شرح بيتي الإمام الشافعي.. تعرف على الشروط الهامة للعلم

أخي لن تنال العلم إلا بستــــــة... سأنبيك عن مجموعها ببيان

ذكاء وحرص واصطبار وبلغة... وصحبة أستاذ وطول زمان

أخا العلم كن في جانبي أنا ناصح... فأقبِلْ على نصحي فإنه واضح

فإن كان قولًا خذ من الشعر تفلح... ومن ينتصح فالحزن عنه لنازح 

وهذا حديـثــــي فاستمع لي فإنني... حريص على الخيرات فيها المصالح

اقرأ ايضاً بين الشافعي وسبينوزا وعلي بن أبي طالب

شرح أبيات الإمامي الشافعي في العلم

بدأ الشاعر قوله منبهًا لإقبال مخاطبه عليه ليسمع ما أراد أن يقول بعد ندائه إياه، وقال: "يا خي".

وقال "لن" وهذا نفي أبدي في عدم نيل العلم إلا بهذه الشروط الستة، ولم يقل "لا".

ثم بدأ الشاعر باستعماله (لن) ثم (إلا)، وهذا نفي كما سبق، وذهب بعض إلى أن كل ما يجيء بعد (إلا) من بعد ما سبقه نفي (ما) و(لن) و(لا) مقصود عند البلاغيين. 

وتنفس الشاعر بعدما نفى نيل العلم إلا بهذه الشروط الستة، وقال: (سأنبيك) ولا يقول: (سوف أنبئك) لأنه للتسويف، ولا يستطيع حصوله إلا في المستقبل البعيد.

اقرأ ايضاً كيفية طلب العلم

قال لبيد

وما المال والأهلون إلا ودائع... ولا بد يوما أن ترد الودائع

إنه قد نفى كون المال والأهلين ما يفيد المرء، ثم أثبت أن المال والأهلين ودائع، قال الله: "لَن یَضُرُّوكُمۡ إِلَّاۤ أَذࣰىۖ "، [سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١١١].

نفى الله عن المؤمنين ضرر الكافرين، وأثبت بعد ذلك أن محاولتهم أذى فقط، وهو مقصود من الضرر. وقولك "لا إله إلا الله" نفينا وجود إله آخر، ثم أثبتنا أن الله هو الموجود والمعبود، وأنه مقصود، وما من إله آخر والله أعلم.

اقرأ ايضاً الحكمة ضالة الحكماء: رسائل الإمام "محمد عبده" مفتي مصر والأديب الروسي "ليو تولستوي"

سرعة الفطنة والذكاء

فأول قوله:(الذكاء): سرعة الفطنة وحدة العقل، وهو من ذكى يذكو ذكوا وذكاء، وهو بمعنى اشتعال اللهب، وهذ الشاعر يوجه طالب العلم إلى هذه الشروط الستة.

وبدأ بالذكاء، بأن يكون في طلب العلم ذكيًا، وذلك ما يعينه على ما يريد أن يأخذ من العلوم والفوائد وقد غير شاعر الذكاء بالقلب في بيت شعره، وقال:

علمي معي حيثما يممت ينفعني... قلبي وعاء له لا بطن صندوق

وإذا ما كان له عقل ضابط لا يفوته، ويكون كما قال هذا الشاعر، وكما أراد له، أما إن لم يكن له إلا العقل الضعيف لا يستقر علمه، فييئس منه.

هل ضعف العقل مرض؟

وضعف العقل قد كان مرضًا عظيمًا لطالب العلم، وبذلك لا يسره ما هو يتعلم، وذكر الخطيب البغدادي في كتابه تقييد العلم أن بعض الناس شكوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سوء الحفظ، وألزمهم على الاستعانة بالكتابة.

وقد كان ضعف العقل في رجل من التابعين وهو يقول إنه يلبث شهرًا في حفظ الحديث النبوي، وقد قيل عن علي بن حمزة الكسائي إنه أنفذ خمس عشرة قنينة حبرًا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، وهذا يدل على أن الكسائي كان ذكيًا وعاقلًا ضابطًا، وعند أهل الحديث من كان ضعيف الحفظ أو سيئ الحفظ وهو مجروح لا يقبل حديثه.

علاج العقل الضعيف

ودواء العقل الضعيف شرب ماء زمزم، قال النبي الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له"، يمكن أن يبدأ الدارس بشرب ماء زمزم قبل الدرس، وبعد الدرس، وعند الدرس، يا له من علاج رباني.

"فلئن تعددت مشارب الناس ومآربهم من شرب زمزم، فإن شيخنا يرى في ماء زمزم شفاء للحن، وشفاء للأخطاء الفاحشة في اللغة، وعلاجًا ناجعًا لانحراف اللسان عند النطق بلغة الضاد"، "رح واشرب زمزم".

قال الغرناطي:وسقوا بها من ماء زمزم شربة... نالوا بها بالخلد حظا رابحًا

قال عبد الغني أحمد ناجي: يا مكة البيت الحرام وكعبة... والماء يشفى من يروم بزمزم

وقال الآخر:يا مكة البيت العتيق وزمزم      أبدا يسيل قداسة وتطهرا 

رأي الجوهري في الحرص

وعلى طالب العلم أن يتداوى بهذا الدواء الإلهي ليزداد ذكاء وعقلًا ضابطًا.

ثاني قوله: (الحرص): قال الجوهري: الحرص: الجشع، وقد حرص عليه يحرص، ويحرص حرصًا وحَرْصا، وحرص وَحَرَصَا".

ويستمر الشاعر قائلًا لطالب العلم أن يكون الحرص له في العلم؛ لأن به ينال العلم ويزداد فيه، فإن لم يكن له فلا يمتد علمه، ومن حرصه على العلم يستكثر في العلم، ويسير ليلًا ونهارًا في طلبه.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اثنان لا يشبعان طالب العلم، وطالب المال. قال الله تعالى عنا: "أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ". [سُورَةُ التَّكَاثُرِ: ١]؛ لأننا نحرص على كثرة المال، وكذلك طالب العلم يستكثر من العلم، ولا يبطئ فيه كيلا ينقص، فحاله وحال طالب المال سواء، وبحرصهما على ما هما يطلبان لا يشبعان. فليس يصح ما قال هذا الشاعر:

تمنيت أن أمسي فقيها مناظرا... بغير عناء فالجنون فنون 

هذا القول باطل لا شيء فيه، لأنه يتمنى فقط، لا يحرص على طلب العلم، ولم يخرج في طلبه، وَعَنْ أنسٍ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن خرَج في طَلَبِ العِلمِ، كان في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى يرجِعَ. رواهُ الترْمِذيُّ. فإنه أخرجه حرصه على العلم إلى طلبه، فقد كان أهل الحديث حريصين على الحديث، لذلك يطوفون بالبلاد لأخذه عن الناس.

ما هو الاصطبار؟

ثالث قوله: (الاصطبار) نقيض الجزع، صبر ويصبر صبرًا فهو صابر وصبار وصبير، وصبور، والأنثى صبور أيضًا بغير هاء وجمعه صُبر.

وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر، فإنه افتعال للصبر بمنزلة اكتساب، فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصبر اصطبارا".

قلت في قصيدتي البائية بعنوان "توجيه الطلاب نحو الصواب":

صبرا لما في سبيل العلم من تعب... فذاك سنة من في العلم والأدب

 لو قال شخص لما قد كان واجه "لا"... أنى ينال المنى الدين والحسب

 للمصطفى قال رب العرش يأمره... واصبر كما صبر أولو العزم لم تخب

 لما رسول إله الخلق مصطبر... والله أتاه كل الخير في العرب

العلم ما يرضى طالبه وما لا يرضي

وميدان العلم فيه ما يرضى طالبه وما لا يرضى، وإذا رأى ما لم يرض فليصطبر كل اصطبار؛ لأنه عاقبة الخير للمصطبر، قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: "بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ".[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٢٥].

فشرط إمداد الله المؤمنين بالملائكة الصبر والتقوى، فمن لم يصبر ولم يتق لا ينال، قال الله أيضًا: "وَمَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَمَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمࣲ". [سُورَةُ فُصِّلَتۡ: ٣٥]. وعلى طالب العلم أن يصبر على كل ما يواجه من المشقات في ميدان العلم.

رابع قوله: (البلغة): ما يتبلغ به من العيش، فهذا قول الشاعر الآخر لطالب العلم، وهو البلغة فعليه أن تكون مع طالب العلم البلغة، فإن لم تكن معه، لا يسير له العلم قط، وقد سار مثلًا عند العرب "البطنة تذهب الفطنة".

فالبطنة هي الجوع، والفطنة هي العقل، فإذا لم يكن مع طالب العلم الطعام، يذهب عقله، وإذا ذهب عقله لا يحرز عقله شيئًا في العلم، فإذا كان طالب العلم جوعانًا، لا يعي شيئًا مما هو يتعلم من العلوم.

إذا جاع الفتى فالعلم يأبى... عليه، كان ذاك العلم صعبا

يسد الجوع عقل المرء سدا... فلا ينقاد ما قد كان يأبى

إباء العلم جهل الناس طرا... طعاما صاحبي شربا وشربا

قال الشافعي

إني صحبت أناسا ما لهم عدد... وكنت أحسب أني قد ملأت يدي

فإن رأوني بخير ساءهم فرحي... وإن رأوني بشر سرَّهم نكدي

فهؤلاء الناس المنهي عن صحبتهم وعن مجالستهم.

سادس قوله: (طول الزمان)

وهذا آخر ما قاله الشاعر وفيه ترغيب لطالب العلم أن يطول وقت تعلمه؛ لأنه كما يزداد علمًا عليه بجوار ما يتأدب به مع ربه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أدبني فأحسن تأديبي". أخرجه العسكري في الأمثال في أول حديث، سنده غريب.

والله أدبه القرآن بأن قال له: "ۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمࣰا" [سُورَةُ طه: ١١٤] ليزداد علمًا دائمًا فما زال النبي -صلى عليه وسلم- ذلك حتى صار الناس بالله وبدينه وبكتابه، عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ... ثُمَّ يَقُولُ: "إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا".

قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: "من كان بالله أعرف كان لله أخوف".

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

أشكرك أستاذنا الفاضل.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

الشكر لله.
وجزاك الله خيرا.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة