 1942 ويدفن في مسقط رأسه بمدينة زحلة.

اقرأ أيضًا: شعراء المهجر.. إيليا أبو ماضي شاعر الجمال والفلسفة

رشيد سليم الخوري

يُعدُّ رشيد سليم الخوري من أهم شعراء أدب المهجر الجنوبي الذي عُرِفَ في الأوساط الأدبية باسم "الشاعر القروي".

المولد والنشأة

وُلد الشاعر اللبناني رشيد سليم الخوري في قرية البربارة في لبنان عام 1887، وتلقى تعليمه الابتدائي هناك، ثم عاش طفولته وجزءًا كبيرًا من شبابه في لبنان قبل أن يسافر مع أخيه إلى البرازيل عام 1913، حيث عمل وكتب في الوقت نفسه، مستفيدًا من وجود عدد كبير من أبناء لبنان في البرازيل آنذاك.

حياة رشيد سليم الخوري

قضى رشيد سليم الخوري معظم أيام عمره في البرازيل، حيث عاش هناك نحو 45 سنة قبل أن يعود إلى لبنان ليعيش فيها أكثر من 20 عامًا حتى وفاته.

وفي أثناء وجوده في البرازيل، حقق شهرة كبيرة بصفته شاعرًا وأديبًا ورئيسًا لتحرير مجلة الرابطة، ثم أصبح بعد ذلك رئيسًا للعصبة الأندلسية التي تضم أدباء المهجر في الجزء الجنوبي، خلفًا للشاعر ميشال معلوف في رئاسة الجمعية.

كان رشيد سليم الخوري محبوبًا بين الطوائف العربية في البرازيل، في حين كان يكره القوات الفرنسية المحتلة، وكتب عددًا من القصائد لهجاء الاحتلال الفرنسي، وكتب قصائد تمجيد للأبطال والمجاهدين الذين يقاومون الاحتلال الفرنسي، ومنهم الزعيم الدرزي سلطان الأطرش؛ لذا أعده كثير من الكُتاب والنُقاد أحد شعراء المقاومة وأحد مثقفي النهضة العربية، إذ كان ينادي دائمًا بالحرية والوحدة.

أدب رشيد سليم الخوري

مع أنَّه كان ينتهج الشكل التقليدي أو الكلاسيكي في الكتابة، لكنه كان يتمتع بحساسية خاصة تميزه عن الآخرين، فكان يكتب نصًّا يتقد بالمشاعر والحماس، وله القدرة على مزج الفكرة والمضمون بالنمط، فتؤدي الإيقاعات والمفردات دورها في حمل الأفكار وتشكيل الحالة النفسية ببراعة.

يقول عنه الشاعر والناقد العراقي الكبير فالح الحجية في كتابه عن شعراء النهضة العربية: "كان لا يشعر بالهزيمة أمام الاستعمار والشر والاستبداد، فكان يرد بأشعاره ويستخدمها سلاحًا فتاك ويدافع عن حقه وحق شعبه في الوجود والحرية، فكان بحق شاعر النهضة العربية".

أعمال رشيد سليم الخوري

مع أنَّ الشاعر الكبير رشيد سليم الخوري عاش تجربة إبداعية كبيرة امتدت نحو 70 عامًا من الكتابة، لكن المنشور من شعره أقل بكثير مما كتبه، ولذلك يوجد عدد من الأعمال التي لم تنشر حتى الآن، ولعلَّ أبرز أعماله:

· الرشيديات عام 1916

· القرويات عام 1916

· الأعاصير عام 1933

· اللاميات الثلاث عام 1947

· القروي عام 1952

· الزمازم عام 1962

مقتطف من شعر رشيد سليم الخوري

 فتى الهيجاء لا تعتب علينا   وأحسن عذرنا تحسن صنيعا

تمرستم بها أيام كنا   نمارس في سلاسلنا الخضوعا

فأوقدتم لها جثثا وهاما    وأوقدنا المباخر والشموعا

إذا حاولت رفع الضيم فاضرب     بسيف محمد واهجر يسوعا

أحبوا بعضكم بعضا وعظنا    بها ذئبا فما نجت القطيعا

***

تحير بي عدوي إذ تجنى  علي فما سألت عن التجني

وقابل بين ما ألقاه منه  وما يلقى من الإحسان مني

يبالغ في الخصام وفي التجافي   فأغرق في الأناة  وفي التأني

أود حياته ويود موتي   وكم بين التمني والتجني

إلى أن ضاق بالبغضاء ذرعا   وحسن ظنه بي  حسن ظني

عدوي ليس هذا الشهد شهدي    ولا المن الذي استحليت مني

 فلي أم حنون أرضعتني    لبان الحب من صدر أحن

على بسماتها فتحت عيني     ومن لثماتها رويت سني

كما كانت تناغيني أناغي    وما كانت تغنيني أغني

سقاني حبها فوق احتياجي    ففاض على الورى ما فاض عني

وفاة رشيد سليم الخوري

توفي الشاعر اللبناني الكبير وأحد أدباء المهجر رشيد الخوري في لبنان عام 1984، عن عمر ناهز نحو 97 عامًا.

اقرأ أيضًا: شعراء المهجر.. جبران خليل جبران رحلة قصيرة وأثر كبير

إلياس فرحات

شاعر لبنان الكبير إلياس فرحات، أحد أعمدة مدرسة أدب المهجر الشعرية الذي عاش حياة صعبة ولم يحظَ بكثير من الشهرة والانتشار على الرغم شاعريته الكبيرة، فلم يحصل على التقدير الذي يتناسب مع مكانته إلا في أواخر حياته.

المولد والنشأة

ولد إلياس فرحات في قرية شيما في لبنان عام 1893، وتلقى بها تعليمه الابتدائي، لكنه لم يستطع إكمال مراحل الدراسة، فترك المدرسة ليعمل ويجد قوت يومه، واضطر للعمل في عدد من المهن من أجل تعلم حرفة وكسب الرزق، حتى هاجر إلى البرازيل عام 1910 وهو في السابعة عشرة من عمره، ليجد الحال بالصعوبة نفسها، كما كان هناك في لبنان، فعاش حياة صعبة للغاية، لكنه كان يقاتل من أجل لقمة العيش من ناحية وتعلم الكتابة والقراءة من ناحية أخرى، إذ لم يكن قد نال القدر الكافي من التعليم.

حياة إلياس فرحات

عمل الشاعر الكبير إلياس فرحات في أعمال عدة في البرازيل، فعمل في المتاجر والمحال، وعمل بائعًا متجولًا، وتزوج بالسيدة جوليا جبران، قريبة الأديب الكبير جبران خليل جبران، وأنجب منها أربعة أولاد، منهم بنت وثلاثة صبيان، واستقر في مدينة هوريزونت في البرازيل.

تعرَّف إلياس فرحات على عدد من الأدباء العرب في البرازيل في مرحلة نشاط كبيرة للشعراء العرب في أمريكا الجنوبية، ما منحه الفرصة في إصدار مجلة مع أحد أصدقائه تُسمى مجلة الجديد، ثم اشترك في تأسيس العصبة الأندلسية التي تضم أدباء المهجر في أمريكا الجنوبية بصحبة شعراء كبار مثل ميشال معلوف وسليم الخوري.

يُذكَر أن الشاعر إلياس فرحات قد زار سوريا عام 1959، وحظي باستقبال كبير، ثم أقام في لبنان وحظي بالاستقبال نفسه في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، قبل أن يعود بعد عدة سنوات إلى البرازيل، وهي أكثر المراحل التي شعر فيها إلياس فرحات بالتحقق والتقدير بعد كثير من العناء والصعوبات، فتعاملوا معه بصفته أديبًا كبيرًا، وعُرِفَ اسمه بين الأدباء العرب الذين شاركوا في صناعة النهضة العربية، ونُشِرَت له قصائد عدة في مجلات عربية وغير عربية.

أدب إلياس فرحات

ربما كانت كتابة إلياس فرحات تلتزم بالشكل الكلاسيكي التقليدي، لكن كتابته كانت تتميَّز بالثورة الداخلية على مستوى الأفكار التي يطرحها، فكان دائمًا يصطدم بالنعرات الطائفية والتقاليد المجتمعية الحجرية، إضافة إلى النزعة الوطنية الكبيرة في قصائده وميوله وأفكاره، وهو ما دفع عدد من الكُتاب والنُقاد إلى إطلاق اسم "شاعر الوطنية" على الشاعر الكبير إلياس فرحات.

أعمال إلياس فرحات

ترك الشاعر الكبير إلياس فرحات عددًا من الأعمال الشعرية المنشورة وغير المنشورة، وعلى رأسها مجموعة من الدواوين التي أسماها بأسماء الفصول، مثل:

· ديوان الربيع

· ديوان الصيف

· ديوان الخريف

· ديوان مطلع الشتاء

· ديوان فواكه رجعية

· أحلام الراعي

· رباعيات فرحات

مقتطفات من شعر إلياس فرحات

خصلة الشعر التي أهديتنيها  عندما البين دعاني بالنفير

لم أزل أتلو سطور الحب فيها   و سأتلوها إلى اليوم الأخير

 

أغرب خلف الرزق وهو مشرق     وأقسم لو شرقت كان يغرب

حياة مشقات ولكن لبعضها   عن الذل تصفو للأبي وتعذب

 

 

ما دمت محترما حقي فأنت أخي   آمنت بالله أم آمنت بالحجر

دع آل عيسى يسجدون لربهم    عيسى وآل محمد لمحمد

أنا لا أصدق أن لصًّا مؤمنًا    أوفى لربك من شريف ملحد

 

لبنان من نور العروبة يقتبس  فليبسم الغاوون أو فليعبسوا

هذي تباشير الصباح تدلنا   أن سوف يغمرنا نهار مشمس

عقدان  بل ليلان كنا فيهما   ندعوا على وحش التفرق يفطس

لا بل هما وحشان  وحش وصاية   شرس ووحش عمى  وهذا أشرس

يتعاونان على الشام وأهلها     ذئب يريق دما ودب يلحس

ذهب المجاهر بالعداء فليته  أخذ الذي بالطائفية يهمس  

لولاهما ما كان إلا حاكم    فرد لأمتنا وإلا مجلس

وفاة إلياس فرحات

توفي الأديب اللبناني الكبير إلياس فرحات في البرازيل عام 1976، ودُفن هناك بعد أن ترك ميراثًا كبيرًا من الشعر والفكر والمواقف النبيلة.

وفي آخر هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة بين عدد من أدباء المهجر الجنوبي، نتمنى أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة